أصل الزراري شرح صحيح البخاري

باب الصلاة في مواضع الإبل

          ░50▒ هذا (باب) حكم (الصلاة في مواضع)؛ بالجمع، وفي بعض الأصول: (موضع)؛ بالإفراد (الإبل) هي اسم جمع لا واحد له من لفظه، وهي مؤنثة؛ لأنَّ أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها، إذا كانت لغير الآدميين؛ فالتأنيث لازم لها، وقد تُسكَّن الباء؛ للتخفيف، والجمع: آبال.
          قال إمام الشَّارحين: ثم إنَّ البخاري إن أراد من مواضع الإبل معاطنها؛ فالصلاة فيها مكروهة عند قوم خلافًا لآخرين، وإن أراد بها أعمَّ من ذلك؛ فالصلاة فيها غير مكروهة بلا خلاف، وعلى كلا التقديرين لم يذكر في الباب حديثًا يدلُّ على أحد الفصلين، وإنَّما ذكر فيه الصلاة إلى البعير، وهو لا يطابق الترجمة، انتهى. /
          واعترضه العجلوني كعادته؛ بأنَّ نفيه الخلاف في الشق الثاني غير مسلم بلا خلاف؛ إذ من أفراده الصلاة في معاطنها، والخلاف فيه ثابت، انتهى.
          قلت: وهذا كلام فاسد الاعتبار؛ لأنَّ مراده من (الأعم) : مواضعها حال غيبتها إذا كانت طاهرة، فالصلاة فيها غير مكروهة بلا خلاف؛ لأنَّ من جعل علة الكراهة نفادها؛ فهي غير موجودة، ومن جعلها النجاسة؛ فهي أيضًا غير موجودة، فالمراد بـ (الأعم) : المغايرة لا ما تحته أفراد؛ فافهم.
          وتعبير المؤلف بـ (المواضع) أعم من (المعاطن)؛ لأنَّها تشمل مواضعها حال إقامتها عند الماء وغيره، حال حضورها، أو غيبتها، وهذا هو مراد المؤلف، فإنَّه لا يرى الكراهة فيها مطلقًا على الظاهر؛ لأنَّه لم يورد في الباب حديثًا يدلُّ على الكراهة، بل يدلُّ حديث الباب على عدمها، وليس مراده اختصاص الكراهة بالمعاطن، بل مراده الأعم، وأنَّه لا كراهة مطلقًا، وهذا ظاهر.
          وقد يقال: إن كانت عبارة إمام الشَّارحين على ظاهرها، وأراد بالأعم: ما تحته أفراد؛ فبيَّن أولًا: أنَّ الصلاة في المعاطن مكروهة عند قوم خلافًا لآخرين، وبيَّن ثانيًا: أنَّ الصلاة فيما عدا المعاطن غير مكروهة بلا خلاف؛ حيث إنَّه لم يعتبر خلاف بعض الناس، أو إنَّه أراد بنفي الخلاف عدم وجود علة النهي من النجاسة أو النفاد؛ فافهم.
          وفسر القسطلاني (المواضع) بـ (المعاطن) تبعًا لابن حجر، واعترضه العجلوني بأنَّ إبقاء المواضع على عمومها أولى، فإنَّ الحكم أعم.
          قلت: وهو مردود، فإنَّه إذا لم تكره الصلاة في المواطن؛ ففي غيرها من باب أولى، لكن يقال عليه: إنَّ ظاهر ترجمة المؤلف أنَّ مراده: الأعم؛ وهو عدم الكراهة مطلقًا، فالأولى له أن يُبيِّن الحكم فيه، كما فعل إمام الشَّارحين؛ فافهم.
          والمناسبة بين البابين من حيث إنَّ الباب السابق في بيان جواز الصلاة في مرابض الغنم، وههنا جواز الصلاة في مرابض الإبل، وكلاهما حكم من أحكام الصلاة؛ فافهم.