غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

حويطب بن عبد العزى

          315 # حُوَيْطِبُ بنُ عبد العُزَّى(1) _بضمِّ المهملة، وفتح الواو، وكسر المهملة، قبلَها مثنَّاة تحتيَّة، آخرها موحَّدة_ القرشيُّ، العَامِريُّ، الصَّحابيُّ، يكنى أبا محمَّد، وأبا الأَصْبَغ.
          وهو من مُسْلِمَةِ الفتح، ومن المؤلَّفةِ قلوبُهم، وشهد حُنيناً مع رسول الله صلعم، فأعطاه مئةً من الإبل.
          يجتمع هو وسُهيل بن عَمْرو في عَبْدِ وِدٍّ، وهو ممَّن دَفَنَ عثمانَ، وأحد النَّفر الذين بعثَهم عمر بن الخطَّاب بتَجديد أنصاب الحَرَم.
          قال ابنُ جَمَاعَةَ في مناسكه(2) : /
          قال مالك بن أنس: بلغني أنَّ عُمر جدَّد معالم الحرم بعد الكَشْف.
          ويُروى أنَّ الأصل في ذلك: أنَّ آدم خاف على نفسه حين أُهبط، فاستعاذ بالله من الشَّياطين، فأرسل الله تعالى ملائكةً حفُّوا بمكَّة من كلِّ جانب، فكان الحرم من حيث وقفت الملائكة.
          يُروى أنَّ إبراهيم وإسماعيل في بناء الكعبة، لمَّا بلغا موضع الحجر الأسود، جاء به جبريلُ من الجنَّة، فوضعه إبراهيم في موضعه، فأنار شرقاً وغرباً ويميناً وشمالاً، فكان الحرم من حيث انتهى النُّور.
          ويُروى أنَّه لمَّا أُهبط آدم تلهَّف على ما فاته من الطَّواف بالعرش مع الملائكة، فأَهبط الله إليه البيتَ (المعمورَ) ياقوتةً حمراءَ يتلهَّب التهاباً، له بابان شرقيٌّ وغَربيٌّ، وهو مرصَّع بكواكب بيض، من ياقوت الجنَّة، فلمَّا استقرَّ البيتُ في الأرض، أضاء نورُه ما بين المشرق والمغرب، ففزع لذلك الجنُّ، ورَقَوا في الجوِّ(3) ينظرون مِن أين ذلك النُّور، فلمَّا رأوه من مكَّة أَقبَلوا يريدون الاقتراب إليه، فأرسل الله تعالى إليه ملائكةً، فقاموا حول البيت في مكان الأعلام اليوم، فمنعتهم، فمِن ثَمَّ ابتدأ اسمُ الحَرم.
          وأوَّلُ مَن نَصَب أنصابَ الحرم إبراهيمُ ◙، بتوقيف جبريل، ثمَّ جدَّدها قُصَيٌّ، ثمَّ أمر النَّبيُّ صلعم يومَ الفتح تَمِيْمَ بنَ أَسَد، فجدَّدها، ثمَّ جدَّدها عمر ☺، فبعث أربعة لتجديدها، فجدَّدوها(4) ، وهم: مَخْرَمَةُ بنُ نَوْفَل، وسَعِيدُ بنُ يَرْبُوع، وحُوَيْطِبُ بن عبد العُزَّى، وأَزْهَرُ بن عبد عَوْف(5) ، ثمَّ جدَّدها عثمان بن عفَّان، ثمَّ معاوية، ثمَّ عبد الملك بن مروان لمَّا حجَّ، ثمَّ المهديُّ، وهي الآن بِنْيَتُه.
          قال الأَزْرَقِيُّ، في أنصاب الحرم التي على رأس الثَّنيَّة: ما كان في وجوهها من هذا النَّسق، فهو حرم(6) ، وما كان من ظهرها، فهو حِلٌّ. انتهى كلامُ ابنِ جَمَاعة.
          قلت: والذين(7) بعثهم عمر للتَّجديد، كلُّ واحد منهم عاش مئة وعشرين سنة، ستِّين في الجاهليَّة، وستِّين في الإسلام، إلَّا أَزْهَر، فتأمَّل.
          قال يحيى بن مَعِين: لا أعلم حديثاً ثابتاً إلى النَّبيِّ صلعم لحُويطب.
          وقال ابن حَزْم: له حديث واحد.
          إليه يشير كلام ابن الأثير(8) ، كما سيجيء آخر التَّرجمة.
          قال مروانُ بن الحَكَم يوماً لحُويطب: تأخَّر إسلامُك أيٌّها الشَّيخ، حتَّى سبَقك الأحداثُ. فقال: الله المستعان، والله لقد هممتُ بالإسلام غيرَ مَرَّةٍ، كلُّ ذلك يَعُوقني أبوك عنه وينهاني، ويقول: تَدَعُ شرفَك، ودِينَ آبائك، لدِين محدَثٍ، وتصير تابعاً؟! فأُسكِتَ مروانُ، ونَدِم على ما قاله، فقال له حُويطب: أَمَا أخبرَك(9) عثمانُ بما كان لَقي من أبيك حين أَسلَمَ؟! / قلت: وهذه من الأجوبة المسكتة، كما أجاب عَقِيْلٌ مُعَاوِيةَ لمَّا طال مُقامُه عند معاوية [بعد عليٍّ] ، فأراد أن يُظهر السَّآمة؛ لينصرف عنه، فقال مُعاوية يوماً _وعنده عَقيل وجماعة من الأكابر_: أتَدرون مَن هذا؟ يعني عقيلاً، قالوا: لا. قال: هو الذي قال الله تعالى في حقِّ عمِّه: { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ }. فأجابه عَقيل: أتدرون من هذا؟ هو الذي قال الله تعالى في حق عمَّته: { وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ* فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } [المسد: 4-5]. فخجل معاوية، وندم. وسيأتي ذكرُها في ترجمة عَقيل.
          قال حُويطب: شهدتُ بدراً مع المشركين، فرأيت غُباراً، فرأيت الملائكة تَقتل وتأسر بين السَّماء والأرض، ولم أذكر ذلك لأَحَد.
          وشهد مع سُهيل بن عَمْرو صُلْحَ الحُدَيْبِية، وأَمَّنَه أبو ذرٍّ يوم الفتح، ومشى معه، وجمع بينه وبين عياله، حتَّى نودي بالأمان للجَميع، إلَّا للنَّفر الذين أُمِر بقتلهم.
          ثمَّ أسلم يوم الفتح، وشهد حُنيناً والطَّائفَ مسلماً، واستقرضَه رسولُ الله صلعم أربعين ألف درهم، فأقرضه إيَّاها، وكان عارفاً بأحوال مكَّة، وقد ذكرنا أنَّه عاش مئة وعشرين سنة، وله نظراء ذكرتهم في ترجمة حسَّان، سكن المدينة.
          وسمع: عبد الله السَّعْدِيَّ.
          روى عنه: السَّائبُ بن يَزيد، وهو أيضاً صحابيٌّ.
          روى عنه البخاريُّ بالواسطة، في كتاب الأحكام [خ¦7163] .
          مات بالمدينة، قال ابن الأثير(10) : آخر خلافة معاوية، وقيل: بل سنة أربع وخمسين، حديثه في الموطَّأ، في صلاة القاعد(11) .
          قال الحاكم(12) : حُويطب ممَّن تفرَّد عنه البخاريُّ بالرِّواية دون مُسلم.


[1] في (ن) تصحيفاً: (عبد العزيز).
[2] واسم الكتاب: (المسالك في علوم المناسك)، ذكره صاحب هدية العارفين 2/148، ولقول الإمام مالك انظر مواهب الجليل:4/249، وانظر عمدة القاري:9/ 222.
[3] في (ن): (ورقوا في ذلك).
[4] في (ن) تصحيفاً: (فجدَّدها).
[5] في (ن) تصحيفاً: (عبد عوف).
[6] في غير (ن): (الشقِّ) وجاء في (ن) (فهو حرام).
[7] في (ن): (والذي).
[8] أسد الغابة:2/96، وأخباره منقولةٌ منه، ولعلَّ ابن حزمٍ قصد بالحديث الواحد حديثه عن قصَّة الفتح، الذي أخرجه الحاكم في المستدرك:3/ 561 برقم: (6084)، والله أعلم.
[9] في (ن) تصحيفاً: (أما أخرك).
[10] أسد الغابة:2/96.
[11] ليس له رواية في الموطأ، وللسائب بن يزيد رواية في باب صلاة القاعد برقم (309)، عن المطلب بن أبي وداعة.
[12] تسمية مَن أخرجهم البخاريُّ ومسلم: ص104.