الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: من أحب أن يسأل عن شيء فليسأل

          1856-التَّاسع: عن الزُّهريِّ عن أنس بن مالك: «أنَّ رسول الله صلعم خرَج حين زاغتِ الشَّمس(1) فصلَّى الظُّهر، فقام على المنبر فذكرَ السَّاعة، فذكر أنَّ فيها أموراً عِظاماً، ثم قال: مَن أحبَّ أن يَسأل عن شيءٍ فليَسأل، فلا تسألوني عن شيءٍ إلَّا أخبرتُكم ما دُمت في مَقامي هذا. فأكثَر النَّاسُ البكاءَ، وأكثرَ أن يقول: سَلُوا.
          فقام عبد الله بن حُذافة السَّهْميُّ فقال: مَن أبي؟ فقال: أبوك حُذافة. ثمَّ أكثر أن يقول: سَلوني. فبركَ عمرُ على ركبتَيه فقال: رضينا بالله ربَّاً، وبالإسلام ديناً، وبمحمَّدٍ صلعم نبيَّاً، فسَكت، ثمَّ قال: عُرِضَت عليَّ الجنَّة والنَّار آنِفاً في / عُرْضِ(2) هذا الحائط، فلَم أرَ كاليومِ في الخير والشَّرِّ!». [خ¦540]
          قال ابن شهاب: وأخبرني عبيد الله بن عبد الله بنِ عُتبَة، قال: قالت أمُّ عبد الله بنِ حُذافةَ لعبد الله بن حذافةَ: ما سمعتُ قطُّ أعقَّ منك! أأَمِنتَ أن تكون أمُّك قد قارَفت(3) بعضَ ما يقارِف أهلُ الجاهليَّة فتفضَحَها على أَعيُنِ النَّاس؟! قال عبد الله بنُ حذافة: والله لو ألحقَني بعبدٍ أسودَ لَلَحِقْتُه.
          وأخرجاه من حديث موسى بنِ أنس عن أنس قال: «خطب رسول الله صلعم خُطبةً ما سمعت مثلَها قطُّ! فقال: لو تعلمون ما أعلمُ لضحكتُم قليلاً ولبَكيتُم كثيراً.
          قال: فغطَّى أصحاب رسول الله صلعم وجوهَهم لهم خَنينٌ(4)، فقال رجلٌ: مَن أبي؟ قال: فلان، قال: فنزلت هذه الآيةُ: {لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة:101]». [خ¦4621]
          وفي حديث النَّضر بن شُميل أنَّ أنس بنَ مالك قال: «بلغ رسول الله صلعم عن أصحابه شيءٌ، فخطب فقال: عُرِضَت عليَّ الجنَّة والنَّار، فلم أرَ كاليومِ في الخير والشَّرِّ! ولو تعلمون ما أعلمُ لضحكتُم قليلاً ولبَكيتم كثيراً.
          قال: فما أتى على أصحاب رسول الله صلعم يومٌ أشدُّ منه، قال: غطَّوا رؤوسَهم ولهم / خَنينٌ...»، ثمَّ ذكر قيامَ عمر وقولَه، وقولَ الرَّجل: مَن أبي، ونزولَ الآية.
          وأخرجاه من حديث هشام عن قتادَةَ عن أنس قال: «سألوا النَّبيَّ صلعم حتَّى أَحْفَوه في المسألة(5)، فصعِد ذات يومٍ المنبرَ فقال: لا تسألوني عن شيءٍ إلَّا بيَّنت لكم. فجعلتُ أنظر يميناً وشمالاً فأرى كلَّ رجلٍ رأسُه في ثوبه يبكي، فأنشأ رجلٌ كان إذا لاحى(6) يُدعى إلى غير أبيه فقال: يا نبيَّ الله، مَن أبي؟ قال: أبوك حذافة.
          ثمَّ أنشأ عمر فقال: رضينا بالله ربَّاً، وبالإسلام ديناً، وبمحمَّدٍ نبيَّاً، نعوذ بالله من الفتن، فقال رسول الله صلعم: ما رأيت في الخير والشَّرِّ كاليومِ قطُّ! إنه صُوِّرت لي الجنَّةُ والنَّار حتَّى رأيتهما دونَ الحائط».
          قال قتادة: يُذْكَرُ هذا الحديث(7) عندَ هذه الآيةِ: {لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة:101]. [خ¦6362]
          وأخرجاه من حديث سليمان التيمي عن قتادة عن أنس بنحوه، ومن حديث سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، عن أنس بنحوه أيضاً.


[1] زاغتِ الشمس: مالت، وزاغ عن الطريق: أي مال وعدَل.
[2] عُرْض الشيء: وسطه وجانبه، بضم العين وسكون الراء.
[3] يقال قارفَ فلان الخطيئة واقترفها: خالطها وعملها، وأصل الاقتراف الاكتسابُ، يقال: اقترف الشيء اكتسبه، وفلان قُرَفَة إذا كان مكتَسِباً.
[4] الخَنَن: بالخاء كالبكاء مع مشاركةٍ في الصوت من الأنف، ويقال: المخنَّة الأنفُ.
[5] أحْفَوه في المسألة: أي استقصوا عليه وألحوا وأسرفوا، والحفِيُّ: المستقصي المبالغ.
[6] المُلاحَاة: المنازعة.
[7] في (ق): (فذكر هنا الحديث).