غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

ميمونة بنت الحارث

          1553 # مَيْمُونُة بنتُ الحارث بن حَزْن، الهلاليَّة، المدنيَّة، أمُّ المؤمنين، كان اسمها بَرَّة، فغيَّره(1) صلعم إلى ميمونة، وكانت أوَّلاً تحت حويطب بن عبد العزَّى، أو تحت أبي رُهْم، أو تحت فروة بن عبد العزَّى، أو تحت سَبْرة، وأمُّها هند بنت عوف، وأخواتها لأبويها لُبابة الكبرى، زوجة العبَّاس، ولبابة الصُّغرى زوجة الوليد بن المغيرة، وعصماء(2) زوجة أُبيِّ بن خَلَف، وعزَّة زوجة زياد بن عبد الله، وأخواتها لأمِّها أسماء بنت عميس، زوجة جعفر بن أبي طالب، ثمَّ أبي بكر، ثمَّ عليِّ بن أبي طالب، وسلمى زوجة حمزة بن عبد المطَّلب، ثمَّ شدَّاد بن أسامة، وسلامة زوجة عبد الله بن كعب، وزينب بنت خزيمة، زوج النَّبيِّ صلعم. قاله(3) الطَّبريُّ، نقلاً عن أبي عمر.
          وذكر ابن سيِّد النَّاس(4) في ترجمة زينب _نقلاً عن عليِّ بن عبد العزيز الجرجانيِّ_ أنَّها كانت أخت ميمونة، ثمَّ قال: ولم أر ذلك لغيره. ثمَّ قال ابن سيِّد النَّاس: ومن أخواتها للأبوين أمُّ حُفْيد(5) هزيلة. قال: وكانت ميمونة في الجاهليَّة عند مسعود بن عمرو الثَّقفيِّ ففارقها، وخلف عليها أبو رهم بن عبد العزَّى. وقد مضى في ترجمة لبابة أنَّ أمَّها أكرم عجوز في الأرض أصهاراً، ولمَّا فرغ صلعم من خيبر، وتوجَّه إلى مكَّة معتمراً سنة سبع، وقدم عليه من الحبشة (جعفر بن أبي طالب)، فخطب عليه ميمونة، وجعلت أمرها إلى العبَّاس، فتزوَّجها وهو محرم، فلمَّا رجع بنى بها بِسَرِفَ حلالاً، وروى ابن عبَّاس أنَّه تزوَّجها محرماً، وروي أيضاً أنَّه تزوَّجها [محرماً(6) ، وفي أفراد مسلم أنَّه تزوَّجها حلالاً، زاد البرقانيُّ: وبنى بحها حلالاً.
          واعلم أنَّه اختلف العلماء أنَّه تزوَّجها]
وهو حلال أو محرم، والمرجَّح عند الشَّافعيِّ أنَّه كان حلالاً، والتَّرجيح لأسباب، منها: أنَّها بنفسها قالت: تزوَّجني رسول الله صلعم ونحن حلالان بسرف. فهي أعلم بالحال من ابن عبَّاس، ومنها ما روى أبو رافع: تزوَّجها وهو حلال، وكنت السَّفير بينهما. حسَّنه التِّرمذيُّ(7) ، وصاحب الواقعة أعلم بها فليقدَّم، ومنها أنَّه قال [سعيد بن المسيَّب: وهم ابن عبَّاس فيه. فدخل هذه الرِّواية وهن، منها: أنَّه وري عن ابن عبَّاس أنَّه قال] : تزوَّجها وهو حلال. فتعارضت الرِّوايتان منه فتساقطتا، ومنها أنَّ ابن عبَّاس كان إذا ذاك ابن ستِّ سنين، فتحمَّل في صغره، وغيره في الكبر، ومع هذا يؤوَّل كلامه: وهو محرم، أي في الحرم، أو في الشَّهر الحرام، أو قاصد الإحرام، أو كان يرى ابن عبَّاس أنَّ من قلَّد هديه صار محرماً، وكان صلعم قد قلَّد هديه(8) ، على أنَّ [ابن](9) عبد البرِّ قال: لا أعلم أنَّ أحداً من الصَّحابة وافق ابن عبَّاس على رواية أنَّه كان محرماً، ولئن سلِّم فلعلَّه كان ذلك من خصائصه، فلا يشمل الأمَّة.
          ونقل ابن الأثير(10) عن بعضهم أنَّه تزوَّجها وهو حلال، وظهر أمر تزويجها وهو محرم، وروي أنَّ النَّبيَّ صلعم حين اعتمر عمرة القضاء تزوَّجها وهو محرم، / فلمَّا أن قدم مكَّة أقام ثلاثاً التي اشترطها على أهل مكَّة، فجاءه سهيل بن عمرو في نفر من أصحابه(11) من أهل مكَّة، وكان قد بعث إليهم عثمان، وقال: «إن شئتم أقمت عندكم ثلاثاً أخر، وعرَّست بأهلي، وأولمت(12) لكم». فقال سهيل: اخرج عنَّا اليوم آخر شرطك، ولا حاجة لنا بك، ولا في طعامك. فقال سعد بن أبي وقَّاص: يا عاضَّ بظر أمِّه، أرضك وأرض أمِّك دونه! فلا يخرج رسول الله إلَّا أن يشاء. فقال صلعم: «دعهم فإنَّهم زارونا(13) لا نؤذيهم». فخرج فبنى بميمونة بسرف حيث تزوَّجها، وهو على عشرة أميال من مكَّة، وماتت أيضاً بسرف، وسنُّها ثمانون، وهي آخر امرأة تزوَّجها صلعم، ويقال: إنَّها وهبت نفسها للنَّبيِّ، وذلك أنَّ خطبته انتهت إليها وهي على بعيرها، فأرمت نفسها عن البعير، وقالت: البعير وما عليه لله ولرسوله. فأنزل الله تعالى { وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ } الآية [الأحزاب:50] ويقال: إنَّ الواهبة هي زينب بنت جحش. ويقال: أمُّ شريك غزيَّة بنت جابر. ويقال: غيرها.
          قال ابن عبَّاس: كانت ميمونة تغتسل ورسول الله صلعم من إناء واحد.
          روت عن رسول الله صلعم ستَّة وأربعين حديثاً، للبخاريِّ منها ثمانية.
          وقال الكلاباذيُّ(14) : تزوَّجها بِسَرِفَ، وبينها وبين مكَّة اثنا عشر ميلاً، وذلك في ذي القعدة، وبنى بها في ذي الحجَّة.
          روى عنها: ابن أختها عبد الله بن عبَّاس، وكُريب مولى ابن عبَّاس، وعبد الله بن شدَّاد.
          نقل عنها البخاريُّ بالواسطة في مواضع، أوَّلها: في باب السَّمر(15) بالعلم، من كتاب العلم [خ¦117] ، ثمَّ في الوضوء [خ¦138] ، والصَّوم [خ¦1989] .
          توفِّيت سنة إحدى وخمسين، في حياة عائشة، وقيل: سنة ثلاث [وخمسين. وقيل]: بعد ممات عائشة عام الحَرَّة. وصلَّى عليها ابن عبَّاس، ودخل قبرها هو ويزيد بن الأصمُّ(16) ، وعبد الله بن شدَّاد، وهي عمَّتهم، ونزل معهم عبيد الله الخولانيُّ، وكان يتيماً في حجرها.


[1] في (ن): (فغيرها).
[2] في (د): (عصاماً) وهو تصحيف.
[3] في غير (ن): (قال). وانظر السمط الثمين: ص189.
[4] عيون الأثر:2/385، وفيه: وعصماء وعزة وأم حُفيد لأب وأم.
[5] في الأصول تصحيفاً: (أم حفيدة).
[6] في (ن): (حلالاً) والتصويب من صحيح مسلم.
[7] سنن الترمذي، برقم(841)، ولفظه: وكنت أنا الرسول فيما بينهما، وهو حديث حسن.
[8] في (ن) تصحيفاً: (هذه).
[9] ما بين حاصرتين سقط من الأصول كلها.
[10] أسد الغابة:7/262.
[11] في غير (ن): (من الصحابة) وكذا كان في (ن) ولكن الناسخ ضرب عليها وأثبت ما في المتن.
[12] في (ن) تصحيفاً: (وأوطت).
[13] كذا في عيون الأثر 2/392: (زارونا) وفي (ن): (ازارونا) وفي غيرها: (آزرونا).
[14] الهداية والإرشاد:2/845.
[15] في (ن) تصحيفاً: (باب اليمين).
[16] جاء في (د): (يزيد بن الأرقم) وهو تصحيف، وجاء في هامشها: في نسخة: (يزيد بن الأصم). قلت: والمثبت موافق لما في أسد الغابة:7/264،