أصل الزراري شرح صحيح البخاري

باب يأخذ بنصول النبل إذا مر في المسجد

          ░66▒ هذا (بابٌ)_بالتنوين_ ثابت عند الأكثرين، ساقط عند الأصيلي (يأخذ) أي: شخص (بنصول النبل) كذا في رواية الأكثرين، ولابن عساكر: (يأخذ بنصال النبل) بالموحدة فيهما، ولأبي ذر: (يأخذ نصول النبل) بحذف الموحدة.
          و (النصول) : جمع نصل، ويجمع أيضًا على نصال، كما في لفظ حديث الباب، وقال الجوهري: (النصل: نصل السهم والسيف والرمح، والجمع نصول ونصال)، وقال في «القاموس»: (النصل والنصلان: حديدة السهم والرمح والسيف ما لم يكن مقبض، والجمع: أنصل ونصال ونصول) .
          و (النَّبْل)؛ بفتح النون، وسكون الموحدة، آخره لام: السهام العربية، مؤنثة، ولا واحد لها من لفظها، وفي «القاموس»: (النَّبل: السهام بلا واحد أو نبلة، والجمع: أنبال ونبال ونبلان، والنَّبَّال: صاحبه وصانعه؛ كالنَّابل، وحرفته النبالة) انتهى.
          وقوله: (إذا مر في المسجد) يجوز في (إذا) أن تكون لمجرد الظرفية متعلقة بـ (يأخذ)، وأن تكون شرطية وجوابها محذوف مقدَّر بـ (يأخذ بنصول النبل)؛ لدلالة (يأخذ) المتقدم عليه.
          وقال إمام الشَّارحين: (وجواب «إذا»: هو قوله «يأخذ» مقدمًا)، واعترضه العجلوني بأنَّه ضعيف مذهب للكوفيين، أو مقدر بيستحب لمن معه نبل أن يأخذ بنصولها.
          قلت: كونه ضعيفًا ممنوع؛ لأنَّه مذهب مستقل صحيح للأئمة الكوفيين، ولم ينص أحد على ضعفه من النحاة في هذه المسألة، وقوله: (أو مقدر...) إلخ؛ لا يلزم هذا التقدير؛ لأنَّ المعنى على عدمه صحيح، وإذا وجد التقدير وعدمه؛ فعدمه أولى عند المحققين فإن عادة المؤلف إطلاق تراجمه، وإحالة الحكم على الحديث الذي يذكر بعدها؛ فافهم.
          نعم؛ يقدر الحكم المطلق ويحال بيانه على الحديث، ولهذا قال إمام الشَّارحين: (هذا باب فيه بيان أنَّ الشخص يأخذ بنصول السهم إذا مرَّ في مسجد من المساجد، وإنما قدَّرنا هكذا؛ لئلا يقع لفظ: «باب» ضائعًا، وأيضًا فيه بيان أنَّ الضمير المرفوع في «يأخذ» يرجع إلى هذا المقدر؛ لئلا يكون إضمارًا قبل الذكر، وليلتئم التركيب، ولم أر أحدًا من الشراح يذكر شيئًا في مثل هذه المواضع، مع أن فيهم من يدعي دعاوى عريضة في هذا الباب، وليس له حظٌّ من هذه الدقائق) انتهى.
          قلت: فأفاد أن ذكر الشخص مقدمًا على (يأخذ) أولى؛ لأنَّ فيه التئام(1) الباب معه، وعليه فلا يحتاج لتقدير في لفظ (باب)، وهذا معنى صحيح، وأفاد أيضًا: أنَّ الضمير في (يأخذ) يرجع على الشخص المدلول عليه: بـ (يأخذ)، أو مر عليه أو لاختصاره، ولا ريب أن هذه دقائق وحقائق من المعاني المفردة، وبهذا ظهر أن تقدير إمام الشَّارحين أولى من تقدير العجلوني، على أنه قد أخذه منه ونسبه إلى نفسه، وقال: هو أولى، وليس كذلك، فمن تأمل كلامه؛ علم أنه مأخوذ من كلام إمامنا الشَّارح، فحقيق بأن يسمى إمام الشَّارحين ☺، ورحمه أرحم الراحمين.


[1] في الأصل: (ائتلام) ، وهو تحريف.