أصل الزراري شرح صحيح البخاري

باب كنس المسجد والتقاط الخرق والقذى والعيدان

          ░72▒ هذا (باب) بيان فضل (كَنس المسجد)؛ بفتح الكاف، مصدر كَنَسَ؛ كـ (نَصَرَ) : إزالة الكُناسة_بالضم_ وهي القمامة منه، قال الدماميني: (نبه به على مشروعية مثل هذا ولا يتخيل أنَّه ترفُّه للمصلين واشتغال بالدنيا وزينتها) انتهى، قلت: يعني: أنَّه نبَّه بهذا على أنَّه يستحب تنظيف محل الصلاة كالمسجد ونحوه التي هي أفضل العبادة ومناجاة الرب ╡، فيكون على أكمل الحالات وأحسن الهيئات، (والتقاط الخِرَق)؛ بكسر الخاء المعجمة، وفتح الرَّاء: جمع خِرْقَة_كسِدْرَة وسِدَر_ وهي قطع الثوب البالي الممتهن، قال إمام الشَّارحين: (والالتقاط هو أن تعثر على الشيء من غير قصد وطلب) انتهى.
          واعترضه العجلوني (بأنَّه لم يعثر عليه في اللُّغة، لكنه قد يوافق الاصطلاحي، واستند لما في «القاموس»: الالتقاط: مصدر التقط؛ وهو أخذ الشيء من الأرض) انتهى.
          قلت: وهذا كلام بارد من ذهن شارد، فإنَّه لا يلزم من عدم اطلاعه(1) عدم اطلاع غيره عليه لاسيما وقد أثبته مثل هذا الإمام فلا ينبغي القول بعدم وجوده؛ لأنَّ من حفظ حجة على من لم يحفظ، والمُثبِت مقدَّم على النافي، على أنَّه ما ذكره عن «القاموس» غير صحيح؛ لأنَّ عبارة «القاموس» هكذا: (لقطه: أخذه من الأرض...) إلى أن قال: (والتقطه: عثر عليه من غير طلب) ثم قال: (واللُّقاطة(2)؛ بالضم: ما كان ساقطًا مما لا قيمة له) انتهى، ومثله في «مختار الصِّحاح»، وزاد فيه: (من باب «نصر») انتهى، فهذا كما رأيت يوافق ما قاله إمام الشَّارحين، ويخالف ما زعمه شيخ عجلون، وكأنَّه لم يفهم عبارة «القاموس» حتى قال هذا الكلام، أو أنَّ نسخته غير مصححة، ويلزمه النقل عن نسخة صحيحة، ثم إنْ كان فيه كلام؛ يتكلم، وإلا فما بلغ رتبة هذا أن يتكلم على إمام الشَّارحين؛ فافهم.
          (و) التقاط (القَذَى) كذا في رواية الأربعة، وفي رواية غيرهم تأخيره عن قوله: (العيدان)، و (القَذَى)؛ بفتح القاف والذَّال المعجمة: جمع قذاة، وجمع الجمع: أقذية، قال الجوهري: (القذى في العين والشراب: ما يسقط فيه)، قلت: المراد منه ههنا: كِسر الأخشاب، والقش ونحو ذلك، قاله إمامنا الشَّارح ☺، قلت: فالمراد به هنا: كل ما يسقط في البيت ونحوه إذا كان يسيرًا، كالقش وكسر الخشب ونحوها، (والعِيدان)؛ بكسر العين المهملة: جمع عُود؛ بالضم، فقلبت الواو ياء في الجمع؛ لانكسار ما قبلها، ويجمع أيضًا على أعواد، والمراد به: أعواد الخشب والشجر ونحوها، وقوله: (منه) ثابت في رواية الأصيلي ساقط عند غيره، ولكن يُقدَّر فيه، وهو يتعلق بـ (الالتقاط)، وعطف الالتقاط وما بعده على ما قبله من عطف الخاص على العام؛ لأنَّ الكنس أعم من الالتقاط؛ لأنَّه يزيل الخرق والقذى والعيدان، وكذا التراب ونحوه، فهو أعم كما لا يخفى، ووهم العجلوني تبعًا لابن حجر في «المنحة»، فزعم أنه من عطف العام على الخاص، ووجه الوهم ما ذكرناه؛ فافهم.


[1] في الأصل: (اضطلاعه) ، وكذا في الموضع اللاحق.
[2] في الأصل: (والالتقاطة)، ولعل المثبت هو الصواب.