أصل الزراري شرح صحيح البخاري

باب إن صلى في ثوب مصلب أو تصاوير هل تفسد صلاته؟

          ░15▒ هذا (باب)؛ بالتنوين خبر مبتدأ محذوف (إن صلى)؛ أي: الشخص سواء كان رجلًا أو امرأة (في ثوب) : الجار والمجرور حال؛ أي: حال كونه في ثوب (مُصلَّب)؛ بضم الميم، وفتح اللام المشددة؛ أي: منقوش بصور الصلبان، كذا قاله إمام الشَّارحين، وزعم ابن حجر أي: / فيه صلبان، ورده في «عمدة القاري» حيث قال: (قلت: ليس المعنى كذلك، بل معناه: إن صلى في ثوب منقوش بصور الصلبان) انتهى.
          قلت: وقوله: (منقوش بصور الصلبان) يشمل ما إذا كانت الصلبان منسوجة أو معلمة؛ لأنَّ كلًّا منهما يقال له: منقوش، وأما قول ابن حجر: (فيه صلبان) : قاصر المعنى؛ لأنَّه غير شامل لما نقش فيه، ولما علم فيه من الصور، بل قاصر على تصور الثوب صلبان، وهو خلاف المعنى المراد، فقد وهم ابن حجر في ذلك، كما بينه صاحب «إيضاح المرام»؛ فافهم.
          (أو) : في ثوب ذي (تصاوير)؛ أي: مصور بتصاوير، وهو عطف على (مصلب) مع حذف حرف الصلة كما سيأتي، قال الجوهري: التصاوير: التماثيل، وقد جاء التصاوير، والتماثيل، والتصاليب، فكأنها في الأصل جمع تصوير، وتمثال وتصوير، وفرق العلماء بين الصورة والتمثال؛ فقالوا: الصورة تكون في الحيوان، والتمثال يكون فيه وفي غيره، ويقال: التمثال ما له جرم وشخص، والصورة ما كان رقمًا أو تزويقًا في ثوب أو حائط.
          وقال المنذري: قيل: التمثال: الصورة، وقيل في قوله تعالى: {وَتَمَاثِيلَ} [سبأ:13] : إنها صور العقبان والطواويس على كرسي سليمان ◙ وكان مباحًا، وقيل: صور الأنبياء والملائكة ‰ من رخام وشبه؛ لينشطوا في العبادة بالنظر إليهم، وقيل: صور الآدميين من نحاس، كذا في «عمدة القاري».
          وزعم الكرماني أن قوله: (أو تصاوير) عطف (على ثوب) لا على (مصلب)، والمصدر بمعنى المفعول، أو على (مصلب)، لكن بتقدير: أنه في معنى ثوب مصور بالصليب فكأنه قال: مصور بالصليب أو بتصاوير غيره.
          وزعم ابن حجر أن قوله: (أو تصاوير)؛ أي: في ثوب ذي تصاوير، فكأنه حذف المضاف؛ لدلالة المعنى عليه، واعترضهما إمام الشَّارحين فقال: جعل الكرماني (تصاوير) مصدرًا بمعنى المفعول غير صحيح؛ لأنَّ التصاوير اسم للتماثيل، كذا قاله أهل اللغة، وساق كلام الجوهري السابق، ولئن سلمنا كون التصاوير مصدرًا في الأصل جمع تصوير؛ فلا يصح أن يقال عند كونه عطفًا على (ثوب)، أن يقدر: أو إن صلى في ثوب مصورة؛ لعدم التطابق حينئذٍ بين الصفة والموصوف مع أنه شرط، والظاهر: أنه عطفٌ على (مصلب) مع حذف حرف العلة؛ تقديره: (إن صلى في ثوب مصور بصلبان أو ثوب مصور بتصاوير التي هي التماثيل، وقول ابن حجر: (لدلالة المعنى عليه) : لم يبين أن المعنى الدال عليه ما هو؟ والقول بحذف حرف الصلة أولى من القول بحذف المضاف؛ لأنَّ ذاك شائع ذائع) انتهى.
          قلت: فإن المضاف والمضاف إليه كالكلمة الواحدة، فحذف المضاف غير شائع في كلامهم على أنه لم يدل الدليل على حذفه، ولم يظهر المعنى الدال عليه، ولو ظهر لابن حجر؛ لبينه، فكأنه ذكره رجمًا بالغيب، فهو ممنوع، والظاهر بل الصواب: ما قاله الشَّارح ☺؛ فليحفظ.
          (هل تفسد صلاته) : استفهام على سبيل الاستفسار، جرى المؤلف على عادته في ترك القطع في الشيء الذي فيه اختلاف؛ لأنَّ العلماء اختلفوا في النهي الوارد في الشيء، فإن كان لمعنًى في نفسه؛ فهو يقتضي الفساد، وإن كان لمعنًى في غيره؛ فهو يقتضي الكراهة أو الفساد، فيه خلاف، انتهى.
          (وما ينهى من ذلك)؛ أي: والذي ينهى عن ذلك المذكور؛ وهو الصلاة في ثوب مصور بصلبان أو بتصاوير، كذا في رواية أبي ذر، وفي رواية أبي الوقت والأصيلي: (وما ينهى عنه)؛ بالضمير، وفي رواية غيرهم: (وما ينهى عن ذلك)، بكلمة (عن) موضع (من)، والأول أصح، قاله إمام الشَّارحين.