الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: إذا كان يوم القيامة ماج الناس

          1903- السَّادس والخمسون: عن معبدِ بنِ هلالٍ العَنَزيِّ قال: انطلقنا إلى أنس بن مالك وتشفَّعنا بثابت، فانتهينا إليه وهو يصلِّي الضُّحى، فاستأذن لنا ثابتٌ، فدخَلنا عليه، وأجلس ثابتاً معه على سريره، فقال له: يا أبا حمزةَ، إنَّ إخوانَك من أهل البصرة يسألونك أن تحدِّثهم حديث الشَّفاعة، فقال: حدَّثنا محمَّد صلعم، قال:
          «إذا كان يومُ القيامة ماج النَّاس(1) بعضُهم إلى بعضٍ، فيأتون آدمَ فيقولون / له: اشفع لذريَّتك(2)، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بإبراهيمَ، فإنَّه خليلُ الله، فيأتون إبراهيمَ، فيقول: لستُ لها، ولكن عليكم بموسَى، فإنَّه كليمُ الله، فيؤتى(3) موسى، فيقول: لستُ لها، ولكن عليكم بعيسَى، فإنَّه روحُ الله وكلمَته، فيؤتى عيسى، فيقول: لستُ لها، ولكن عليكم بمحمَّدٍ، فأُوتَى فأقول: أنا لها، فأنطَلِق فأَستأذِن على ربِّي، فيُؤذَن لي، فأقومُ بين يدَيه، فأحمَدُه بمحامدَ لا أقدِر عليه الآن، يُلهِمُنيه الله، ثمَّ أَخِرُّ له ساجداً، فيقال: يا محمَّد، ارفع رأسَك، وقُلْ يُسمَع لك، وسَلْ تُعْطَه، واشفع تُشَفَّع، فأقول: يا ربِّ، أمَّتي أمَّتي، فيقال: انطَلِق، فمَن كان في قلبِه مِثقالُ حبَّةٍ من بُرَّةٍ أو شَعيرةٍ من إيمانٍ فأخرِجْه منها، فأنطلِقُ فأفعَلُ، ثمَّ أرجِع إلى ربِّي، فأحمَده بتلك المحامدِ، ثمَّ أَخِرُّ له ساجداً، فيقال لي: يا محمَّد، ارفع رأسَك، وقُلْ يُسمَع لك، وسَلْ تُعطَه، واشفع تُشَفَّع، فأقول: يا ربِّ، أمَّتي أمَّتي، فيقال لي: انطلِق، فمَن كان في قلبِه مثقالُ حبَّةٍ من خردلٍ من إيمانٍ فأخرِجْه منها فأنطلِقُ فأفعَل، ثمَّ أعودُ إلى ربِّي، فأحمَده بتلك المحامدِ، ثمَّ أَخِرُّ له ساجداً، فيقال لي: يا محمَّد، ارفع رأسَك وقُلْ يُسمَع لك، وسَلْ تُعطَه، واشفع تُشَفَّع، فأقول: يا ربِّ، أمَّتي أمَّتي، فيقال لي: انطلِق، فمَن كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبَّةٍ من خَردلٍ من إيمانٍ فأخرِجْه من النَّار، فأنطلِق فأفعَل».
          هذا حديث أنسٍ الَّذي أنبَأنا به، فخرَجنا من عنده، فلمَّا كنَّا بظَهر الجَبَّان(4) قلنا: لو مِلْنا إلى الحسن فسلَّمنا عليه، وهو مُستَخفٍ في دار أبي خَليفَةَ، قال: فدخَلنا عليه، فسلَّمنا عليه، قلنا: يا أبا سعيدٍ، جئنا من عند أخيك أبي حمزةَ، / فلم نسمَعْ بمثل حديثٍ حدَّثناه في الشَّفاعة، قال: هيه، قال: فحدَّثناه الحديثَ، فقال: هيه، قلنا: ما زادنا، قال: قد حدَّثنا به منذ عشرين سنةً، وهو يومئذٍ جميع، ولقد ترَك شيئاً ما أدري أنسيَ الشَّيخُ أم كرِه أن يحدِّثكم فتتَّكلوا، قلنا له: حدِّثنا، فضَحِك وقال: خُلِقَ الإنسانُ من عَجَل، ما ذكرتُ لكم هذا إلَّا وأنا أريدُ أن أحدِّثَكموه، قال:
          «ثمَّ أرجِع إلى ربِّي في الرَّابعة، فأحمَده بتلك المحامد، ثمَّ أَخِرُّ له ساجداً، فيقال لي: يا محمَّد، ارفع رأسك، وقُلْ يُسمَع لك، وسَلْ تُعطَه، واشفع تُشَفَّع، فأقول: يا ربِّ ائذن لي فيمَن قال: لا إله إلَّا الله، قال: ليس ذاك لك _أو قال: ليس ذلك إليك_ ولكن وعزَّتِي وكبريائي وعظَمَتي، لأخرِجنَّ منها من قال: لا إله إلَّا الله».
          قال: فأشهدُ على الحسن أنَّه حدَّثنا به أنَّه سمع أنسَ بنَ مالك _أُراه قال:_ قبل عشرين سنةً وهو يومئذٍ جميع. [خ¦7510]
          وأخرَجاه من حديث سعيدِ بنِ أبي عَروبَةَ وهشامِ الدَّستَوائيِّ وأبي عَوانَةَ، وألفاظُهم متقارِبَة، وهذا لفظُ حديثِ أبي عَوانَةَ عن قتادَةَ عن أنس قال: قال رسول الله صلعم: «يجمَع الله النَّاسَ يومَ القيامَة، فيهتَمُّون لذلك، فيقولون: لو استَشفَعنا على ربِّنا حتَّى يريحَنا من مَكاننا هذا، قال: فيأتون آدم فيقولون: أنتَ آدمُ أبو الخلق، خلقَك الله بيدِه، ونفَخ فيك من روحه، وأمرَ الملائكةَ فسَجَدوا لك، اشفَعْ لنا عند ربِّك حتَّى يريحَنا من مَكاننا هذا، فيقول: لستُ هناكُم، فيَذكُر خطيئته الَّتي أصاب فيَستَحيي ربَّه منها، ولكن ائتوا نوحاً، أوَّل رسولٍ بعثه الله إلى أهل الأرضِ، قال: فيأتون نوحاً، فيقول: لستُ هناكُم، فيَذكُر خطيئته الَّتي / أصاب فيَستَحيي ربَّه منها، ولكن ائتوا إبراهيمَ صلعم الَّذي اتَّخذه الله خليلاً، فيأتون إبراهيمَ فيقول: لستُ هناكُم، ويَذكُر خطيئته الَّتي أصاب فيَستَحيي ربَّه منها، ولكن ائتوا موسى الَّذي كلَّمه الله وأعطاه التَّوراة، قال: فيأتون موسى، فيقول: لست هناكُم ويَذكُر خطيئته الَّتي أصاب فيَستَحيي ربَّه منها، ولكن ائتوا عيسى روح الله وكلِمَته، فيأتون عيسى روح الله وكلِمَته، فيقول: لستُ هناكُم، ولكن ائتوا محمَّداً صلعم، عبداً قد غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر.
          قال: قال رسول الله صلعم: فيأتوني، فأستأذِنُ على ربِّي، فيؤذَن لي، فإذا أنا رأيتُه وقعْتُ ساجداً، فيدَعُني ما شاء الله، فيقال: يا محمَّد، ارفع رأسَك، قُل تُسمَع، سَل تُعطَه، اشفع تُشَفَّع، فأرفَعُ رأسي فأحمَد ربِّي بتَحميدٍ يعلِّمنيه ربِّي، ثمَّ أشفَع، فيَحُدُّ لي حدَّاً فأخرِجهم من النَّار وأدخِلهم الجنَّة، ثمَّ أعود فأقع ساجداً، فيدَعُني ما شاء أن يدَعَني، ثمَّ يقال لي: ارفَع يا محمَّد، قُلْ تُسمَع، سَلْ تُعطَه، اشفع تُشَفَّع، فأرفَعُ رأسي فأحمَد ربِّي بتَحَميدٍ يعلِّمنيه، ثمَّ أشفَع، فيَحُدُّ لي حدَّاً فأخرِجُهم من النَّار وأدخِلُهم الجنَّة، قال: فلا أدري في الثَّالثة أو في الرَّابعة، فأقول: يا ربِّ، ما بقي في النَّار إلَّا من حَبَسَهُ القرآن» أي: وجَب عليه الخلود. [خ¦6565]
          وأخرجه البخاريُّ تعليقاً بلا إسنادٍ، فقال: وقال حجَّاج بن مِنهال عن همَّام بنِ يحيى عن قتادَةَ(5) عن أنس أنَّ النَّبيَّ صلعم، قال: «يُحبَسُ المؤمنون يومَ القيامة...» وذكَر نحوَ حديث هشام(6)، وفي آخره: «ما بقى في النَّار إلَّا مَن حَبَسَهُ القرآن»، أي: وجب عليه الخلود، ثمَّ تلا هذه الآيةَ: {عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} / [الإسراء:79] قال: وهذا المقامُ المحمودُ الَّذي وُعِدَه نبيُّكم صلعم. [خ¦7440]
          زاد في حديث هشام: فقال النبيُّ صلعم: «يخرج منَ النار من قال: لا إله إلا الله، وكان في قلبه منَ الخير ما يزِن شعيرةً، ثمَّ يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزِن بُرَّة، ثمَّ يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزِن ذَرَّة».
          قال يزيدُ بنُ زُرَيع: فلَقيت شعبةَ فحدَّثته هذا الحديث، فقال شعبَةُ: حدَّثنا قتادةُ عن أنس بن مالك عن النَّبيِّ صلعم بالحديث، إلَّا أنَّ شعبَةَ جعَل مكان الذَّرةِ ذُرَةً.
          قال يزيدُ: صحَّف فيها أبو بسطام.
          كذا في كتاب مسلم من رواية يزيدَ عن شعبَةَ، ولم أره لأبي مسعود في ترجمة شعبةَ عن قتادَةَ.
          قال البخاريُّ: وقال أبانٌ عن قتادَةَ بنحوه، وفيه: «من إيمان» مكان «خير». [خ¦44]
          زاد في حديث حجَّاج بن منهال عن همام بن يحيى أنَّ النَّبيَّ صلعم قال في حديث سؤال المؤمنين الشَّفاعة: «فيأتوني، فأستأذن على ربِّي في داره، فيؤذَن لي عليه».
          قال الخطابي أبو سليمان: قوله: «في داره» يوهِمُ مكاناً، والمكان للنَّبيِّ صلعم، والمعنى: في داره الَّتي دَوَّرها لأوليائه، وهي الجنَّة، وكذلك قوله في حديث أنس في الشَّفاعة: «وهو مكانُه» والمكان لا يُضافُ إلى الله سبحانه، كقوله تعالى: {لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ} [الأنعام127] وكما يقال: بيتُ الله، وحَرَمُ الله، / يريدون البيت الَّذي جعله الله مثابةً للنَّاس، والحرمَ الَّذي جعله الله أمْناً لهم، ومثله: روحُ الله، على سبيل التَّفضيل له على سائر الأرواح(7).
          وأخرج البخاريُّ طرفاً منه من حديث حُمَيد عن أنس قال: سمعت النَّبيَّ صلعم يقول: «إذا كان يومُ القيامة شَفَعْتُ فقلت(8) : يا ربِّ، أَدْخِلِ الجنَّة من كان في قلبه خَرْدَلة، فيدخلون، ثمَّ أقول: أدخِل الجنَّة من كان في قلبه أدنى شيء.
          فقال أنس: كأنِّي أنظر إلى أصابع النَّبي صلعم». [خ¦7509]


[1] ماج الناس: اضطربوا ومشى بعضهم إلى بعض، ومنه سُمي الموجُ؛ لاضطرابه وشدة حركته.
[2] في (ق): (اشفع لنا إلى ربك)، وهي رواية البخاري، وأشار في هامشها إلى ما أثبتناه، وهي رواية مسلم.
[3] في (ق): (فيأتون)، وهي رواية البخاري، وما أثبتناه رواية مسلم.
[4] الجبَّانة: المقبرة.
[5] تحرف (همام) في (ق) إلى (هشام)! وسقط قوله: (بن يحيى عن قتادَةَ) من (الحموي).
[6] في (الحموي): (همام).
[7] انظر «أعلام الحديث»، يعني بهذا أن الإضافة فيه إضافة تشريف وتكريم.ومن قوله: (زاد في حديث...) إلى هنا سقط من (الحموي).
[8] في (ق): (فأقول) وفي هامشه: (نسخة الأصل: فقلت).