-
مقدمة كتاب الفيض الجاري
-
كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله
-
كتاب الإيمان
-
كتاب العلم
-
كتاب الوضوء
-
كتاب الغسل
-
كتاب الحيض
-
[كتاب التيمم]
-
كتاب الصلاة
-
[كتاب مواقيت الصلاة]
-
[كتاب الأذان]
-
كتاب الجمعة
-
[أبواب صلاة الخوف]
-
[كتاب العيدين]
-
[كتاب الوتر]
-
[كتاب الاستسقاء]
-
[كتاب الكسوف]
-
[أبواب سجود القرآن]
-
[أبواب تقصير الصلاة]
-
[أبواب التهجد]
-
[كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة]
-
[أبواب العمل في الصلاة]
-
[أبواب السهو]
-
[كتاب الجنائز]
-
[كتاب الزكاة]
-
[أبواب صدقة الفطر]
-
كتاب الحج
-
[أبواب العمرة]
-
[أبواب المحصر]
-
[كتاب جزاء الصيد]
-
[أبواب فضائل المدينة]
-
كتاب الصوم
-
[كتاب صلاة التراويح]
-
[أبواب الاعتكاف]
-
كتاب البيوع
-
كتاب السلم
-
[كتاب الشفعة]
-
[كتاب الإجارة]
-
[كتاب الحوالة]
-
[كتاب الكفالة]
-
كتاب الوكالة
-
[كتاب المزارعة]
-
[كتاب المساقاة]
-
[كتاب الاستقراض]
-
[كتاب الخصومات]
-
[كتاب في اللقطة]
-
[كتاب المظالم]
-
[كتاب الشركة]
-
[كتاب الرهن]
-
[كتاب العتق]
-
[كتاب المكاتب]
-
كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها
-
كتاب الشهادات
-
[كتاب الصلح]
-
[كتاب الشروط]
-
كتاب الوصايا
-
[كتاب الجهاد والسير]
-
حديث: يا رسول الله، أي العمل أفضل؟
-
حديث: لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا
-
حديث: لكن أفضل الجهاد حج مبرور
-
حديث: هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم
-
باب: أفضل الناس مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله
-
باب الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء
-
باب درجات المجاهدين في سبيل الله
-
باب الغدوة والروحة في سبيل الله وقاب قوس أحدكم من الجنة
-
باب الحور العين وصفتهن
-
باب تمني الشهادة
-
باب فضل من يصرع في سبيل الله فمات فهو منهم
-
باب من ينكب في سبيل الله
-
باب من يجرح في سبيل الله عز وجل
-
باب قول الله تعالى: {هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين}
-
باب قول الله تعالى: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله}
-
باب: عمل صالح قبل القتال
-
باب من أتاه سهم غرب فقتله
-
باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا
-
باب من اغبرت قدماه في سبيل الله
-
باب مسح الغبار عن الناس في السبيل
-
باب الغسل بعد الحرب والغبار
-
باب فضل قول الله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله}
-
باب ظل الملائكة على الشهيد
-
باب تمني المجاهد أن يرجع إلى الدنيا
-
باب: الجنة تحت بارقة السيوف
-
باب من طلب الولد للجهاد
-
باب الشجاعة في الحرب والجبن
-
باب ما يتعوذ من الجبن
-
باب من حدث بمشاهده في الحرب
-
باب وجوب النفير وما يجب من الجهاد والنية
-
باب الكافر يقتل المسلم ثم يسلم فيسدد بعد ويقتل
-
باب من اختار الغزو على الصوم
-
باب: الشهادة سبع سوى القتل
-
باب قول الله تعالى {لا يستوي القاعدون من المؤمنين}
-
باب الصبر عند القتال
-
باب التحريض على القتال
-
باب حفر الخندق
-
باب من حبسه العذر عن الغزو
-
باب فضل الصوم في سبيل الله
-
باب فضل النفقة في سبيل الله
-
باب فضل من جهز غازيًا أو خلفه بخير
-
باب التحنط عند القتال
-
باب فضل الطليعة
-
باب: هل يبعث الطليعة وحده؟
-
باب سفر الاثنين
-
باب: الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة
-
باب: الجهاد ماض مع البر والفاجر
-
باب من احتبس فرسًا لقوله تعالى {ومن رباط الخيل}
-
باب اسم الفرس والحمار
-
باب ما يذكر من شؤم الفرس
-
باب: الخيل لثلاثة
-
باب من ضرب دابة غيره في الغزو
-
باب الركوب على الدابة الصعبة والفحولة من الخيل
-
باب سهام الفرس
-
باب من قاد دابة غيره في الحرب
-
باب الركاب والغرز للدابة
-
باب ركوب الفرس العري
-
باب الفرس القطوف
-
باب السبق بين الخيل
-
باب إضمار الخيل للسبق
-
باب غاية السبق للخيل المضمرة
-
باب ناقة النبي صلى الله عليه وسلم
-
باب بغلة النبي البيضاء
-
باب جهاد النساء
-
باب غزو المرأة في البحر
-
باب حمل الرجل امرأته في الغزو دون بعض نسائه
-
باب غزو النساء وقتالهن مع الرجال
-
باب حمل النساء القرب إلى الناس في الغزو
-
باب مداواة النساء الجرحى في الغزو
-
باب رد النساء الجرحى والقتلى
-
باب نزع السهم من البدن
-
باب الحراسة في الغزو في سبيل الله
-
باب فضل الخدمة في الغزو
-
باب فضل من حمل متاع صاحبه في السفر
-
باب فضل رباط يوم في سبيل الله
-
باب من غزا بصبي للخدمة
-
باب ركوب البحر
-
باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب
-
باب: لا يقول فلان شهيد
-
باب التحريض على الرمي
-
باب اللهو بالحراب ونحوها
-
باب المجن ومن يتترس بترس صاحبه
-
باب الدرق
-
باب الحمائل وتعليق السيف بالعنق
-
باب حلية السيوف
-
باب من علق سيفه بالشجر في السفر عند القائلة
-
باب لبس البيضة
-
باب من لم ير كسر السلاح عند الموت
-
باب تفرق الناس عن الإمام عند القائلة والاستظلال بالشجر
-
باب ما قيل في الرماح
-
باب ما قيل في درع النبي والقميص في الحرب
-
باب الجبة في السفر والحرب
-
باب الحرير في الحرب
-
باب ما يذكر في السكين
-
باب ما قيل في قتال الروم
-
باب قتال اليهود
-
باب قتال الترك
-
باب قتال الذين ينتعلون الشعر
-
باب من صف أصحابه عند الهزيمة ونزل عن دابته واستنصر
-
باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة
-
باب: هل يرشد المسلم أهل الكتاب أو يعلمهم الكتاب؟
-
باب الدعاء للمشركين بالهدى ليتألفهم
-
باب دعوة اليهودي والنصراني وعلى ما يقاتلون عليه
-
باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم
-
باب من أراد غزوة فورَّى بغيرها ومن أحب الخروج يوم الخميس
-
باب الخروج بعد الظهر
-
باب الخروج آخر الشهر
-
باب الخروج في رمضان
-
باب التوديع
-
باب السمع والطاعة للإمام
-
باب: يقاتل من وراء الإمام ويتقى به
-
باب البيعة في الحرب أن لا يفروا
-
باب عزم الإمام على الناس فيما يطيقون
-
باب: كان النبي إذا لم يقاتل أول النهار أخر القتال
-
باب استئذان الرجل الإمام لقوله: {إنما المؤمنون الذين آمنوا}
-
باب من غزا وهو حديث عهد بعرسه
-
باب من اختار الغزو بعد البناء
-
باب مبادرة الإمام عند الفزع
-
باب السرعة والركض في الفزع
-
باب الجعائل والحملان في السبيل
-
باب ما قيل في لواء النبي صلى الله عليه وسلم
-
باب الأجير
-
باب قول النبي: نصرت بالرعب مسيرة شهر
-
باب حمل الزاد في الغزو
-
باب حمل الزاد على الرقاب
-
باب إرداف المرأة خلف أخيها
-
باب الارتداف في الغزو والحج
-
باب الردف على الحمار
-
باب من أخذ بالركاب ونحوه
-
باب السفر بالمصاحف إلى أرض العدو
-
باب التكبير عند الحرب
-
باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير
-
باب التسبيح إذا هبط واديًا
-
باب التكبير إذا علا شرفًا
-
باب: يكتب للمسافر مثل ما كان يعمل في الإقامة
-
باب السير وحده
-
باب السرعة في السير
-
باب: إذا حمل على فرس فرآها تباع
-
باب الجهاد بإذن الأبوين
-
باب ما قيل في الجرس ونحوه في أعناق الإبل
-
باب مَن اكتتب في جيش فخرجت امرأته حاجةً وكان له عذر هل يؤذن له؟
-
باب الجاسوس
-
باب الكسوة للأسارى
-
باب فضل من أسلم على يديه رجل
-
باب الأسارى في السلاسل
-
باب فضل من أسلم من أهل الكتابين
-
باب أهل الدار يبيتون فيصاب الولدان والذراري
-
باب قتل الصبيان في الحرب
-
باب قتل النساء في الحرب
-
باب: لا يعذب بعذاب الله
-
باب: {فإما منًا بعد وإما فداءً}
-
باب: هل للأسير أن يقتل ويخدع الذين أسروه حتى ينجو من الكفرة؟
-
باب: إذا حرق المشرك المسلم هل يحرق؟
-
باب26
-
باب حرق الدور والنخيل
-
باب قتل النائم المشرك
-
باب: لا تمنوا لقاء العدو
-
باب: الحرب خدعة
-
باب الكذب في الحرب
-
باب الفتك بأهل الحرب
-
باب ما يجوز من الاحتيال والحذر مع من تخشى معرته
-
باب الرجز في الحرب ورفع الصوت في حفر الخندق
-
باب من لا يثبت على الخيل
-
باب دواء الجرح بإحراق الحصير
-
باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب وعقوبة من عصى إمامه
-
باب: إذا فزعوا بالليل
-
باب من رأى العدو فنادى بأعلى صوته يا صباحاه حتى يسمع الناس
-
باب من قال: خذها وأنا ابن فلان
-
باب: إذا نزل العدو على حكم رجل
-
باب قتل الأسير وقتل الصبر
-
باب: هل يستأسر الرجل؟ومن لم يستأسر ومن ركع ركعتين عند القتل
-
باب فكاك الأسير
-
باب فداء المشركين
-
باب الحربي إذا دخل دار الإسلام بغير أمان
-
باب: يقاتل عن أهل الذمة ولا يسترقون
-
باب جوائز الوفد
-
باب: هل يستشفع إلى أهل الذمة ومعاملتهم؟
-
باب التجمل للوفود
-
باب: كيف يعرض الإسلام على الصبي؟
-
باب قول النبي لليهود: أسلموا تسلموا
-
باب: إذا أسلم قوم في دار الحرب ولهم مال وأرضون فهى لهم
-
باب كتابة الإمام الناس
-
باب: إن الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر
-
باب من تأمر في الحرب من غير إمرة إذا خاف العدو
-
باب العون بالمدد
-
باب من غلب العدو فأقام على عرصتهم ثلاثًا
-
باب من قسم الغنيمة في غزوه وسفره
-
باب: إذا غنم المشركون مال المسلم ثم وجده المسلم
-
باب من تكلم بالفارسية والرطانة
-
باب الغلول
-
باب القليل من الغلول
-
باب ما يكره من ذبح الإبل والغنم في المغانم
-
باب البشارة في الفتوح
-
باب ما يعطى البشير
-
باب: لا هجرة بعد الفتح
-
باب: إذا اضطر الرجل إلى النظر في شعور أهل الذمة
-
باب استقبال الغزاة
-
باب ما يقول إذا رجع من الغزو
-
باب الصلاة إذا قدم من سفر.
-
باب الطعام عند القدوم
-
حديث: يا رسول الله، أي العمل أفضل؟
-
[كتاب فرض الخمس]
-
[كتاب الجزية والموادعة]
-
كتاب بدء الخلق
-
[كتاب أحاديث الأنبياء]
-
[كتاب المناقب]
-
[كتاب فضائل الصحابة]
-
[كتاب مناقب الأنصار]
-
كتاب المغازي
-
كتاب التفسير
░27▒ (بابُ وُجُوْبِ النَّفِيْرِ) بفتح النون وكسر الفاء فتحتية ساكنة؛ أي: بابُ بيان وجوبِ الخروجِ إلى قتال الكفَّار، وأصل: النَّفير، مفارقةُ مكانٍ إلى مكان لأمرٍ حرَّك ذلك، قاله في ((الفتح)).
وقال في ((المصباح)): / نَفَرَ نَفْراً من باب ضَرَبَ، في لغةِ العَالِية، وبها قرأ السَّبعَةُ ونَفَرَ نُفُوراً من بابِ قَعَدَ لُغَةٌ، وقُرِئ بمصدرها في قوله تعالى: {إِلَّا نُفُوراً} [الإسراء:41] والنَّفِيرُ: مثلُ النُّفُورِ، والاسمُ النَّفَر، بفتحتين، انتهى.
وقال في ((القاموس)): نَفَرَتِ الدَّابَّةُ تَنْفِرُ وتَنْفُرُ نُفوراً ونِفَاراً، فهي نافِرٌ ونَفورٌ: جَزِعَتْ وتباعَدَتْ، انتهى.
وحينئذٍ فالنفيرُ مصدر، كالصَّهيل.
(وَمَا يَجِبُ) عطف على ((وجوب))؛ أي: وبيانُ الغدر الذي يلزمُ (مِنَ الجِهَادِ) بيان لـ((ما)) (وَالنِّيَّةِ) أي: وبيانُ مشروعيَّة النية؛ أي: الصَّالحةِ فهي معطوفةٌ على ((وجوب))، ويحتملُ عطفها على ((الجهادِ)) أو على ((النَّفير)).
قال في ((الفتح)): وللناسِ في الجهادِ حالان: إحداهما: في زمنِ النبيِّ صلعم، والأخرى: بعده.
فأمَّا الأولى: فأول ما شرعَ الجهادُ بعد الهجرةِ إلى المدينة اتفاقاً، ثمَّ بعد أن شرعَ هل كان فرض عينٍ أو كفاية؟ قولانِ مشهوران للعلماءِ، وهما في مذهب الشَّافعي.
وقال الماورديُّ: كان عيناً على المهاجرينَ دون غيرهم، ويؤيِّده وجوبُ الهجرةِ قبلَ الفتح في حقِّ كلِّ من أسلمَ إلى المدينة لنصرِ الإسلامِ.
وقال السهيليُّ: كانَ عيناً على الأنصارِ دون غيرهِم، ويؤيِّده مُبايعتهُم النبيَّ صلعم ليلةَ العقبةِ، على أن يؤوا رسولِ الله صلعم وينصروهُ ليخرجَ من قوليهِمَا إنه كان عيناً على الطَّائفتين وكفايةً في حقِّ غيرهم، ومع ذلك فليسَ في حقِّ الطَّائفتين على التَّعميمِ، بل في حق الأنصارِ إذا طرقَ المدينة طارقٌ، وفي حقِّ المهاجرين إذا أريدَ قتال أحدٍ من الكفَّار ابتداء.
ويؤيِّد هذا ما وقعَ في قصَّة بدرٍ فيما ذكرهُ ابنُ إسحاق، وقيل: كان عيناً في الغزوةِ التي يخرج فيها رسول الله صلعم دونَ غيرها.
والتَّحقيقُ أنَّه كان عيناً على من عيَّنهُ النبيُّ صلعم في حقَّهِ ولو لم يخرجْ الحالة الثَّانيةَ بعدَهُ صلعم فهو فرضُ كفايةٍ على المشهور، إلَّا أن تدعوَ الحاجةُ إليه كأن يدهم العدو، ويتعينُ على من عينهِ الإمامُ ويتأدى فرض الكفاية بفعلهِ في السنة مرَّةً عند الجمهور.
ومن حجتهم أن الجزيةَ تجب بدلاً عنه، ولا تجبُ في السنة أكثرَ من مرة اتفاقاً، فلذلك بدلها وقيل: يجبُ كلما أمكن وهو قويٌّ، والَّذي يظهرُ أنه استمرَّ على ما كانَ عليه في زمن النبيِّ صلعم إلى أن تكاملَتْ فتوحُ معظمِ البلاد، وانتشرَ الإسلامُ في أقطَارِ الأرض ثمَّ صارَ إلى ما تقدَّم.
والتَّحقيقُ أيضاً أن جنْسَ جهادِ الكفَّارِ متعيِّنٌ على كل مسلمٍ، إمَّا بيدهِ وإمَّا بلسانهِ وإمَّا بماله وإمَّا بقلبهِ، انتهى وهو في غايةِ النَّفاسةِ والفائدة.
(وَقَوْلِه تَعَالَى) ولأبي ذرٍّ: <وقول الله ╡> فقوله فيهما مجرورٌ ويجوزُ رفعه؛ أي: في سورةِ براءة ({انْفِرُوا}) بكسر الفاء، أمرٌ من نَفَر _بفتحها_ من باب ضربَ ينفرُ، وقد تضم الفاء من الأمرِ والمضارع كما مر.
وقال في ((القاموس)): نَفَرَتِ الدَّابَّةُ تَنْفِرُ وتَنْفُرُ نُفوراً ونِفَاراً، فهي نافِرٌ ونَفورٌ: جَزِعَتْ وتباعَدَتْ، انتهى.
و{انْفِرُوا} أمرٌ بالنفرِّ العامِّ مع رسولِ الله صلعم عامَ غزوةِ تبوك لقتالِ أعداءِ الله تعالى من الرُّوم الكفرة من أهل الكتابِ، وحتمَ على المؤمنين في الخروجِ معه على كلِّ حالٍ في المنشَطِ والمكرَهِ والعسرِ واليسرِ، فقال:
({خِفَافاً وَثِقَالاً}) جمع: خفيف وثقيلٍ، نصبٌ على الحالِ من الواو في {انْفِرُوا}؛ أي: خفيفين لنشاطِكُم به، وثقيلينَ عنه لمشقَّته عليكم، أو لقلَّةِ عيالكُم وكثرَتِهِم، أو ركباناً ومشاةً، أو خِفَافاً وثِقَالاً من السِّلاحِ أو صِحَاحاً ومرَاضاً، فالوصفَان مختلفانِ باعتبارينِ مختلفين، فالآية عامَّةٌ ولذلك قال ابنُ أمِّ مكتومٍ لرسولِ الله صلعم: / أعليَّ أن أنفرَ؟ قال: ((نعَمْ)) حتى نزلَ: {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ} [النور:61] ذكره البيضَاويُّ.
وقال في ((الفتح)): هذه الآيةُ متأخِّرة عن الآية التي بعدَهَا، والأمرُ فيها مقيَّدٌ بما قبلهَا؛ لأنَّه تعالى عاتبَ المؤمنين الذين يتأخَّرونَ بعد الأمرِ بالنَّفير، ثم عقبَ ذلك فقال: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} قال: وكأنَّ المصنِّفَ قدَّم آيةَ الأمرِ على آيةِ العتابِ لعمومها.
وأخرج الطبريُّ من رواية أبي الضُّحى قال: أوَّلُ ما نزلَ من براءة: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} فلم يكونوا يتخلَّفون عن الغزوِ حتى ماتُوا، منهم: أبو أيُّوب الأنصاريُّ، والمقدادُ بن الأسود وغيرهم، انتهى.
وفي العينيِّ: وقال أبو مالك الغفاريُّ لابن الضَّحَّاك: هذه أولُ آية نزلَتْ من براءة، ثمَّ نزلَ أوَّلها وآخرها.
قال: وفي التَّفسير: قال جماعةٌ من الصَّحابةِ ♥: لما نزلَتْ آيةُ الجهَادِ منَّا الثَّقيلُ وذو الحاجَةِ والضَّيعة والشُّغل، فنزلَ قوله تعالى: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} ويقال: كانَ المقدادُ عظيماً سميناً جاء إلى النبيِّ صلعم وشكى إليه وسأله أن يأذنَ له فنزلَتْ: {انْفِرُوا} الآية، فأمرَ اللهُ تعالى بالنَّفير العام.
ثم قال: وعن أبي طلحةَ كهولاً وشبَّاناً ما سمعَ اللهُ عذرَ أحدٍ، ثمَّ خرَجَ إلى الشَّامِ فقاتلَ حتى قُتِل. وقال مجاهدٌ: شبَّاناً وشُيوخاً وأغنياء ومساكين، وقال الحكم بنُ عُتيبة: مشاغيلَ وغيرَ مشاغيلَ وقيل: عزباناً ومتأهِّلين، وقال السدِّي: لما نزلَتْ هذه الآية اشتدَّ على الناسِ شأنها فنسَخَها اللهُ تعالى بقوله: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ} [التوبة:91] انتهى ملخصاً.
ثم رغبَ سبحانَهُ وتعالى في بذلِ المهجِ في مرضَاتهِ والنَّفقة في سبيلهِ، فقال عاطِفاً على {انْفِرُوا}:
({وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}) أي: بما أمكنَ لكم منهما، أو من أحدِهِما على حسبِ الحال والحاجةِ.
وفي البغويِّ: قال الزهريُّ: خرجَ سعيد بن المسيِّبِ إلى الغزو، وقد ذهبتْ إحدى عينيهِ، فقيل له: إنَّكَ عليلٌ صاحبُ ضرٍّ، فقال: استنفرَ الله الخفيفَ والثَّقيل، فإن لم يمكني الحربُ كثَّرْتُ السَّوادَ، وحفظتُ المتاعَ.
وزاد ((الكشاف)) فقال: وعن صفوان بن عَمرو قال: كنتُ والياً على حمصَ فلقيتُ شيخاً كبيراً _قد سقطَ حاجبَاهُ_ من أهلِ دمشق على راحلتهِ يُريد الغزو، فقلتُ: يا عم أعذرَ اللهُ إليك، فرفعَ حاجبيهِ، وقال: يا ابنَ أخِي استنفرنا اللهُ خِفَافاً وثِقَالاً، إلَّا أنَّه من يحبهُ الله يبتليهِ.
({ذَلِكُمْ}) أي: جهادكم بما ذكر ({خَيْرٌ لَكُمْ}) أي: من تركهِ ({إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}) أي: الخير علمتُم أنَّه خيراً، وإن كنتُم تعلمونَ أنَّه خيرٌ إذ إخبارُ الله به صدقٌ فبادرُوا إليه، قاله البيضَاويُّ.
وقال العينيُّ: {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ} يعني: في الدُّنيا والآخرة؛ لأنَّكم تغرمُونَ في النَّفقةِ قليلاً فيغنمكم أموالُ عدوكم في الدنيا، معَ ما يدَّخرُ لكم من الكرَامةِ في الآخرةِ {إَنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُوْنَ} أنَّ الله يريد الخير.
({لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً}) أي: لو كانَ ما دعوا إليه نفعاً دنيوياً سهلَ المأخذ ({وَسَفَراً قَاصِداً}) أي: متوسِّطاً ({لاَتَّبَعُوكَ}) أي: لوافقُوكَ طَمَعاً في ذلك.
تنبيه: العَرَض _بفتحتين_ في اصطلاحِ المتكلِّمين، ما لا يقومُ بنفسهِ ولا يوجدُ إلَّا في محلٍّ يقومُ به، وهو خلافُ الجوهرِ، كذا في ((المصباح)).
وقال في ((القاموس)): العرض _بالتحريك_:ما يَعْرِضُ للإنسان من مَرَضٍ ونحوه، وحُطَامُ الدنيا وما كانَ من مالٍ قَلَّ أو كثُرَ، والغنيمَةُ والطَّمَعُ واسمٌ لما لا دوام له، وأن تصيبَ الشَّيءَ على غِرَّةٍ، وما يقومُ بغيرهِ في اصطلاحِ المتكلِّمين، انتهى.
والمراد هنا: حطامُ الدنيا.
وقال في ((الكشاف)): العرض: ما عرضَ لك من منافعِ الدُّنيا، يقال: الدنيا عرضٌ حاضرٌ / يأكلُ منه البرُّ والفاجرُ.
({وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ}) أي: المسافةُ البعيدةُ التي لا تُقطعُ إلَّا بمشقَّة، فسمِّيتْ شُقَّة؛ لمشقَّتِها على الإنسان، وقيل: الشُّقَّة الغايةُ التي يقصدونها، قاله البغويُّ.
وقال في ((الكشاف)): وقرأ عيسى بن عمر: ▬بعِدت عليهم الشِّقة↨ بكسر العين والشين، ومنه قوله:
لَا تَبْعُدْ وَهُمْ يَدْفِنُونَهُ وَلَا بُعْدَ إِلّا مَا تُوَارِي الصَّفَائِحُ
انتهى.
({وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ}) أي: وسيحلفُ المتخلِّفونَ عن تبوكَ بالله معتذرينَ ({لَوِ اسْتَطَعْنَا}) أي: الخروجَ ({لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ}) أي: يقولونَ لو كانَ لنا استطاعةُ العدَّة أو البدنِ، كأنَّهم تمارضُوا وليسوا بمرضَى فهم كاذبُون.
قال البيضاويُّ كـ((الكشاف)): وقرئ: ▬لوُ استطعنا↨ بضم الواو تشبيهاً لها بواو الجمع في قوله: {فَتَمَنَّوُا المَوْتَ} [الجمعة:6] وقوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ} [البقرة:16] قال الخفاجيُّ: وقرئ بالفتح ففيه ثلاثةُ أوجهٍ وقراءات، انتهى فتدبَّر.
وقوله: {لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ} سدَّ مسدَّ جوابي القسَمِ ولو الشَّرْطية جميعاً، انتهى.
قال الخفاجيُّ: قوله: {لَخَرَجْنَا} فيه مذهبان: أحدهما: أن {لَخَرَجْنَا} جواب القسم وجواب لو محذوف، ثانيهما: أن {لَخَرَجْنَا} جواب لو وهو وجوابها جواب القسَمِ، وهو اختيارُ ابن مالكٍ.
قال: وأمَّا كونه سادًّا مسدَّ جوابي القسَمِ والشَّرطِ، فقيل عليه: أنَّه لم يذهبْ إليهِ أحد.
وأجيبَ: بأنَّ مرادهُ أنه لما حذف جوابَ لو دلَّ عليه جواب القسَمِ جعل كأنَّه مسدَّ الجوابين، انتهى.
والإخبارُ بما سيكونُ بعد الرُّجوعِ قبل وقوعهِ من معجزاتِ نبيِّنا محمِّد صلعم، انتهى.
وقوله: ({يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ}) أي: بإيقاعِهَا في العذابِ، وهو بدلٌ من سيحلفونَ؛ لأنَّ الحلفَ الكاذِبَ إيقاعٌ للنفسِ في الهلاكِ أو حال من فاعل خرجنا، وقيل: استئناف؛ أي: لخرجنا معكم وإن أهلكنَا أنفسَنَا وألقيناهَا في التَّهلكةِ بما نحملها من المسيرِ في تلك الشُّقة، وجاءَ به على لفظِ الغائب؛ لأنَّه مخبرٌ عنهم ألا ترى أنَّه لو قيل: سيحلفونَ باللهِ لو استطاعوا لخرجُوا لكان سديداً، يقال: حلفَ باللهِ ليفعلنَّ ولأفعلنَّ، فالغيبةُ على حكمِ الإخبارِ والتَّكلم على الحكايةِ، قاله في ((الكشاف)) فاعرفْهُ.
({وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ}) أي: المنافقين ({لَكَاذِبُونَ}) أي: في أيمانهم وإيمانهم، بل كانُوا مستطيعينَ الخروجَ، ولا إيمان للمُنافقين حقيقةً، وهذه الآيةُ نزلتْ في المنافقين، وذُكِرت الآيةُ بتمامها في كثيرٍ من الأصولِ ووقعَ في بعضها هكذا: <{وَسَيَحْلِفُوْنَ بِاللَّهِ} الآية>، ووقع لأبي ذرٍّ أنه ذكر من أول الآيات إلى قوله: {بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} إلى: {إِنَّهُمْ لَكَاذِبُوْنَ} وحذفَ ما عدَاها.
(وَقَوْلُهُ) بالجرِّ أو الرفع ({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ}) الآيتين، هذا في التِّلاوة مقدَّمٌ على الآيات التي قدمها البخاريُّ، ولكن أخَّره البخاريُّ لخصُوصهِ وعمومِ الأوَّل، كما تقدم في ((الفتح))، ولعلَّ الأولى أن يقال: أن مفادَ هذا لومُ المأمورين المقصرين في امتثالِ الأمرِ.
وهذا شروعٌ في عتَابِ من تخلَّفَ عن رسولِ الله صلعم في غزوةِ تبوكَ حين طابَتْ الثِّمارُ والظِّلال في شدَّة الحرِّ.
وقال البغويُّ: نزلتْ الآيةُ في الحثِّ على غزوةِ تبوك، وذلك أنَّ النبيَّ لما رجعَ من الطَّائفِ أمر بالجهادِ لغزوة الروم، وكان ذلك في زمن عسرة في الناسِ وشدة حرٍّ، ولم يكن رسولُ الله صلعم يريدُ غزوة إلا وَرَّى بغيرها، حتى كانَتْ هذه الغزوة فجلَّى للمسلمين أمرهُم ليتأهبوا فشقَّ عليهم الخروجُ وتثاقلوا فأنزل الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا مَا لَكُمْ}.
({إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُم}) أصله: تثاقلتم، فقلبت التاء ثاء وأدغمَتْ في الثاء بعد إسكانها، وأتى بهمزة / الوصْلِ للتوصُّل إلى الابتداء بالسَّاكن؛ أي: تباطأتُم، وقرأَ الأعمشُ: ▬تثاقلتم↨ على الأصْلِ ▬واثاقلتم↨ على الاستفهامِ للتَّوبيخ ({إِلَى الْأَرْضِ}) متعلق بـ{اثاقلتم} كأنَّه ضُمِّن معنى الإخلادِ والميل فعُدِّي بإلى، قاله البيضاوي كـ((الكشاف)).
({أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ}) أي: بدلها وبدل نعيمها، كقوله:
أُمُّ الحُلَيْسِ لَعَجُوْزٌ شَهْرَبَهْ تَرْضَى مِنَ اللَّحْمِ بِعَظْمِ الرَّقَبَهْ
({فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}) أي: فما التَّمتعُ بها ({فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ}) أي: مستحقَرٌ في جنبِ نعيمِ الآخرة ({إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيما}) أي: إذا لم تنفرُوا إلى ما استُنفِرتُم إليه يهلككُم اللهَ بسببٍ فظيعٍ، كقحطٍ وظهورِ عدوٍّ.
وقال البغويُّ: {عَذَاباً أَلِيْماً} أي: في الآخرةِ، وقيل: هو احتبَاسُ القطر عنهم في الدُّنيا، قال: وسألَ نجدَةُ بن نُفِيع ابن عبَّاسٍ عن هذه الآية فقال: إنَّ رسولَ الله صلعم استنفَرَ حيًّا من أحياءِ العربِ، فتثاقَلُوا عليه، فأمسَكَ اللهُ عنهم المطرَ فكان ذلك عذابَهُم.
({وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ}) أي: ويستبدل بكم آخرينَ مُطيعين كأهل اليمنِ وأبناء فارس، قاله البيضاويُّ ({وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئاً}) أي: لا يقدح تثاقلكُم وتباطؤكم في نصرِ دينه شيئاً، فإنه الغنيُّ عن كلِّ شيءٍ وفي كلِّ أمرٍ، وقيل: الضَّمير للرسول؛ أي: ولا تضرُّوا رسول الله صلعم فإنَّ اللهَ وعدَهُ بالعصمَةِ والنُّصرةِ، ووعْدُهُ حقٌّ وقد يؤيِّده.
قوله: ({وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}) بالإتيانِ بلفظ الجلالة ظاهراً، فإنه تعالى يقدرُ على تبديلِ الأسبابِ وتغيرها والنُّصرة بلا مددٍ، ووقع في رواية أبي ذرٍّ بعد قوله: <{إِلَى الأَرْضِ} إلى قولهِ: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيْرٌ}>.
تنبيه: قال في ((الفتح)): قال الطبريُّ: يجوز أن يكون قوله تعالى: {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً} خاصاً، والمرادُ به من استنفرَهُ رسولُ الله صلعم فامتنَعَ.
وأخرج عن الحسنِ البصريِّ وعكرمة أنها منسوخةٌ بقوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} [التوبة:122] ثم تُعقِّبَ ذلك، والذي يظهرُ أنها مخصُوصةٌ وليسَتْ بمنسُوخةٍ، وأخرجَ أبو داود من وجهٍ آخر حسن عن عكرمَةَ عن ابن عبَّاسٍ مثل قول عكرمَةَ.
(يُذْكَرُ) بالبناء للمجهولِ، ولأبي ذرٍّ: <ويذكر> بالواو (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ☻ انْفِرُوا ثُبَاتاً سَرَايَا مُتَفَرِّقِينَ) هذا التعليقُ وصله الطبري عن ابن عباس بهذا؛ أي: اخرجوا سريَّةً بعد سرية أو انفروا جميعاً؛ أي: مجتمعين، يشيرُ بذلك إلى قولهِ تعالى في سورة النساء: {فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً} [النساء:71].
وقال البيضاويُّ: {فانفروا} فاخرجوا إلى الجهادِ، ثباتاً: جماعات متفرِّقة، جمع: ثبة، من ثَبَيت على فلانٍ تثبيةً: إذا ذكرت محاسنَهُ، ويجمعُ أيضاً على ثبيين جبراً لما حذف من عجزه، أو انفروا جميعا مجتمعين كوكبةً واحدةً، والآيةُ وإن نزلتْ في الحربِ؛ لكن يقتضِي إطلاقَ لفظِهَا وجوبَ المبادرة إلى الخيراتِ كلها أينَ ما أمكنَ قبل الفوات، انتهى.
وزعم بعضُهم أنَّها ناسخةٌ لقوله تعالى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} [التوبة:41]، والتَّحقيقُ أنَّه لا نسخَ، بل المرجعُ في الآيتَينِ إلى تعيينِ الإمامِ وإلى الحاجةِ إلى ذلك.
تنبيه: ووقعَ في رواية أبي ذرٍّ والقابسيِّ: <ثباتاً> بالألف، قال في ((الفتح)) و((العمدة)) تبعاً لـ((التَّنقيح)): لا وجْهَ له؛ لأنَّه جمع مؤنَّث سالم، وردَّه في ((المصابيح)) و((اللَّامع الصَّبيح)) بأنَّه لغةٌ، وهو مذهبُ الكوفيين مطلقاً، وخصَّه قومٌ بمحذوف اللَّام إذا لم تُرَد إليه لامه حال الجمعيَّة، وحينئذٍ فكلٌّ من الرِّوايتَين صحيحٌ، ومَن ذا الذي أوجبَ اتِّباع المذهب البصري حتَّى يقال: هذه الرِّواية لا وجْهَ لها، انتهى.
تنبيهٌ: ((سرايا)) منصوبٌ على الحالِ كثبات، جمع: سريَّة، وتقدَّم تعريفها، وقال كثيرٌ من الشُّرَّاح هنا: وهي مَن يدخل دار الحربِ مستخفياً.
(يُقَالُ: أَحَدُ الثُّبَاتِ) نصب جمع المؤنث السَّالم بالتَّحتية (ثُبَةٌ): ولأبي ذرٍّ: <ويقال: واحد الثُّبات: / ثبةٌ> بضمِّ المثلَّثة في اللَّفظين بمعنى: جماعاتٍ، كما مرَّ آنفاً، ويُجمع ثبة أيضاً على ثُبين _بضمِّ الثَّاء وكسرها_،وعلى أثابي، وفي ((التَّوضيح)) لابنِ الملقِّن: وعند أهل اللُّغة: الثُّبات: الجماعات في تفرقةٍ؛ أي: حلقة حلقة، كلُّ جماعة ثبةٌ، والثُّبة: مشتقَّة من قولهم: ثبيت الرَّجل: إذا أثنيتَ عليه في حالِ حياتهِ، كأنَّك قد جمعتَ محاسنَه، وقال أبو عُمرو: التَّثنية: الثَّناء على الرَّجل في حياتهِ، انتهى.
وقال في ((القاموس)): التَّثبية: الجمعُ والدَّوام على الأمرِ والثَّناء على الحيِّ، وإصلاحُ الحيِّ والزِّيادة والإتمام والتَّعظيم، وأن تسيرَ بسيرةِ أبيكَ، والشِّكاية من حالك وحاجتك، والاستعداد، وجمع الشَّرِّ والخير ضدٌّ، وقال العينيُّ: لا طائلَ تحت قوله: ((ويقال: واحد الثُّبات ثبةٌ))؛ لأنَّه معلومٌ، انتهى.
وأقولُ: فيه طائلٌ، نعم في تمريضِهِ شيءٌ.
وقال في ((الفتح)): هو قولُ أبي عبيدة في ((المجاز))، وزادَ: ومعناها: جماعاتٌ في تفرقةِ، ويؤيِّده قوله بعدَه: {أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا} [النساء:71]، وقال النَّحَّاس: ليسَ هذا من أثبة الحوضِ وهو وسطُه، سُمِّي بذلك؛ لأنَّ الماء يثوبُ إليه؛ أي: يرجعُ إليه ويجتمعُ فيه؛ لأنَّها من ثابَ يثوبُ، وتصغيرُها ثُوَيبة وثُبة بمعنى الجمَاعة، من ثبَا يثبُو، وتصغيرها: ثُيَيبة.
ومطابقة الحديث للتَّرجمة ظاهرٌ.