أصل الزراري شرح صحيح البخاري

باب ما يستر من العورة

          ░10▒ هذا (باب) : في بيان (ما يُستَر)؛ بضم المثناة التحتية أوله، وفتح المثناة الفوقية، ويجوز فتح التحتية، وضم الفوقية (من العورة) : وكلمة (ما) مصدرية، ويجوز أن تكون موصولة، وكلمة (من) بيانية في الوجهين؛ والتقدير: باب في بيان الشيء الذي يستر؛ أي: الذي يجب ستره من العورة، ثم هذا أعم من أن يكون في الصلاة أو خارجها، كذا قرره إمام الشَّارحين في «عمدة القاري».
          قلت: لأنَّ ستر العورة واجب في الصلاة وخارجها، ويدل على هذا ما قدمه المؤلف من الحديثين اللذين في الباب قبله، فإنَّ الأول: وهو حديث أبي هريرة يدل على أن ستر العورة واجب في الصلاة، والثاني: وهو حديث ابن عمر يدل على أن ستر العورة واجب خارج الصلاة أيضًا، ولما كان هذا مذهب المؤلف؛ أعقبه بهذا الباب؛ للدلالة على أن ستر العورة واجب في الصلاة وخارجها، وزعم ابن حجر أن المراد من ستر العورة خارج الصلاة فقط، والظاهر من تصرف المصنف أنه يرى أن الواجب ستر السوءتين، انتهى.
          ورده إمام الشَّارحين فقال: (وكأنه أخذ ذلك من لفظ الاحتباء الذي في حديث الباب، فإنه قيد النهي فيه بقوله: «ليس على فرجه منه شيء»، وهذا ليس فيه تخصيص بخارج الصلاة، بل النهي فيه أعم من أن يكون في الصلاة أو خارجها، وقوله: «والظاهر...» إلى آخره: ليس بشيء؛ لأنَّ الذي يدل على ذلك أيُّ تصرف منه ههنا وإن كان مذهبه ذلك) انتهى.
          قلت: وكلام ابن حجر ليس بشيء؛ لأنَّه حجر ليس فيه دسم، فإنه ليس في شيء من هذا الباب ولا ما قبله ما يدل على أن المراد من الستر خارج الصلاة فقط، بل الذي دل عليه هذا الباب، والباب [الذي] قبله على أنه يجب الستر في الصلاة وخارج الصلاة، فإن أحاديث الباب السابق قد علمت وجهها، وهذا الباب ذكر فيه حديث أبي سعيد، وحديث أبي هريرة، وحديث أبي هريرة أيضًا، فهي ثلاثة أحاديث، فالأول: دال على وجوب الستر في الصلاة، والثاني: دال على وجوب الستر في الصلاة وخارج الصلاة، والثالث: دال على وجوب الستر خارج الصلاة، فجمع المؤلف هذه الأحاديث في باب واحد، وترجم لها؛ إشعارًا ودلالة على أن الستر واجب في الصلاة وخارج الصلاة، فمن أين جاء التقييد بخارج الصلاة؟
          وقول ابن حجر: (والظاهر...) إلى آخره: ممنوع، فإن تصرف المؤلف هو ذكر الأحاديث التي ترجم لها، وهي ثلاثة، كما ذكرنا، وكلها دالة على أن الواجب ستر العورة من السرة إلى الركبة، فإن الحديث الأول دال على ذلك، وتقييده بـ (الفرج)؛ نظرًا لأنَّه أغلظ العورة، ومراده العورة بتمامها، وأن الحديث الثاني أدل في الدلالة على وجوب ستر العورة بتمامها، وأن الحديث الثالث أدلُّ أيضًا في الدلالة على وجوب سترها بتمامها؛ لأنَّه نهي عن الطواف عريانًا، وهو يعم العورة، وهي السوءتان وما قبلهما وما بعدهما، فهي من الركبة إلى السرة، ثم ترجم على ذلك المؤلف، وهو يدل على أن مذهبه أن العورة من السرة إلى الركبة، وأنه يجب سترها في الصلاة وخارج الصلاة، وهذا هو الحق، فقول ابن حجر: (إن الواجب ستر السوءتين) : تقييد من عنده، وكلام من لم يذق شيئًا في العلم، وتمامه في «إيضاح المرام فيما وقع في الفتح من الأوهام»، والله أعلم، وقال إمام الشَّارحين: (والعورة: سوءة الإنسان وكل ما يستحى منه) انتهى.
          قلت: والعورة في اللغة: كل ما يستقبح ظهوره، مأخوذة من العور؛ وهو النقص والعيب والقبح، ومنه عور العين، وكلمة عوراء؛ أي: قبيحة، وسميت السوءة عورة؛ لقبح ظهورها، وغض الأبصار عنها، وكل شيء يستره الإنسان أنفة أو حياء؛ فهو عورة، والنساء عورة؛ كذا في كتب اللغة، والله أعلم.