-
مقدمة كتاب الفيض الجاري
-
كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله
-
كتاب الإيمان
-
كتاب العلم
-
كتاب الوضوء
-
كتاب الغسل
-
كتاب الحيض
-
[كتاب التيمم]
-
كتاب الصلاة
-
[كتاب مواقيت الصلاة]
-
[كتاب الأذان]
-
كتاب الجمعة
-
[أبواب صلاة الخوف]
-
[كتاب العيدين]
-
[كتاب الوتر]
-
[كتاب الاستسقاء]
-
[كتاب الكسوف]
-
[أبواب سجود القرآن]
-
[أبواب تقصير الصلاة]
-
[أبواب التهجد]
-
[كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة]
-
[أبواب العمل في الصلاة]
-
[أبواب السهو]
-
[كتاب الجنائز]
-
[كتاب الزكاة]
-
[أبواب صدقة الفطر]
-
كتاب الحج
-
[أبواب العمرة]
-
[أبواب المحصر]
-
[كتاب جزاء الصيد]
-
[أبواب فضائل المدينة]
-
كتاب الصوم
-
[كتاب صلاة التراويح]
-
[أبواب الاعتكاف]
-
كتاب البيوع
-
كتاب السلم
-
[كتاب الشفعة]
-
[كتاب الإجارة]
-
[كتاب الحوالة]
-
[كتاب الكفالة]
-
كتاب الوكالة
-
[كتاب المزارعة]
-
[كتاب المساقاة]
-
[كتاب الاستقراض]
-
[كتاب الخصومات]
-
[كتاب في اللقطة]
-
[كتاب المظالم]
-
[كتاب الشركة]
-
[كتاب الرهن]
-
[كتاب العتق]
-
[كتاب المكاتب]
-
كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها
-
كتاب الشهادات
-
[كتاب الصلح]
-
[كتاب الشروط]
-
كتاب الوصايا
-
[كتاب الجهاد والسير]
-
حديث: يا رسول الله، أي العمل أفضل؟
-
حديث: لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا
-
حديث: لكن أفضل الجهاد حج مبرور
-
حديث: هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم
-
باب: أفضل الناس مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله
-
باب الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء
-
باب درجات المجاهدين في سبيل الله
-
باب الغدوة والروحة في سبيل الله وقاب قوس أحدكم من الجنة
-
باب الحور العين وصفتهن
-
باب تمني الشهادة
-
باب فضل من يصرع في سبيل الله فمات فهو منهم
-
باب من ينكب في سبيل الله
-
باب من يجرح في سبيل الله عز وجل
-
باب قول الله تعالى: {هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين}
-
باب قول الله تعالى: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله}
-
باب: عمل صالح قبل القتال
-
باب من أتاه سهم غرب فقتله
-
باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا
-
باب من اغبرت قدماه في سبيل الله
-
باب مسح الغبار عن الناس في السبيل
-
باب الغسل بعد الحرب والغبار
-
باب فضل قول الله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله}
-
باب ظل الملائكة على الشهيد
-
باب تمني المجاهد أن يرجع إلى الدنيا
-
باب: الجنة تحت بارقة السيوف
-
باب من طلب الولد للجهاد
-
باب الشجاعة في الحرب والجبن
-
باب ما يتعوذ من الجبن
-
باب من حدث بمشاهده في الحرب
-
باب وجوب النفير وما يجب من الجهاد والنية
-
باب الكافر يقتل المسلم ثم يسلم فيسدد بعد ويقتل
-
باب من اختار الغزو على الصوم
-
باب: الشهادة سبع سوى القتل
-
باب قول الله تعالى {لا يستوي القاعدون من المؤمنين}
-
باب الصبر عند القتال
-
باب التحريض على القتال
-
باب حفر الخندق
-
باب من حبسه العذر عن الغزو
-
باب فضل الصوم في سبيل الله
-
باب فضل النفقة في سبيل الله
-
باب فضل من جهز غازيًا أو خلفه بخير
-
باب التحنط عند القتال
-
باب فضل الطليعة
-
باب: هل يبعث الطليعة وحده؟
-
باب سفر الاثنين
-
باب: الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة
-
باب: الجهاد ماض مع البر والفاجر
-
باب من احتبس فرسًا لقوله تعالى {ومن رباط الخيل}
-
باب اسم الفرس والحمار
-
باب ما يذكر من شؤم الفرس
-
باب: الخيل لثلاثة
-
باب من ضرب دابة غيره في الغزو
-
باب الركوب على الدابة الصعبة والفحولة من الخيل
-
باب سهام الفرس
-
باب من قاد دابة غيره في الحرب
-
باب الركاب والغرز للدابة
-
باب ركوب الفرس العري
-
باب الفرس القطوف
-
باب السبق بين الخيل
-
باب إضمار الخيل للسبق
-
باب غاية السبق للخيل المضمرة
-
باب ناقة النبي صلى الله عليه وسلم
-
باب بغلة النبي البيضاء
-
باب جهاد النساء
-
باب غزو المرأة في البحر
-
باب حمل الرجل امرأته في الغزو دون بعض نسائه
-
باب غزو النساء وقتالهن مع الرجال
-
باب حمل النساء القرب إلى الناس في الغزو
-
باب مداواة النساء الجرحى في الغزو
-
باب رد النساء الجرحى والقتلى
-
باب نزع السهم من البدن
-
باب الحراسة في الغزو في سبيل الله
-
باب فضل الخدمة في الغزو
-
باب فضل من حمل متاع صاحبه في السفر
-
باب فضل رباط يوم في سبيل الله
-
باب من غزا بصبي للخدمة
-
باب ركوب البحر
-
باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب
-
باب: لا يقول فلان شهيد
-
باب التحريض على الرمي
-
باب اللهو بالحراب ونحوها
-
باب المجن ومن يتترس بترس صاحبه
-
باب الدرق
-
باب الحمائل وتعليق السيف بالعنق
-
باب حلية السيوف
-
باب من علق سيفه بالشجر في السفر عند القائلة
-
باب لبس البيضة
-
باب من لم ير كسر السلاح عند الموت
-
باب تفرق الناس عن الإمام عند القائلة والاستظلال بالشجر
-
باب ما قيل في الرماح
-
باب ما قيل في درع النبي والقميص في الحرب
-
باب الجبة في السفر والحرب
-
باب الحرير في الحرب
-
باب ما يذكر في السكين
-
باب ما قيل في قتال الروم
-
باب قتال اليهود
-
باب قتال الترك
-
باب قتال الذين ينتعلون الشعر
-
باب من صف أصحابه عند الهزيمة ونزل عن دابته واستنصر
-
باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة
-
باب: هل يرشد المسلم أهل الكتاب أو يعلمهم الكتاب؟
-
باب الدعاء للمشركين بالهدى ليتألفهم
-
باب دعوة اليهودي والنصراني وعلى ما يقاتلون عليه
-
باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم
-
باب من أراد غزوة فورَّى بغيرها ومن أحب الخروج يوم الخميس
-
باب الخروج بعد الظهر
-
باب الخروج آخر الشهر
-
باب الخروج في رمضان
-
باب التوديع
-
باب السمع والطاعة للإمام
-
باب: يقاتل من وراء الإمام ويتقى به
-
باب البيعة في الحرب أن لا يفروا
-
باب عزم الإمام على الناس فيما يطيقون
-
باب: كان النبي إذا لم يقاتل أول النهار أخر القتال
-
باب استئذان الرجل الإمام لقوله: {إنما المؤمنون الذين آمنوا}
-
باب من غزا وهو حديث عهد بعرسه
-
باب من اختار الغزو بعد البناء
-
باب مبادرة الإمام عند الفزع
-
باب السرعة والركض في الفزع
-
باب الجعائل والحملان في السبيل
-
باب ما قيل في لواء النبي صلى الله عليه وسلم
-
باب الأجير
-
باب قول النبي: نصرت بالرعب مسيرة شهر
-
باب حمل الزاد في الغزو
-
باب حمل الزاد على الرقاب
-
باب إرداف المرأة خلف أخيها
-
باب الارتداف في الغزو والحج
-
باب الردف على الحمار
-
باب من أخذ بالركاب ونحوه
-
باب السفر بالمصاحف إلى أرض العدو
-
باب التكبير عند الحرب
-
باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير
-
باب التسبيح إذا هبط واديًا
-
باب التكبير إذا علا شرفًا
-
باب: يكتب للمسافر مثل ما كان يعمل في الإقامة
-
باب السير وحده
-
باب السرعة في السير
-
باب: إذا حمل على فرس فرآها تباع
-
باب الجهاد بإذن الأبوين
-
باب ما قيل في الجرس ونحوه في أعناق الإبل
-
باب مَن اكتتب في جيش فخرجت امرأته حاجةً وكان له عذر هل يؤذن له؟
-
باب الجاسوس
-
باب الكسوة للأسارى
-
باب فضل من أسلم على يديه رجل
-
باب الأسارى في السلاسل
-
باب فضل من أسلم من أهل الكتابين
-
باب أهل الدار يبيتون فيصاب الولدان والذراري
-
باب قتل الصبيان في الحرب
-
باب قتل النساء في الحرب
-
باب: لا يعذب بعذاب الله
-
باب: {فإما منًا بعد وإما فداءً}
-
باب: هل للأسير أن يقتل ويخدع الذين أسروه حتى ينجو من الكفرة؟
-
باب: إذا حرق المشرك المسلم هل يحرق؟
-
باب26
-
باب حرق الدور والنخيل
-
باب قتل النائم المشرك
-
باب: لا تمنوا لقاء العدو
-
باب: الحرب خدعة
-
باب الكذب في الحرب
-
باب الفتك بأهل الحرب
-
باب ما يجوز من الاحتيال والحذر مع من تخشى معرته
-
باب الرجز في الحرب ورفع الصوت في حفر الخندق
-
باب من لا يثبت على الخيل
-
باب دواء الجرح بإحراق الحصير
-
باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب وعقوبة من عصى إمامه
-
باب: إذا فزعوا بالليل
-
باب من رأى العدو فنادى بأعلى صوته يا صباحاه حتى يسمع الناس
-
باب من قال: خذها وأنا ابن فلان
-
باب: إذا نزل العدو على حكم رجل
-
باب قتل الأسير وقتل الصبر
-
باب: هل يستأسر الرجل؟ومن لم يستأسر ومن ركع ركعتين عند القتل
-
باب فكاك الأسير
-
باب فداء المشركين
-
باب الحربي إذا دخل دار الإسلام بغير أمان
-
باب: يقاتل عن أهل الذمة ولا يسترقون
-
باب جوائز الوفد
-
باب: هل يستشفع إلى أهل الذمة ومعاملتهم؟
-
باب التجمل للوفود
-
باب: كيف يعرض الإسلام على الصبي؟
-
باب قول النبي لليهود: أسلموا تسلموا
-
باب: إذا أسلم قوم في دار الحرب ولهم مال وأرضون فهى لهم
-
باب كتابة الإمام الناس
-
باب: إن الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر
-
باب من تأمر في الحرب من غير إمرة إذا خاف العدو
-
باب العون بالمدد
-
باب من غلب العدو فأقام على عرصتهم ثلاثًا
-
باب من قسم الغنيمة في غزوه وسفره
-
باب: إذا غنم المشركون مال المسلم ثم وجده المسلم
-
باب من تكلم بالفارسية والرطانة
-
باب الغلول
-
باب القليل من الغلول
-
باب ما يكره من ذبح الإبل والغنم في المغانم
-
باب البشارة في الفتوح
-
باب ما يعطى البشير
-
باب: لا هجرة بعد الفتح
-
باب: إذا اضطر الرجل إلى النظر في شعور أهل الذمة
-
باب استقبال الغزاة
-
باب ما يقول إذا رجع من الغزو
-
باب الصلاة إذا قدم من سفر.
-
باب الطعام عند القدوم
-
حديث: يا رسول الله، أي العمل أفضل؟
-
[كتاب فرض الخمس]
-
[كتاب الجزية والموادعة]
-
كتاب بدء الخلق
-
[كتاب أحاديث الأنبياء]
-
[كتاب المناقب]
-
[كتاب فضائل الصحابة]
-
[كتاب مناقب الأنصار]
-
كتاب المغازي
-
كتاب التفسير
░150▒ (بابٌ) بالتنوين؛ أي: هذا بابٌ يُذكرُ فيه قولُه تعالى: ({فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد:4]) وقدَّرَه العينيُّ ومَن تبعه: هذا بابٌ يُذكرُ فيه التَّخييرُ بين المنِّ والفداءِ في الأسرى؛ لقولهِ تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} ولعلَّ ما قدَّرناه أَولى، فتدبَّر.
وأولُ الآية: {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ} [محمد:4] فقوله:{فإمَّا} _بكسر الهمزة_ أداةُ شرطٍ وتفصيلٍ، والفاءُ للسببية و{مَنًّا} و{فِدَاءً} منصُوبان على المفعوليَّة المطلقةِ لفعليهما المحذوفين وجوباً؛ أي: فإمَّا تمنُّون منًّا بعد؛ أي: بعد الأسرِ المعبَّرِ عنه بشدِّ الوثاقِ، وإمَّا تفدون فداءً؛ أي: بعده.
قال البيضاويُّ: والمرادُ التخييرُ بعد الأسر بين المنِّ والإطلاقِ، وبين أخذِ الفداءِ، قال: وهو ثابتٌ عندنا، فإنَّ الذَّكرَ الحرَّ المكلَّف إذا أُسِر يُخيَّر الإمامُ فيه بين القتلِ والمنِّ والفداءِ، والاسترقاقُ منسوخٌ عند أبي حنيفةَ أو مخصُوصٌ بحرب بدرٍ، فإنه قال بتعيينِ القتلِ أو الاسترقاقِ، قال: ▬وقُرئَ فَدى↨ كعَصى. انتهى.
وقال الضَّحَّاك كما في ابن بطَّالٍ: إنها ناسخةٌ لقولهِ تعالى: {اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة:5] ومثلُ هذا يروى عن ابن عمرَ قال: أليسَ بهذا أمرَنا اللهُ؟ قال: {حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد:4] وهو قولُ عطاءٍ والشُّعبي والحسنِ البصري، وكرهوا قتلَ الأسير وقالوا: مُنَّ عليه أو فادِه، وبمثلِ هذا استدلَّ الطَّحاويُّ فقال: ظاهرُ الآية يَقتضِي المنُّ أو الفداءُ ويمنعُ القتلَ. انتهى.
وقال ابن بطَّالٍ أيضاً: اختلفَ العلماءُ / في حُكم الأسرَى من أجل اختلافِهِم في تأويلِ قولِه تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} فقال السُّدي وابنُ جُريجٍ: نسخَها قولُه تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} وقال قتادةُ: نسخَها: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ} [الأنفال:57].
وقال الطبريُّ: رويَ عن أبي بكرٍ الصِّديق أنه قال: لا يُفادى بأسيرِ المشركين وإنْ أُعطيَ فيه كذا وكذا مدياً من مالٍ.
وقال الزهريُّ: كتب عمرُ بن الخطاب: اقتلوا كلَّ مَن جرتْ عليه الموسى، وهو قولُ الزهريِّ ومجاهدٍ؛ لقولهِ تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} الآية فغيرُ جائزٍ لأحدٍ أنْ يتقدَّمَ على فعله وسنةِ الله تعالى في أهل الكفر إنْ كانوا مِن أهل الأوثانِ، فقتلهم على كلِّ حالٍ؛ لقوله تعالى: {اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة:5] الآية، وإنْ كانوا مِن أهل الكتابِ حتى يُسلموا أو يُعطوا الجزيةَ، فأمَّا إطلاقهم على فداءٍ يُؤخذ منهم فلا يجوزُ؛ لأنه تقويةٌ لهم. انتهى فاعرفْه.
وقال غيرُهُ: وعن بعضِ السَّلفِ أنَّ الآيةَ منسُوخةٌ بقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} الآية، والأكثرون على أنها محكمةٌ.
وقال بعضُهم _كالحسنِ البصريِّ وعطاء_:لا تُقتل الأسرَى بل لتخيير الإمامِ بين المنِّ والفداءِ، ولا يجوز القتلُ، والأكثرونَ وهو قولُ أكثرِ السَّلفِ على التَّخيير بين المنِّ والفداءِ والقتلِ والاسترقاقِ.
وقال أبو بكر الرَازي: احتجَّ أصحابُنا لكراهةِ فداءِ المشركين بالمالِ بقولهِ تعالى: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ} [الأنفال:68] الآية، ولا حجَّةَ لهم في ذلك؛ لأنَّه كان قبل حلِّ الغنيمة، وأمَّا بعد حلِّها فلا كراهةَ فيه.
وقال العينيُّ: وقال أصحابُنا: لا يجوزُ مفاداةُ أسرى المشركين، قال تعالى: {اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة:5] وقال تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ} [التوبة:29] الآية قال: وأمَّا ما وردَ في أسرى بدرٍ كلُّه منسوخٌ لاتفاقِ أهلِ التَّفسير ونقلةِ الآثار أنَّ سورةَ براءة بعد سُورةِ محمَّد، فيجبُ أنْ يكونَ الحكمُ المذكور فيها ناسخاً للفداءِ المذكورِ في غيرها، انتهى.
وفي ((التنوير)) وشرحهِ للعلائي: وحرمَ فداؤهم بعد تمامِ الحربِ، أمَّا قبله فيجوزُ بالمالِ لا بالأسيرِ المسلم، وقالا: يجوزُ، وهو أظهرُ الرِّوايتين عن الإمامِ، واتَّفقوا على أنه لا يُفادِي بنساءٍ وصبيان وخيلٍ وسلاحٍ إلا لضَرورةٍ. انتهى.
(فِيهِ) أي: يدخلُ في هذا الباب (حَدِيثُ ثُمَامَةَ) بضمِّ المثلثة وتخفيف الميمين بينهما ألفٌ وبعد الثانية هاءُ تأنيثٍ؛ أي: ابن أُثال _بضمِّ الهمزة وتخفيف المثلثة_ من بني حنيفةَ أسلمَ بعد ربطهِ في المسجدِ، وثبتَ على الإسلام لمَّا ارتدَّ أهلُ اليمامَةِ، ثم شهدَ مع العلاء بنِ الحضرميِّ قتالَ الحطمِ، فانهزمَ المشركون وقتل الحطمُ، فأعطى لغلامِهِ خميصَةً له ولبسها، فلمَّا رآه قومُ الحطمِ وعليه الخميصةُ قالوا: أنت قتلتَ الحطمَ؟ قال: لم أقتلْه ولكني اشتريتُ خميصةً من المغنمِ، فقتلوهُ ولم يسمعوا منه.
وقد ذكر حديثَه المصنِّف في مواضع:
منها في كتاب الصَّلاةِ في باب ربط الأسيرِ في المسجدِ.
ومنها في وفدِ بني حنيفةَ في المغازي ولفظُه هناك: بعثَ النبيُّ صلعم خيلاً قِبَلَ نَجْدٍ، فجاءتْ برجلٍ من بني حنيفةَ يُقال له ثُمامةُ بن أُثالٍ، فربطوهُ بسَاريةٍ من سواري المسجدِ، فخرجَ إليه النبيُّ صلعم فقال: ((ما عندَكَ يا ثُمامةُ؟)) / فقال: عندي خيرٌ يا محمدُ، إنْ تقتلْنِي تقتلْ ذا دمٍ، وإنْ تُنعِمْ تُنعمْ على شاكرٍ، وإنْ أنت تريد المالَ فسَلْ منه ما شئتَ، حتى كانَ الغدُ، ثم قال له: ((ما عندك يا ثُمامةُ؟)) قال: ما قلتُ لك: إنْ تُنعمْ تُنعمْ على شاكرٍ، فتركه حتى كانَ بعد الغدِ فقال: ((ما عندك يا ثُمامةُ؟)) فقال: عندي ما قلتُ لك، فقال:((أطلقوا ثُمامةَ)) الحديث.
وفي قوله:((أطلقوا ثُمامةَ)) المطابقةُ للترجمة، فإنه عليه السَّلام أطلقه ومَنَّ عليه بلا مالٍ ولم ينكرْ عليه التَّقسيم، وهذا يؤيد قولَ الجمهور أنَّ الأمرَ في أسارى الكفَّار من الرجال الأحرار إلى الإمام يفعلُ ما هو الأحظُّ للإسلام والمسلمين.
وعن مالكٍ كما في ((الفتح)) لا يجوز المنُّ بغير فداءٍ، وعن الحنفيَّةِ لا يجوز المنُّ أصلاً لا بفداءٍ ولا بغيره لئلا يردَّ الأسير حربيًّا.
وأقول: يحتاجان إلى الجواب عن حديث ثُمامةَ، وفي ابن بطَّالٍ: قال ابن القصار: ومما يُردُّ به على أبي حنيفةَ إن اتفقنا معه على أنَّ مكةَ فُتحتْ عنوةً، وأنَّ نبيَّ الله منَّ عليهم بغير شيءٍ كما فعلَ بثمامةَ.
(وَقَوْلُهُ) وفي بعضِ الأصول: <وقولُ الله> بالرفع عطف على ((حديث))؛ أي: وفي الباب قوله: (╡) أي: في أواخر سورة الأنفال ({مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يكُونَ لَهُ أَسْرَى} [الأنفال:67] الآيَةَ) سببُ نزول الآية لمَّا جاؤوا بأسارى بدرٍ وفيهم العباسُ وعقيل وغيرهما، وكانوا سبعين أسيراً، فاستشارَ النبيُّ عليه السَّلام أصحابَه فيهم، فقال عمرُ: هم أئمةُ الكفرِ، واللهُ أغناكَ عن الفداء، فاضربْ أعناقَهُم، وقال أبو بكرٍ: هم قومُك وأهلُك لعلَّ اللهَ أنْ يتوبَ عليهم، خذْ منهم فديةً تقويِّ بها أصحابُك، فقبَّل رسولُ الله صلعم الفدَاءَ وعَفا عنهم، والقصَّةُ مبسُوطةٌ في التَّفاسير وفي المغازي.
ومعنى الآيةِ ما جازَ لنبيٍّ من الأنبياءِ عليهم السَّلام أنْ يأخذَ أسارى ولا يقتلهم، وزاد أبو ذرٍّ وكريمة قبل لفظ الآية:<{حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} يعنِي: يغلب في الأرض {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} الآية> كذا في ((الفتح)) وتفسيرُ يُثخنَ بمعنى يغلبَ، قاله أبو عبيدة، وزاد: ويبالغَ، وعن مجاهدٍ: الإثخانُ: القتلُ، وقيل: المبالغةُ فيه، وهو ما زاد أبو عبيدة، وقيل: حتى يتمكنَ في الأرضِ وتكثرَ أتباعه.
قال في ((الفتح)): وأصلُ الإثخانِ في اللغة: الشدَّةُ والقوَّة، وقال البيضاويُّ في تفسير: {حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} أي: حتى يُكثرَ القتلَ ويُبالغَ فيه، حتى يذلَّ الكفرَ ويقلَّ حزبَه، ويعزَّ الإسلامَ ويستولي أهله، مِن أثخنَه المرضُ: إذا أثقلَه، وأصلُه الثَّخانة، وقرئ: ▬يُثخَّنَ↨ بالتشديد للمبالغة.
وقوله: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} أي: حطامَها بأخذكم الفداءَ، واللهُ يريد الآخرةَ؛ أي: ثوابها أو سبب نيلِ الآخرة مِن إعزازِ دينِهِ وقمع أعدائهِ، وقُرئ بجرِّ الآخرةِ على حذف المضافِ وإبقاء المضَاف إليه على حاله، كقوله:
أكُلَّ امْرِئٍ تَحْسَبينَ امْرَءاً وَنَارٍ تَوقَّدُ باللَّيلِ نَاراً
{وَاللَّهُ عَزِيزٌ} أي: فيغلِّب أولياؤه على أعدائهِ {حَكِيمٌ} قال البيضاويُّ: أي: يعلم ما يليقُ به بكلِّ حالٍ، ويخصُّه بها، كمَا أمرَ بالإثخانِ ومنعَ مِن الافتداءِ حين كانتْ الشَّوكة للمُشركين، وخيَّرَ بينه وبين المنِّ لما تحوَّلت الحالُ وصارتْ الغلبةُ للمؤمنين.
وأقول: فيه إشارةٌ إلى أنَّ الآياتِ محكمةٌ ولا نسخَ فيها، بل هي محمولةٌ على أحوالٍ يأتي قريباً بيانُها.
ومثله قول ((الفتح)): وأشارَ البخاريُّ بهذه الآيةِ إلى قولِ مجاهدٍ وغيره ممَّن منعَ أخذَ الفداء من أسرى الكفَّار، وحجتُهم منها أنَّه تعالى أنكرَ إطلاقَ أسرى كفارِ بدرٍ على مالٍ، فدلَّ على عدمِ جواز ذلك بعد، واحتجُّوا بقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة:5] فلا يُستثنى من ذلك إلَّا مَن يجوز أخذُ الجزيةِ منه.
وتقدَّم أنَّ الضَّحاكَ قال: {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} ناسخٌ لقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}.
وقال أبو عبيدٍ: لا نسخَ في شيءٍ من هذه الآيات، بل هي محكمةٌ؛ وذلك أنَّه صلعم عمل بما دلتْ عليه كلُّها في جميع أحكامه، فقتل / بعضَ الكفَّار يوم بدرٍ وفدى بعضاً، ومنَّ على بعضٍ، وكذا قتلَ بني قُريظةَ ومَنَّ على بني المصطلقِ، وقتل ابنَ خطل وغيره بمكةَ ومَنَّ على سائرهم، وسبى هوازن ومَنَّ عليهم، ومَنَّ على ثمامةَ بنِ أُثالٍ، فدلَّ كلُّ ذلك على ترجيحِ قول الجمهور أنِّ ذلك راجعٌ إلى رأي الإمام من الأمورِ الثلاثةِ أو الأربعة، أو اثنين على ما تقدَّمَ مِن اختلافِ الأئمة.
وأمَّا النساءُ والصبيانُ _أي: والمجانين_ فيرقون بنفسِ الأسر، وتجوزُ مفاداةُ الأسيرِ المسلمِ أو الأسيرةِ المسلمة بأسيرةٍ كافرةٍ وبالعكسِ، ولو أسلم الأسيرُ البالغُ قبل ضربِ الرقِّ عليه أو المفاداة لا يجوز قتلُه اتِّفاقاً، وهل يصيرُ رقيقاً أو تبقَى فيه الخصَال؟ قولان: أصحُّهما تبقَى فيه الخصالُ.