أصل الزراري شرح صحيح البخاري

باب الأبواب والغلق للكعبة والمساجد

          ░81▒ هذا (باب) حكم اتخاذ (الأبواب) جمع باب؛ وهو الفرجة في الحائط (والغَلَق)؛ بفتح الغين المعجمة واللَّام؛ وهو المغلاق؛ وهو ما يغلق به الباب، قاله إمامنا الشَّارح.
          قلت: وبه صرح في «الصِّحاح» و«مختصره» و«القاموس»، والظَّاهر أنَّه الخشبة، أو العصاة، أو القفل، والغال؛ مما يغلق به الباب؛ كالمفتاح للغال ونحوه، ويدل لهذا حديث الباب؛ فافهم.
          ويحتمل أنَّ المراد: حكم غلق الأبواب في غير وقت صلاة، فيكون الغلق شاملًا للفتح والغلق في وقت الصلاة وفي غير وقتها، والمقصود منه الصيانة والحفظ؛ فافهم.
          وقوله: (للكعبة والمساجد) بيان لاتخاذ الأبواب وغلقها؛ يعني: باب حكم اتخاذ الأبواب وغلقها الكائن للكعبة والمساجد، فهو بيان وتفسير للسابق، فقول العجلوني: (من عطف العام على الخاص)؛ غير ظاهر؛ لأنَّ الكلام الأول لم يتم إلا بلاحقه، وليس فيه عطف، بل هو بيان وتفسير لذلك؛ فافهم، على أنَّ الكعبة تابعة للمسجد الحرام، فذكر المساجد يغني عنها، لكن لما كان لها أحكام مختصة بها؛ نص عليها بانفرادها؛ تفسيرًا لما سبق، وهي ليس لها أبواب بل واحد فقط كما هو المعهود منها.
          والمراد بالحكم: الوجوب، ولهذا قال ابن بطال: (اتخاذ الأبواب للمساجد واجب؛ لتصان عن مكان الريب وتنزه عما لا يصلح فيها؛ أي: ولأجل حفظها من أيدي العادية وغيرها، فاتخذت الأبواب؛ لحفظها مما يدانسها) .
          وتقدير (الحكم) أولى من تقدير العجلوني (الجواز)؛ لأنَّه خاص والحكم أعم، وهو أولى؛ فافهم.
          وقوله: (قال أبو عبد الله)؛ أي: محمَّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن بردزبه البخاري الجعفي، جامع هذا «الصَّحيح»، ثابت عند الأكثرين، ساقط عند الأصيلي وابن عساكر: (وقال لي عبد الله بن محمَّد) هو الجعفي المسندي مذاكرةً: (قال: حدثنا سفيان) هو ابن عينية، (عن ابن جريج) بجيمين مصغرًا، هو عبد الملك بن عبد العزيز (قال: قال لي ابن أبي مُلكية)؛ بِضَمِّ الميم؛ بالتصغير، هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي ملكية، واسمه زهير بن عبد الله بن جدعان التيمي المكي القاضي: (يا عبد الملك) هو اسم ابن جريج؛ (لو رأيتَ) بفتح التَّاء (مساجد ابن عبَّاس وأبوابها)؛ أي: لرأيت عجبًا أو حسنًا؛ لإتقانها، فجزاء (لو) محذوف، كما قاله إمام الشَّارحين، ثم قال: (ويحتمل أن تكون «لو» للتَّمني، فلا تحتاج إلى الجزاء، وهذا الكلام يدل على أنَّ هذه المساجد كانت لها أبواب وأغلاق بأحسن ما يكون، ولكن كانت في الوقت الذي قال ابن أبي مُليكة لابن جريج: «خربت واندرست»، ومطابقته للتَّرجمة في قوله: «وأبوابها») انتهى.
          قلت: يعني: وإنَّ الغالب أنَّ لأبوابها أغلاقًا.
          قال العجلوني: (وهل الجمع مراد فيها؛ لأنَّها كانت متعددة أو هي اسم لمسجد واحد عمَّره في الكوفة أو غيرها؛ فليحرر) انتهى.
          قلت: قول ابن أبي مليكة: (لو رأيت مساجد ابن عبَّاس) يدل على أنَّ الجمع الحقيقي مراد فيها؛ لأنَّه الأصل في الكلام، فهي متعددة؛ لأنَّه لا مانع من أنَّه عمَّر مسجدًا في الكوفة، ومسجدًا في الطَّائف، ومسجدًا في غيرهما؛ لأنَّه قد سكن الطَّائف وتوفي فيه، ومسجده هناك مشهور؛ كما هو في الكوفة وغيرهما؛ فليحفظ.