الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: قال أبو طلحة لأم سليم: قد سمعت

          1882- الخامس والثَّلاثون: عن إسحاقَ بنِ عبد الله بنِ أبي طلحةَ عن أنس قال: «قال أبو طلحةَ لأمِّ سُلَيم: قد سمعتُ صوتَ رسول الله صلعم ضعيفاً أعرفُ فيه الجوع، فهل عندكِ من شيءٍ؟ فقالت: نعم، فأخرجت أقراصاً من شعيرٍ، ثمَّ / أخذت خِماراً لها فلفَّت الخبز ببعضه، ثمَّ دسَّته تحت ثوبي وردَّتني ببعضه، ثمَّ أرسلتني إلى رسول الله صلعم، قال: فذهبتُ به فوجدتُ رسول الله صلعم جالساً في المسجد ومعه النَّاس، فقمتُ عليهم، فقال رسول الله صلعم: أرسلكَ أبو طلحةَ؟ فقلتُ: نعم، فقال: أَلِطَعامٍ؟ فقلتُ: نعم.
          فقال رسول الله صلعم لِمَن معه: قوموا.
          قال: فانطلقوا وانطلقتُ بين أيديهم حتَّى جئت أبا طلحةَ فأخبرتُه فقال أبو طلحةَ: يا أمَّ سُلَيم، قد جاء رسول الله صلعم بالنَّاس وليس عندنا ما نُطعِمُهم، فقالت: الله ورسولُه أعلَمُ، قال: فانطلَق أبو طلحة حتَّى لقي رسولَ الله صلعم، فأقبل رسول الله صلعم معه حتَّى دخَلا، فقال رسول الله صلعم: هلُمِّي ما عندك يا أمَّ سُلَيم. فأتت بذلك الخبز فأمر به رسول الله صلعم فَفُتَّ، وعصرتْ عليه أمُّ سُلَيم عُكَّةً(1) لها فآدَمَتْه، ثمَّ قال فيه رسول الله صلعم ما شاء الله أن يقول، ثمَّ قال: ائذن لعشرةٍ. فأذِن لهم، فأكلوا حتَّى شَبِعوا ثمَّ خرجوا، ثمَّ قال: ائذن لعشرةٍ. فأذِن لهم، فأكلوا حتَّى شبِعوا ثمَّ خرَجوا، ثمَّ قال: ائذن لعشرةٍ. حتَّى أكل القومُ(2) كلُّهم وشَبِعوا، والقوم سبعون رجلاً أو ثمانون!». [خ¦422]
          وأخرَج البخاريُّ نحوَه من حديث محمَّد بنِ سيرينَ والجعدِ أبي عثمانَ وسنانِ بنِ أبي رَبيعَة جميعاً عن أنس: «أنَّ أمَّ سُلَيم عَمَدت إلى مُدٍّ من شعيرٍ جَشَّته / (3) وجعَلت منه(4) خَطيفة(5)، وعصَرت عليه عُكَّةً لها، ثمَّ بعثتْني إلى النَّبيِّ صلعم، فأتيته وهو في أصحابه، فدعوته، فقال: ومَن معي؟ فجئت فقلت: إنَّه يقول: ومَن معي؟ فخرج إليه أبو طلحة فقال: يا رسول الله؛ إنَّما هو شيءٌ صنعَته لك أمُّ سُلَيم، فدخل، فجيء به وقال: أدخِل عليَّ عشرةً. حتَّى عَدَّ أربعين، ثمَّ أكل النَّبيُّ صلعم! فجعلتُ أنظر هل نقص منها شيءٌ!». [خ¦5450]
          وأخرجه مسلم من حديث سعدِ بنِ سعيدٍ عن أنس قال: «بعثني أبو طلحةَ إلى رسول الله صلعم لِأدعوَه وقد جعَل طعاماً، قال: فأقبلتُ ورسول الله صلعم مع النَّاس، فنظَر إليَّ فاستحيَيت، فقلت: أَجِب أبا طلحةَ، فقال للناس: قوموا.
          فقال أبو طلحةَ: يا رسول الله؛ إنَّما صنعتُ لك شيئاً، قال: فَمَسَّها رسول الله صلعم ودعا فيها بالبركة، ثمَّ قال: أدخِل نفراً من أصحابي عشرة.
          وقال: كُلُوا.
          وأخرج لهم شيئاً من بين أصابعه، فأكلوا حتَّى شبعوا، فخرجوا، فقال: أدخِل عشرةً. فأكلوا حتَّى خرجوا، فما زال يدخل عشرة ويخرج عشرة حتَّى لَم يَبْقَ منهم أحدٌ إلَّا دخل فأكل حتَّى شَبِعَ، ثمَّ هيَّأها، فإذا هي مثلُها حين أكلوا منها».
          وفي حديث يحيى الأمويِّ عن سعدِ بن سعيدٍ نحوُه، وفي آخره: «ثمَّ أخذ ما بقي فجمَعَه، ثمَّ دعا فيه بالبركة، قال: فعادَ كما كان، فقال: دونكم هذا».
          وليس لسعد بن سعيد الأنصاري عن أنس في «الصَّحيحين» غيرُ هذا.
          وأخرجه أيضاً من حديث عبدِ الرَّحمن بن أبي ليلى عن أنس قال: «أمر أبو / طلحة أمَّ سُليم أن تصنع للنَّبيِّ صلعم طعاماً لنفسه خاصَّةً، ثمَّ أرسلني إليه...».
          وقال فيه: «فوضع النَّبي صلعم يده وسَمَّى عليه ثمَّ قال: ائذن لعشرةٍ. فأذِن لهم فدخلوا، فقال: كلوا وسَمُّوا الله. فأكلوا، حتَّى فعل ذلك بثمانين رجلاً، ثمَّ أكل النَّبيُّ صلعم بعد ذلك وأهلُ البيت، وتركوا سُؤراً»(6).
          وأخرجه أيضاً من حديث يحيى بن عُمارة بن أبي حسن عن أنس بهذه القصَّة، وفيه: «فقام أبو طلحة على الباب حتَّى أتى رسول الله صلعم فقال: يا رسول الله؛ إنَّما كان شيئاً يسيراً، فقال: هَلُمَّه، فإنَّ الله سيجعل فيه البركة».
          ومن حديث عبد الله بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بنحو هذا، وفيه: «ثمَّ أكل رسول الله صلعم وأكل أهلُ البيت، ثمَّ أَفضلوا ما بلَّغوا جيرانَهم».
          ومن حديث عمرو بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس قال: «رأى أبو طلحة رسول الله صلعم مضطجعاً في المسجد يتقلَّب ظهراً لبطنٍ، وظنَّه جائعاً...»، وساق الحديثَ، وقال فيه: «ثمَّ أكل رسول الله صلعم وأبو طلحةَ وأمُّ سليم وأنس، وفَضَلت فَضْلة فأهديناها لجيراننا».
          ومن حديث يعقوبَ بنِ عبد الله بن أبي طلحة أنَّه سمع أنس بن مالك يقول: «جئتُ رسول الله صلعم يوماً فوجدته جالساً مع أصحابه وقد عَصَّبَ بطنه / بعِصابةٍ _قال أسامة بن زيد(7) : وأنا أشكُّ_ على حجر، قال: فقلت لبعض أصحابه: لِمَ عصَّب رسول الله صلعم بطنَه؟ فقالوا: من الجوع، فذهبتُ إلى أبي طلحةَ وهو زوجُ أمِّ سُلَيم بنت مِلحان، فقلت: يا أبتاه، قد رأيتُ رسول الله صلعم عصَّب(8) بطنَه بعصابةٍ، فسألتُ بعض أصحابه، فقالوا: منَ الجوع، ودخل أبو طلحة على أمِّي فقال: هل عندك(9) من شيءٍ؟ فقالت: نعم، عندي كِسَرٌ من خبزٍ وتَمراتٍ، فإن جاءنا رسول الله صلعم وحدَه أشبعناه، وإن جاء آخرُ معه قَلَّ عنهم...»، ثمَّ ذكر سائر الحديث.
          وأخرجه أيضاً من حديث النَّضْر بنِ أنسٍ عن أنس عن النَّبيِّ صلعم في طعام أبي طلحة بنَحوِ حديثِهِم في إشباع القَومِ كلِّهم(10) جميعاً. في هذا الحديث وفي الَّذي قبلَه ما في معناهما من المعجزة.


[1] العُكّة: زِقّ السمن.
[2] في (ق): (حتى خرج القوم)، وما أثبتناه موافق لما في «الصحيحين».
[3] الجَشُّ: أصله الدَّق.
[4] في (ق): (فيه)، وما أثبتناه موافق لما في البخاري.
[5] الخطيفة: أن يؤخذ لبنٌ ثم يُذرُّ عليه الدقيق ثم يُطبخ فيلعقُه الناس ويختطفونَه بسرعة.
[6] والسؤر: البقيَّة؛ بالهمز، يقال: أسأرَ في الإناء: أي أبقى، وهو سآر، ومنه قوله:
~.......................لا بالحَصُور ولا فيها بسآّر).
ومن رَوى (بسوَّارٍ) أراد الغضب.
[7] هو الليثي مولاهم أبو زيد المدني، صدوق من كبار أتباع التابعين، وليس بالصحابي.
[8] في (ق): (قد عصب).
[9] سقط قوله: (عندك) من (ق).
[10] في (الحموي) علامة انتهاء في هذا الموضع ثم ذكر: (جمعنا في هذا الحديث..).