أصل الزراري شرح صحيح البخاري

باب الحدث في المسجد

          ░61▒ هذا (باب) حكم (الحدث) الحاصل (في المسجد) / والمراد منه: الحدث الناقض للوضوء؛ كالريح ونحوه، قاله إمام الشَّارحين.
          قلت: الحدث لغة: الشيء الحادث، وأمَّا شرعًا؛ فمانعية شرعية رافعة للطهارة إلى استعمال المطهر؛ كالريح ونحوه، وزعم العجلوني أنَّ الحدث يُطلق شرعًا على أمور؛ منها: الأمر الناقض للوضوء، انتهى.
          قلت: وهو فاسد؛ فإن الحدث هو المعنى الحالُّ بصاحبه، الرَّافعُ للطهارة إلى استعمال المطهِّر، وليس له إطلاقات، بل هو أصل وتحته أمور معنوية، وليست هي أمورًا(1) حقيقية؛ فافهم.
          وقال المازري: أشار البخاري إلى الرد على مَنْ مَنَع المُحدِث من دخول المسجد والجلوس فيه، وجعله كالجُنُب، وهو مبني على أنَّ الحدث ههنا الريح ونحوه، وبذلك فسره أبو هريرة، كما سبق في كتاب (الطهارة)، وزعم ابن حجر: قيل: المراد بالحدث هنا أعم؛ أي: مالم يحدث سواء، ويؤيده رواية مسلم: «ما لم يحدث فيه، ما لم يؤذ فيه» على أنَّ الثانية تفسير للأولى، وردَّه إمام الشَّارحين فقال: (لا نسلِّم أنَّ الثانية تفسير للأولى؛ لعدم الإبهام، غاية ما في الباب ذكر فيه شيئين؛ أحدهما: حدث الوضوء، والآخر: حدث الإثم، على أنَّ مالكًا وغيره قد فسَّروا الحدث بنقض الوضوء) انتهى.
          ثم قال: فإن قلت: قد ذكر ابن حبيب عن إبراهيم النخعي: أنه سمع عبد الله بن أبي أوفى يقول: «هو حدث الإثم»، قلت: لا منافاة بين التفسيرين؛ لكونهما مصرحين في رواية مسلم، وروايةالبخاري مقتصرة على تفسير مالك وغيره، ولهذا جاء في رواية أخرى للبخاري: «ما لم يُؤذِ؛ يُحدِث فيه»؛ فهذه تصرِّح بأن المراد من الأذى: هو الحدث الناقض للوضوء، ومن هذا قالوا: إنَّ رواية الجمهور: (ما لم يحدث) في الحديث؛ بالتخفيف: من الإحداث، لا بالتشديد: من التحديث، كما رواه بعضهم، وليست بصحيحة، ولهذا قال السفاقسي: (لم يذكر التشديد أحد) انتهى.
          قلت: ومراده بقوله: (بعضهم) : ابن حجر العسقلاني؛ فإنَّه قد زعم أن (يحدِّث) بالتشديد، ولا معنى له ههنا، وهو كلام من لم يذق شيئًا من الفهم، ولهذا قال الزركشي: (المراد به: الحدث الناقض للوضوء)، وهو تفسير أبي هريرة راوي الحديث، انتهى.
          يعني: فلا عبرة بتفسير غيره؛ فافهم


[1] في الأصل: (أمور)، وليس بصحيح.