أصل الزراري شرح صحيح البخاري

باب من صلى وقدامه تنور أو نار أو شيء مما يعبد فأراد به الله

          ░51▒ هذا (باب) حكم (من صلى) الفرض وغيره (وقدامَه)؛ بالنصب على الظرفية: خبر مقدم؛ أي: بين يديه (تَنُّورٌ)؛ بالرفع مبتدأ مؤخر، والجملة اسمية وقعت حالًا، وهو بفتح المثناة الفوقية، وضم النون المشددة، وهو مشهور، تارة يحفر من الأرض حفيرة، وتارة يتخذ من الطين، ويدفن في الأرض، ويوقد فيه النار إلى أن يحمى فيخبز فيه، وتارة يطبخ فيه، فقيل: هو عربي، وقيل: مُعرَّب توافقت عليه العرب والعجم، كذا قاله إمام الشَّارحين، وتبعه الشراح، غير الكرماني؛ فإنَّه خص التنور بالحفيرة، وهو وهم؛ لأنَّ أكثر ما يكون يتخذ من الطين، ويدفن بعضه في الأرض، ويوقد فيه النار للخبز.
          (أو نار) عطف على ما قبله، وإنما ذكر النار بعد ذكر التنور مع أن ذكر النار يغني عن ذكر التنور؛ اهتمامًا به؛ لأنَّ عبدة النار من المجوس لا يعبدون إلا النار المكومة المتوقدة بالجمر الظاهرة؛ كالتي في التنور، وربما لا تظهر النار من التنور؛ لعمقه ولقلة النار، (أو شيء مما يعبد) هذا من عطف العام على الخاص، تقديره: أو صلى وقدَّامه شيء مما يُعبد؛ كالأوثان، والأصنام، والتماثيل، والصور، ونحو ذلك بما يعبده أهل الضلال والكفر، وتمثيل العجلوني ذلك بالشمس فيه نظر؛ لأنَّها وإن كان يعبدها قوم، إلا أنها لا تكون بين يدي المصلي، ولا يمكن ذلك، ولم يصرِّح أحد من المجتهدين بكراهة / الصلاة في الشمس، وكذلك القمر والنجوم، فمن أين للعجلوني ذلك؟! فتنبه.
          (فأراد) أي: المصلي المفهوم من: (صلى) وقدامه شيء من هذه الأشياء (به) أي: بفعله المذكور من صلاته إليها (وجه الله تعالى) أي: ذاته تعالى، وسقط لفظ (تعالى) من نسخة، وكذلك سقط لفظ (وجه) لغير أبوي ذر والوقت، وأشار المؤلف بهذه الترجمة: إلى أنَّ الصلاة إلى شيء مما ذكر لا تكون مكروهة إذا قصد به وجه الله تعالى، ولم يقصد الصلاة إليه، وعند أئمتنا الأعلام يكره ذلك مطلقًا؛ لأنَّ فيه التشبه بعبدة هذه الأشياء المذكورة ظاهرًا، وروى ابن أبي شيبة في «مصنفه» عن ابن سيرين: أنه كره الصلاة إلى التنور، وقال: (بيت نار) انتهى.
          قلت: وقد يقال: إن مراد المؤلف بهذه الترجمة: إلى أنَّ الصلاة تكره إلى هذه الأشياء، وإن قصد بها وجه الله تعالى، يدل عليه: أنه خص التنور بالذكر؛ للإشارة إلى ما ذكر عن ابن سيرين آنفًا، فإنَّه مطلق يشمل ما إذا قصد بها وجه الله، وسيأتي بيانه؛ فافهم.
          (وقال الزهري) : هو محمد بن مسلم ابن شهاب المدني، وهذا تعليق وصله المؤلف في باب: (وقت الظهر عند الزوال) مطولًا (أخبرني) بالإفراد (أنس) زاد الأصيلي: (ابن مالك ☺) أنه (قال: قال النبيُّ) الأعظم (صلعم: عُرضت)؛ بضمِّ العين المهملة مبني للمفعول؛ أي: صورت ومثلت خارج الصلاة (عليَّ) بفتح التحتية (النار) أي: الجهنمية، يحتمل عرضها الله عليه بأن كشف الستر ورفع الحجاب عنه ◙ حتى رآها كما وقع له صبيحة الإسراء، وفي صلاة النجاشي؛ حيث أزيلت الحُجُب فرأى مسجد بيت المقدس، ورأى جنازة النجاشي، وبينه وبين ذلك مسافة بعيدة، لكن الظاهر: أنه رأى صورتها وصفتها لاحقيقتها؛ فافهم
          (وأنا أصلي) جملة حالية؛ أي: وأنا أريد الصلاة؛ لأنَّ العرض لا يكون إلا قبل الصلاة؛ فافهم، ففيه المطابقة للترجمة من حيث إنَّه شاهد النار وهو في الصلاة، وفيه كلام سيأتي، ففيه جواز صلاة(1) المرء وبين يديه نار ونحوها، لكن مع الكراهة عند الإمام الأعظم ومن تبعه؛ لأنَّ فيه التشبه بعبادة المذكورات ظاهرًا.
          وزعم الشافعية على ما نقله ابن حجر أن الصلاة صحيحة، ولا كراهة عندهم، وقال العجلوني: (إذا عرضت له في الصلاة ولم يمكنه التنحي عنها؛ فلا كراهة) انتهى.
          قلت: ومفهومه أنه إذا أمكنه التنحي عنها، ولم يتنح وصلى؛ فصلاته مكروهة، كما هو في مذهبنا؛ فافهم.


[1] في الأصل: (الصلاة) ، وليس بصحيح.