أصل الزراري شرح صحيح البخاري

باب قدر كم ينبغي أن يكون بين المصلى والسترة

          ░91▒ هذا (باب) بيان (قدْرِ)؛ بإسكان الدَّال المهملة؛ بمعنى: مقدار (كم ينبغي) أي: يُطلَب شرعًا (أن يكون بين المصلِّي)؛ بكسر اللَّام، اسم فاعل؛ أي: الشخص الذي يريد الصلاة (والسُّترة)؛ أي: بينهما، وهي أعم من أن تكون عنزة، أو حربة، أو عصا، أو نحوها؛ وهي_بضم السين المهملة_: ما يستتر به عند الصلاة من المارين.
          وزعم ابن حجر أنَّه يحتمل فتح اللَّام؛ أي: المكان الذي يُصَلَّى فيه.
          وردَّه إمام الشَّارحين فقال: (هذا الاحتمال أخذه قائله من كلام الكرماني حيث قال: «فإن قلت: الحديث دل على القدر الذي بين المصلَّى_بفتح اللَّام_ والسترة، والتَّرجمة بكسر اللَّام؛ قلت: معناهما متلازمان» انتهى.
          قلت: لا يلزم من تلازمهما عقلًا اعتبار المقدار؛ لأنَّ اعتبار المقدار بين المصلي وبين السترة، لا بينهما وبين المكان الذي يصلِّي فيه) انتهى كلامه.
          واعترضه العجلوني بأنَّه وارد؛ لأنَّ اعتبار المكان المصلَّى من حيث إنَّه مصلًّى فيه اعتبار المصلِّي فيه، والأمر سهل، انتهى.
          قلت: هذا كلام فاسد التركيب والمعنى، فإنَّ اعتبار المصلِّي غير اعتبار المكان الذي يصلِّي فيه، وبينهما تنافٍ؛ لأنَّ التَّرجمة صريحة في أنَّ المراد بالمصلِّي؛ بكسر اللَّام: الشخص الذي يريد الصلاة؛ بدليل عطف (السترة) عليه، وهو يقتضي المغايرة؛ لأنَّ السترة إذا وضعت في المسجد الصغير؛ فمكانها يقال له أيضًا: مصلَّى؛ بفتح اللَّام، فيصير ذلك عامًّا في مكان السترة، وليس هذا بمراد للمؤلف، وإنَّما مراده: بكسر اللَّام: الشخص الذي يصلِّي أو يريد الصلاة؛ فافهم. /
          قال إمامنا الشَّارح: (ولفظة «كم» سواء كانت استفهامية أو خبرية لها صدر الكلام، وإنَّما قدم لفظة «القدر» عليها؛ لأنَّ المضاف والمضاف إليه في حكم كلمة واحدة، ومميز «كم» محذوف؛ لأنَّ الفعل لا يقع مميزًا؛ والتقدير: كم ذراعًا ونحوه) انتهى.