أصل الزراري شرح صحيح البخاري

باب الصلاة إذا قدم من سفر

          ░59▒ هذا (باب) حكم (الصلاة) في المسجد، وغيره (إذا قدم)؛ بكسر الدال المهملة؛ أي: الرجل (من سفر)؛ بالتنكير، وظاهره: الإطلاق؛ أي: سواء كان طويلًا، أو قصيرًا في طاعة أو لا، وزعم العجلوني أنَّ المتبادر منه الطويل، انتهى.
          قلت: ليس كذلك، بل المتبادر منه الإطلاق؛ لأنَّ الإتيان بالصلاة بعد القدوم من السفر إنَّما هي لأجل الشكر على نعمة السلامة، وهي لا تخص سفرًا دون سفر، كما لا يخفى، ويدلُّ عليه تنكيره السفر في الترجمة؛ فإنَّه يفيد الإطلاق وهو الأولى؛ فافهم
          (وقال كعب بن مالك) : هو الأنصاري الشاعر، أحد الثلاثة الذين أنزل الله فيهم آية: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} [التوبة:118] وشهد العقبة مع السبعين، المتوفى بالمدينة سنة خمسين: (كان النبيُّ) الأعظم (صلعم إذا قدم) بكسر الدال المهملة (من سفر)؛ بالتنكير، وقوله (بدأ)؛ بالهمز في آخره؛ جواب (إذا) (بالمسجد)؛ أي: النبوي (فصلى فيه)؛ أي: في المسجد قبل ذهابه لبيته، وأقلُّ الصلاة فيه: ركعتان ينوي بهما سنة القدوم من السفر، ويحصل بها تحية المسجد؛ لأنَّ النفل يتداخل بعضه في بعض، كما لو نوى سنة الوضوء، وسنة تحية المسجد وغيرهما من النوافل في صلاة واحدة؛ كفى ذلك وحصل ثواب الجميع.
          قال إمام الشَّارحين: وهذا التعليق ذكره البخاري مسندًا في غزوة تبوك، وهو حديث طويل يرويه عن يحيى ابن بكير، عن الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، وكان قائد كعب من بنيه حين عمي قال: سمعت كعب بن مالك يحدثني حين تخلف عن غزوة تبوك...؛ الحديث بطوله، وفيه: (وأصبح رسول الله صلعم قادمًا، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد؛ فيركع فيه ركعتين، ثم جلس للناس...)؛ الحديث، ومطابقته للترجمة ظاهرة، انتهى.