أصل الزراري شرح صحيح البخاري

باب الخوخة والممر في المسجد

          ░80▒ هذا (باب) بيان أمر (الخَوْخَة) بفتح الخاءين المعجمتين، وبينهما واو ساكنة؛ وهي باب صغير في الجدار مثل الطاقة، قال في «القاموس»: (الخَوْخَة: كوة تؤدي الضوء إلى البيت، ومخترق ما بين كل دارين ما عليه باب) انتهى، وقال في «الصِّحاح»: (الخَوْخَة: كوة في الجدار تؤدي الضوء)، وقال في «مختصره»: (الخَوْخَة: كوة(1) في الجدار تؤدي الضوء) انتهى، وقال ابن قرقول: (هي باب صغير قد يكون بمصراع وقد لا يكون، وأصلها فتح في حائط) انتهى.
          قلت: وبهذا ظهر فساد ما زعمه العجلوني من أنَّ (الخَوْخَة: باب صغير في باب كبير على المشهور، لكن كلام الكرماني يقتضي أنَّها الباب الصغير مطلقًا سواء كان في كبير أم لا) انتهى.
          قلت: والكرماني قال: (هي الباب الصغير) انتهى، وهو قاصر، وليس فيه اقتضاء لما زعمه على أنَّه متى وجد النقل عن أئمة اللُّغة؛ فلا يعدل عنه، وهو الذي يكون مشهورًا، لا ما زعمه من أنَّه مشهور، فإنَّه لا أصل له في اللُّغة فضلًا عن أن يكون مشهورًا، وما هذا إلا قول من لم يمس شيئًا من العلوم؛ فليحفظ.
          (والمَمَرِّ)؛ بفتح الميمين، وتشديد الرَّاء؛ أي: موضع المرور، وقوله: (في المسجد) متعلق بـ (الخَوْخَة والمَمَرِّ) على سبيل التنازع، ويحتمل أنَّه حال منهما، أو صفة لهما، والأول أظهر؛ فافهم.
          قال إمامنا الشَّارح: (والظَّاهر أنَّ مراد البخاري من وضع هذه التَّرجمة: الإشارة إلى جواز اتخاذ الخَوْخَة والمَمَرِّ في المسجد؛ لأن حديث الباب يدل على ذلك) انتهى.
          قلت: وعلى هذا فيكون المعنى: باب جواز اتخاذ الخوخة والممر في المسجد، فكانت التَّرجمة لشيئين، وزعم العجلوني أنَّ التَّرجمة لشيء واحد، وهو اتخاذ الخَوْخَة، وهو بعيد عن النَّظر؛ لأنَّ المؤلف صرح بترجمته للشيئين؛ فافهم.
          قال الدماميني في «المصابيح»: (نبَّه المؤلف بذلك على أنَّ المرور في المسجد لما يعرض للإنسان من شؤونه جائز، وهو من قبيل الاتفاق بما لا يضر كبير مضرة، ولا يقال: إنَّ المساجد لم توضع طرقات، فإنَّ التشديد في ذلك تنطع، والمسجد والطرقات كلها لله مرافق للمسلمين، فيستعان ببعضها على بعض؛ كمجامع مصر، وجامع الإسكندرية الوسط، وقد كان ممر أبي بكر إلى داره في المسجد) انتهى.
          واعترضه العجلوني: بأنَّ الذي يستفاد من حديث الباب أنَّ جواز الخَوْخَة والمَمَر في المسجد خاص بنحو الخليفة والإمام، وأمَّا جواز المرور فيه لغير من ذكر بكراهة أو بدونها؛ فمعلوم من دليل آخر، انتهى.
          قلت: وفيه نظر، فإنَّ صريح حديث الباب يدل على الجواز مطلقًا، وكونه خاص بنحو الخليفة والإمام يحتاج إلى دليل، وبمجرد الدعوى لا يقبل، على أنَّ أبا بكر لم يكن إذ ذاك خليفةً ولا إمامًا، فكيف يدعي ذلك؟ ولو كان كما زعمه؛ لكان ذلك خاصًّا بالنَّبي الأعظم صلعم؛ لأنَّه هو الخليفة والإمام دون أبي بكر، والحديث صريح بخلافه.
          وقوله: (وأمَّا جواز المرور...) إلخ؛ فيه نظر أيضًا؛ لأنَّ هذا الحديث يدل على الجواز مطلقًا، وهو يفيد عدم الكراهة، فلا احتياج لدليل آخر لما ذكر؛ فافهم.


[1] في الأصل: (كورة)، وليس يصحيح.