غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

حكيم بن حزام

          292 # حَكِيْمُ(1) بنُ حِزَام _بفتح المهملة، وكسر الكاف، في الوَلَد، وكسر المهملة، وفتح الزَّاي، في الوالد_ بن خُوَيْلِد بن أَسَد بن عبد العُزَّى(2) بن قُصَيٍّ، القُرشيُّ، الأَسَديُّ، الصَّحابيُّ.
          وأُمُّه وأمُّ أخوَيه خالد وهشام: صَفِيَّة، وقيل: فاخِتَة بنت زُهير بن الحارث بن أَسَد بن عبد العُزَّى، وحَكِيْمٌ ابنُ أخي خَدِيجة بنت خُويلد أمِّ المؤمنين، وابن عمِّ الزُّبير بن العَوَّام.
          ولد في داخل الكعبة، وذلك: أنَّ أمَّه دخلت الكعبةَ في نِسوة من قريش، وهي حامل، فأخذها الطَّلْقُ، فولدت حَكِيْماً بها.
          وهو من مُسْلِمة الفَتح، وكان من أشراف قريش ووجوهها في الجاهليَّة والإسلام، وكان من المؤلَّفة قلوبُهم، أعطاه رسولُ الله صلعم يوم حُنين مئةً من الإبل، ثمَّ سأله فأعطاه مئةً أُخرى، فحسُن إسلامُه.
          وكان وُلد قبلَ الفِيل بثلاث عشرة سنة(3) ، على اختلاف في ذلك، وعاش مئة وعشرين سنة، ستِّين في الإسلام، وستِّين في الجاهليَّة.
          قلت: وقد ذكرتُ مَن عاش هذا العمر _وهم جماعةٌ_ في ترجمة حسَّان بن ثابت، فراجعها، فإنَّه(4) من المهمِّات المستَظرَفات.
          وشهد حَكِيم بدراً مع الكفَّار، ونجا، وكان إذا اجتهد في اليمين قال: والذي نجَّاني يومَ بدر.
          ولم يَصنع شيئاً من المعروف في الجاهليَّة إلَّا وصنع / في الإسلام مثلَه، وكانت(5) بيده دارُ النَّدْوة، فباعها من مُعاوية بمئة ألف درهم، فقال ابن الزُّبير: بِعتَ مَكْرُمةَ قريش؟! فقال حَكِيم: ذهبت المكارمُ إلَّا التَّقوى. وتصدَّق بثمنها.
          وأَتَى النَّبيَّ صلعم فقال: يا رسول الله، أرأيتَ أشياءَ كنتُ أفعلُها في الجاهليَّة، وكنت أتحنَّث بها، أَليَ فيها أَجْر؟ فقال رسول الله صلعم: «أَسلمتَ على ما أسلفتَ لك من خير»(6) .
          وحجَّ في الإسلام، ومعه مئة [بقرة ومئة] بدنة، قد جَلَّلها بالحِبَرة، أهداها لله ╡، ووقف بمئة وَصِيْف بعرفة، في أعناقهم أطواق الفضَّة، منقوش فيها: عتقاء الله عن حَكِيْم بن حِزَام. وأهدى ألف شاة، وكان جواداً كريماً.
          قال حَكِيم: سألت رسول الله صلعم فقلت: يا نبيَّ الله(7) ، الرَّجل يسألني من البيع ما ليس عندي، أبتاعُ له من السُّوق، ثمَّ أبيعه منه؟ قال: «لا تَبِعْ ما ليس عندَك»(8) .
          قلت: وهذا دليل من أدلَّة الإمام الشَّافعيِّ ☺ في أنَّه لا يَجوز بيع غيرِ المَرْئيِّ، وبذلك صرَّح في ستَّة كتب من كتبه، على أنَّه قد صرَّح أيضاً في ستَّة كتب من كتبه أنَّه يجوز، ويتخيَّر المشتري عند الرُّؤية.
          قال حَكِيم: سألتُ النَّبيَّ صلعم، فأَعطاني، ثمَّ سألته، فأعطاني، فقال: «يا حَكِيم، إنَّ هذا المالَ حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، فمَن أخذَه بسخاوة نَفْس بُورِكَ له فيه، ومَن أخذَه بإشراف نفس لم يُبَارَكْ له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يَشبَعْ، واليدُ العليا خيرٌ من اليد السُّفلى». قال حَكِيم: يا رسول الله! والذي بعثكَ بالحقِّ نبيًّا، لا أَرْزَأ أحداً بعدَك(9) . فكان أبو بكر ☺ يدعوه إلى عطائه، فيأبى أن يأخذه، فدعاه عمر ☺ فأبى، فقال عمر: يا مَعْشر المسلمين، أُشهِدكم أنِّي أدعو حَكيماً إلى عطائه، فيأبى أن يأخذَه. فما سأل أحداً شيئاً إلى أن فارق الدُّنيا(10) .
          وعَمِيَ(11) قبل موته، ووصَّى إلى عبد الله بن الزُّبير.
          سمع: رسول الله صلعم، وروى له أربعين حديثاً. قاله ابن حزم.
          روى عنه: عُروةُ بن الزُّبير، وسعيدُ بن المسيَّب، وعبدُ الله بن الحارث.
          وخارج الصَّحيح: روى عنه ابنُه(12) حِزَام، وموسى بن طَلْحة، وصَفْوانُ بن مُحْرِز، والمُطَّلبُ بن حَنْطَب، وعِرَاك بن مالك، ويوسف بن ماهَك، ومحمَّد بن سِيْرين.
          روى عنه البخاريُّ بالواسطة في مواضع، أوَّلها: في باب (لا) صَدَقَةَ إلَّا عن ظهر غنًى، من كتاب / الزَّكاة [خ¦1427] ، وفي البيوع [خ¦2079] ، والرِّقاق [خ¦6441] .
          توفِّي سنة أربع وخمسين، أو ستِّين.
          - تتمَّة: الفَرق بين حِزَام وحَرَام _أَعني بالزَّاي والرَّاء_ مرَّ في ترجمة إبراهيم بن المُنْذِر الحِزَاميِّ، فراجعها.
          - فائدة:
          اعترض ابن الأثير(13) على القول بأنَّه عاش ستِّين في الإسلام، وستِّين في الجاهليَّة، قال: وهذا غير موافقٍ على القول بأنَّه وُلِد قبلَ الفيل بثلاث عشرة سنة، وأسلَم يوم الفتح، وتوفِّي سنة أربع وخمسين، أو ثمان، أو ستِّين، يُعرف ذلك بالتأمُّل.
          قلت: وقد مرَّ الجوابُ عن هذا وأمثاله _نقلاً عن ابن حجر_ في ترجمة حسَّان: أنَّ المرادَ بالإسلام ظهورُه، لا وقت إسلام الصَّحابيِّ. فتأمَّل.


[1] في (ن) تصحيفاً: (الحكم).
[2] في (ن) تصحيفاً: (عبد العزيز) وكذلك في الموضع الذي يليه.
[3] في (ن): (وكان له قبل الفيل ثلاث عشرة سنة).
[4] في غير (ن): (فإنَّها).
[5] في غير (ن): (وكان).
[6] البخاري (1436)، ومسلم (194) واللفظ له.
[7] في غير (ن): (يأتيني) بدل (يا نبي الله).
[8] المسند (15311)، وأبو داود (3503)، والتِّرمذي (1232)، والنَّسائي (4613)، وابن ماجه (2187).
[9] في غير (ن): (لا أرزؤك ولا أحداً بعدك) والأول لفظ البخاريِّ.
[10] البخاري (1472)، ومسلم (1035).
[11] تصحَّفت في الأصول إلى: (وعمل) والتصحيح من مصادر الترجمة.
[12] في (ن) تصحيفاً: (ابن).
[13] أسد الغابة:2/60.