أصل الزراري شرح صحيح البخاري

باب الصلاة إلى الراحلة والبعير والشجر والرحل

          ░98▒ هذا (باب) حكم (الصلاة) أي: بالتوجه (إلى الراحلة) قيل: وفي نسخة: (على الراحلة)، وهي بمعنى (إلى)؛ لأنَّ حروف الجر يستعار بعضها مكان بعض، ويأتي بعضها بمعنى بعض، وتقدير الحكم أولى من تقدير الجواز؛ لأنَّه أعم؛ فافهم.
          والمراد بالحكم: الجواز لا الندب كما زعمه العجلوني، فإنَّه غير مصيب؛ لأنَّ المندوب الصلاة إلى سترة لا خصوص الراحلة ونحوها؛ فليحفظ.
          والرَّاحلة: النَّاقة التي يختارها الرجل لمركبه ورحله على النجابة، وتمام الخلق، وحسن المنظر، فإذا كانت في جماعة الإبل؛ عُرِّفت، والهاء فيه للمبالغة؛ كما يقال: رجل داهية وراوية، وقيل: إنَّما سميت راحلة؛ لأنَّها ترحل، كما قال تعالى: {فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} [القارعة:7]؛ أي: مرضية، وتجمع على رواحل، وقال الجوهري: الراحلة: الناقة التي تصلح لأن يوضع عليها الرحل، وقال الأزهري: الراحلة: المركب النجيب ذكرًا كان أو أنثى، انتهى.
          (و) إلى (البعير) وهو من الإبل بمنزلة الإنسان من الناس، يقال للجمل: بعير، وللناقة: بعير، وبنو تميم يقولون: بِعير وشِعير؛ بكسر الباء الموحدة والشين المعجمة، والفتح هو الفصيح، وإنَّما يقال له: بعير؛ إذا أجدع، والجمع: أبعرة في أدْنى العدد، وأباعر في الكثير، وأباعير وبعران، وهذه عن الفراء، ومعنى أجدع: إذا دخل في السَّنة الخامسة.
          قال إمام الشَّارحين: (فإن قلت: إذا أطلق البعير على الناقة، والراحلة هي الناقة، فما فائدة ذِكر البعير؟قلت: ذهب بعضهم إلى أنَّ الراحلة لا تقع إلا على الأنثى، ولأجل ذلك أردفه بالبعير، فإنَّه يقع عليهما) انتهى.
          قلت: فعطف (البعير) على (الراحلة) من عطف العام على الخاص؛ لأنَّ الراحلة خاصة بالناقة والبعير أعم، وسقط لفظ: (البعير) للأصيلي.
          (و) إلى (الشجر) هو جمع شجرة؛ وهي ما له ساق من النباتات، (و) إلى (الرَّحْل)؛ بفتح الرَّاء، وسكون الحاء المهملة؛ وهو للبعير أصغر من القتب، وهو الذي يركب عليه، وهو الكُور، بِضَمِّ الكاف؛ كالسرج للفرس.
          قال ابن بطال: وهذه الأشياء كلها تجوز الصلاة إليها، وكذا تجوز إلى كل شيء طاهر، انتهى.
          قلت: وفي إطلاقه نظر؛ لأنَّ كل شيء غير ما ذكر يشترط فيه أن يكون طول ذراع فأكثر؛ لحديث عائشة عند النسائي قالت: سئل رسول الله صلعم في غزوة تبوك عن سترة المصلي، فقال: «مثل مؤخرة الرَّحْل»؛ فليحفظ.