أصل الزراري شرح صحيح البخاري

باب قول الله تعالى: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}

          ░30▒ هذا (باب قول الله تعالى) وفي رواية: (قوله تعالى)، وإنما بوب بهذه الآية الكريمة؛ لأنَّ فيها بيان القبلة، وهذا وجه المناسبة في ذكر هذا الباب بين هذه الأبواب المذكورة هنا المتعلقة بالقبلة وأحكامها: ({وَاتَّخِذُوا} ) [البقرة:125]؛ بكسر الخاء المعجمة، بلفظ الأمر على القراءة المشهورة، وهو على إرادة القول؛ يعني: وقلنا لهم اتخِذوا، وهذا الأمر هو على وجه الاختيار والاستحباب دون الوجوب، وقرأ نافع وابن عامر: {وَاتَّخَذُوا}؛ بفتح الخاء، بلفظ الماضي عطفًا على قوله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا البَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا واتخَذوا}(1)، كذا في «عمدة القاري» ({مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ} ) : هو خليل الرحمن، وأبو الأنبياء عليه و‰.
          واختلف المفسرون في المراد بالـ (مقام) ما هو؟ فروى ابن أبي حاتم عن مجاهد، عن ابن عباس ☻: / أنه قال: {مقَامِ إِبْرَاهِيمَ} : الحرم كله، وروي مثله عن مجاهد وعطاء، وقال السدي: (المقام: هو الحجر الذي وضعت(2) زوجة إسماعيل قدم إبراهيم حتى غسلت رأسه)، وحكاه الرازي في «تفسيره» عن الحسن البصري، وقتادة، والربيع بن أنس، وضعفه القرطبي، ورجح غيره، وهو ليس بشيء؛ لأنَّه قول الجمهور، وحكى ابن بطال عن ابن عباس أنه قال: (الحج كله مقام إبراهيم) .
          وروى عبد الرزاق عن معمر، عن ابن أبي نجيح عنه قال: (هو عرفة، وجمع، ومنى) .
          وقال عطاء: (مقام إبراهيم: عرفة، والمزدلفة، والجمار) .
          وروى ابن أبي حاتم، عن جعفر بن محمد، عن أبيه: سمع جابرًا يحدث عن حجة النبيِّ الأعظم صلعم قال: (لما طاف النبيُّ الأعظم؛ قال له عمر بن الخطاب: هذا مقام أبينا إبراهيم ◙؟ قال: «نعم»، قال: أفلا نتخذه مصلًّى؟ فأنزل الله ╡: {وَاتَّخِذُوا...}؛ الآية) .
          وروى عثمان ابن أبي شيبة عن أبي ميسرة قال: (قال عمر: قلت: يا رسول الله؛ هذا مقام خليل ربنا؟ قال: «نعم»، قال: أفلا نتخذه مصلًّى؟ فنزلت) .
          وروى ابن مزدويه عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عمر بن الخطاب: (أنه مر بمقام إبراهيم، فقال: يا رسول الله؛ أليس نقوم مقام خليل الله؟ قال: «بلى»، قال: أفلا نتخذه مصلًّى؟ فلم نلبث إلا يسيرًا حتى نزلت)، كذا في «عمدة القاري».
          وقوله: ({مُصَلًّى} ) [البقرة:125]؛ أي: مدعى يدعى عنده، مأخوذ من صليت؛ بمعنى: دعوت، قاله مجاهد، وقال الحسن: قبلة، وقال السدي وقتادة: أمروا أن يصلوا عنده، وقال الإمام الزمخشري في «تفسيره»: (موضع صلاة يصلون فيه)، وتبعه البرماوي وغيره.
          قال إمام الشَّارحين: (ولا شك أن من صلى إلى الكعبة من غير الجهات الثلاث التي لا تقابل مقام إبراهيم؛ فقد أدى فرضه، فالفرض إذًا البيت لا المقام، وقد صلى الشَّارع خارجها، وقال: «هذه القبلة»، ولم يستقبل المقام حين صلى داخلها، ثم استقبل المقام، فإن المقام إنَّما يكون قبلة إذا جعله المصلي بينه وبين القبلة) انتهى.
          قلت: وهذا يرجح القول الأول، ويضعف غيره، ويدل عليه أنه جار على المعنى اللغوي؛ فتأمل.


[1] {إذ} سقط من الأصل.
[2] في الأصل: (وضعته) ، وليس بصحيح.