أصل الزراري شرح صحيح البخاري

باب الصلاة بين السواري في غير جماعة

          ░96▒ هذا (باب) حكم (الصلاة) المفروضة في المسجد (بين السواري) أي: الأساطين والأعمدة (في غير جماعة) قيد بها؛ لأنَّه لا تكره الصلاة بين السواري إذا كان منفردًا اتفاقًا، أمَّا مع الجماعة؛ فمكروهة إذا كان بين الأساطين، وهو شامل لما إذا كان وحده بين الأساطين مقتديًا بالإمام، ولما إذا كان مع جماعة مقتدين بالإمام بين الأساطين، والإمام في الصورتين ليس معهم، بل إمَّا في محرابه أو في قبلة الحائط، أو في تجاه سارية، لكن ظاهر كلام إمام الشَّارحين وغيره أنَّ المنفرد وحده بين الأساطين مقتديًا بالإمام الذي في محرابه ونحوه لا كراهة فيه؛ حيث قال: يعني: إذا كان منفردًا؛ لا بأس بالصلاة بين الساريتين إذا لم يكن في جماعة، انتهى.
          فهذا كما رأيت يشير إلى أنَّه لا كراهة في ذلك، فإنَّ كلامه جامع للصورتين الذين ذكرناهما، ومع هذا؛ فليس فيه ما يقتضي الكراهة كما سيأتي؛ لأنَّه اختلف في علة الكراهة؛ فقيل: إنَّ العلة النَّهي الوارد، وقال إمامنا الشَّارح: (قيد بـ«غير جماعة»؛ لأنَّ ذلك يقطع الصفوف، وتسوية الصفوف في الجماعة مطلوبة) انتهى، وقيل: إنَّ العلة أنَّ بين السواري محل وضع النعال، وقيل: إنَّ العلة كونه موضع مصلى مؤمني الجن، وقيل: خشية أن يمر مار بين يديه.
          قلت: وهذه العلل دائرة مع المعلول، فالظَّاهر أنَّ المكروه صلاته وحده منفردًا بين السواري مقتديًا بالإمام، أمَّا مع جماعة مقتدين بين السواري بالإمام؛ فلا كراهة فيه، كما لا كراهة إذا كان منفردًا وحده بين الأساطين بصلاة نفسه، فالصور ثلاثة: واحدة مكروهة، والأخريان لا كراهة فيهما، كما لا يخفى.