غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

حماد بن سلمة

          298 # حَمَّادُ بنُ سَلَمَة _بفتح المهملة واللَّام والميم_ بن دِينار، أبو سَلَمَةَ، الرَّبَعِيُّ _بفتح الرَّاء والموحَّدة، آخرها مهملة_ نسبة إلى رَبِيعة بن نِزار.
          ثقة، عابد، أثبتُ النَّاس (في) ثابت، يَروي عن عاصم، وتغيَّر حفظُه بأخَرَةٍ، وهو من كبار العلماء.
          وهو ثقة عند مسلم، أورَدَه في الأصول، لكنَّه ليس بذاك عند البخاريِّ؛ فلذا ما أورَده إلَّا تعليقاً أو متابعةً.
          قال ابن حجر(1) : هو بصريٌّ، أحَدُ الأئمَّة الأثبات، إلَّا أنَّه ساء حِفظُه في الآخِر، استشهَد به البخاريُّ تعليقاً، ولم يخرِّج له احتجاجاً، ولا مقروناً، ولا متابعةً(2) ، إلَّا في موضع واحد، قال فيه: «قال لنا أبو الوليد: حدَّثنا حَمَّادُ بنُ سَلَمة». وهو في كتاب الرِّقَاق [خ¦6440] ، وهذه الصِّيغة يستعملها البخاريُّ في الأحاديث الموقوفة والمرفوعة(3) إذا كان في إسنادها من لا يُحْتَجُّ عندَه، واحتَجَّ به مسلم والأربعة، لكنْ قال الحاكم: لم يحتجَّ به مسلمٌ إلَّا في حديث ثابت عن أنس، وأمَّا باقي ما أخرج له فمتابعة(4) . زاد البيهقيُّ: أنَّ ما عدا حديث ثابتٍ لا يَبلُغ عندَ مسلم اثني عشر حديثاً. [وكان البخاريُّ يفضِّل عليه حَمَّادَ بنَ زيد بن دِرْهَم، ومسلمٌ بالعكس، وقيل: إنَّ فَضْلَ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ بن دِينَار على حَمَّاد بنِ زَيْد بن دِرْهَم، كفَضْل الدِّينار على الدِّرهم] .(5) قاله الكِرمانيُّ(6) .
          وقال(7) : إنَّه كان يُعَدُّ من الأبدال، وعلَامة الأبدال أنْ لا يُولَد لهم، تزوَّج سبعين امرأةً، فلم يُولَد له. هذا كلامه.
          لكنْ ذَكَر الدَّمِيْرِيُّ في خُطبة شرح المِنهاج(8) هذه الحكاية، ونسبها إلى حَمَّاد بن زيد المذكور قبله.
          قال(9) : والأَبدال قومٌ صالحون، لا تَخلو الدُّنيا منهم، إذا مات واحدٌ أَبدَلَ الله مكانَه آخَر، وقال عليٌّ ☺: الأَبْدالُ بالشَّام، والنُّجَبَاءُ بمصر، والعَصَائبُ بالعِراق. وهُم قومٌ من الزُّهَّاد، بدليل قَرْنِهم بالأبدال والنُّجباء.
          وقيل: سُمُّوا بالأبدال؛ لأنَّهم يتبدَّلون بالأشكال المختلفة والهيئات المتنوِّعة بقدرة المَلِكِ القادر، كالمَلَكِ، كما روى السُّبْكِيُّ(10) عن قَضِيْبِ البَانِ: أنَّ ابنَ يُونُس شيخَ العلماء كان يُنْكِر(11) على قَضِيْبِ البَانِ، وقَصَد إنهاءَ الحال إلى صاحب المَوْصِل، فبينما ابنُ يُونُس في بعض الأَزِقَّة، إذا بقضيب البان، فقال في نفسه: ليتَ معي آخَر حتَّى أعانني، فرفعناه إلى الحاكم. وإذا بقضيب البان تبدَّل بدويًّا على هيئاتهم، ثمَّ تبدَّل قاضياً بِسِيْمَةِ القُضاة، ثمَّ قال: يا ابن يونس! أَيُّهم قضيبُ البان حتَّى نأخذَه إلى الحاكم؟ فسُقِطَ ابنُ يونُس في يده، وندم على إنكاره.
          قال القَزوينيُّ: مَأْوى الأبدالِ / جبلُ لُبنان؛ لِمَا فيه من القُوت الحلال، فإنَّ فاكهته وزَرْعَهُ لم يزرعها أحد من النَّاس.
          قال سيِّد الطائفة أبو إسحاق إبراهيم بن أدهم: أكثر ما لقيتُ رجالَ الله بجَبل لُبنان، وهو قلعة الأبدال.
          حَكى ابنُ الجَوزيِّ في مُثير الغَرام السَّاكن إلى أشرف الأَماكن(12) ، عن داود بن يحيى مولى عَوْن الطُّفَاوِيِّ، عن رجل كان مرابطاً ببيت المقدس وبعَسْقَلان، قال: بينا أنا أَسير في وادي الأُردن، إذا أنا برجل في ناحية الوادي قائمٌ يصلِّي، وإذا سحابة تظلِّه من الشَّمس، فوقع في قلبي أنَّه إِلْيَاسُ النَّبيُّ صلعم، فانتبَه، فسلَّمْتُ عليه، فانفَتَل من صلاته، فردَّ عليَّ السَّلام، فقلت له: مَن أنت يرحمُكَ الله؟ فلم يَرُدَّ عليَّ شيئاً، فأعدتُ القول مرَّتين، فقال: أنا إلياسُ النَّبيُّ. فأخذتني رِعْدَةٌ شديدة خَشيت على عقلي أن يذهب، فقلت له: إن رأيتَ يرحمُك الله أن تدعوَ لي أن يُذهب الله عَنِّي ما أجد؛ حتَّى أفهم حديثَك. فدعا لي ثمان دَعَوات، فقال: يا بَرُّ، يا رحيم، يا حَيُّ، يا قَيُّوم، يا حَنَّانُ، يا مَنَّانُ، يا هَيَا شَرَاهِيَا(13) . فذهب عنِّي ما كنت أجِد. فقلت له: إلى مَن بُعثت؟ قال: إلى أهل بَعْلَبَكَّ. فقلت: فهل يوحَى إليك؟ قال: منذ بُعِث محمَّد صلعم فلا. قلت: فكم من الأنبياء بالحياة؟ قال: أربعة، أنا والخَضِر في الأرض، وإدريس وعيسى في السَّماء. قلت: فهل تلتقي أنت وخَضِر؟ قال: نعم، في كلِّ عامٍ بعَرَفاتٍ. قلت: فما حديثكما؟ قال: يأخذ من شَعْري، وآخُذ من شَعْره. فقلت: فكم(14) الأبدال؟ قال: هم ستُّون رجلاً، خمسون ما بين عَرِيْشِ مِصْر إلى شاطئ الفرات، ورجلان بالمِصِّيصة، ورجل بأَنطاكيَّة، وسبعة من سائر الأمصار، بهم تُسْقَوْنَ الغيث، وبهم تُنْصَرون على العدوِّ، وبهم يُقيم الله أمر الدُّنيا، حتَّى إذا أراد أن يُهلك الدُّنيا أَماتَهم جميعاً. انتهى.
          قلت: وقد ذكر ابن الجَوزيِّ(15) قُبيْلَ هذه الحكاية عن ابن عبَّاس _قال: لا أعلَمه إلَّا مرفوعاً_: أنَّ الخَضِرَ وإِلْياسَ يلتقيان كلَّ عام في المَوسم، فيَحلِق كلُّ واحد منهما رأسَ صاحبه، ويفترقان عن هؤلاء الكلمات: بسم الله، ما شاء الله، لا يَسوق الخيرَ إلَّا الله، ما شاء الله، لا يَصرف الشَّرَّ إلَّا الله، ما شاء الله، ما كانَ [من] نعمة فمن الله، ما شاء الله، لا حول ولا قوَّة إلَّا بالله.
          قال ابن عبَّاس: مَن قالهنَّ حين يُصبح، وحين يُمسي، ثلاثَ مرَّات، آمَنه الله من الغَرَقِ والحَرَقِ والسَّرَق. قال وأحسبه قال: ومن الشَّيطان (والسُّلطان) والحيَّة والعَقرب.
          وحُكيَ في بهجة الشَّيخ عبد القادر الكَيلانيِّ(16) : أنَّ بعض / تلامذته قال: لأُراقِبنَّ الشَّيخَ هذه اللَّيلة؛ فإنَّهم يقولون: إنَّه يُسافر باللَّيل إلى حيث شاء الله، ويعود مُصْبِحاً بمسجده ببغداد. قال: فراقبته، فلمَّا مضى من اللَّيل ما شاء الله، خرج الشَّيخ من غير أن يَعلَم أَمري، فتبعته، حتَّى أتى بابَ المدينة، فأشار إليه، فانفتح، فخرج، فخرجت، فرأيتُ الباب قد انغلق وراءنا كما كان أوَّلاً، ثمَّ ذهب حتَّى وصل إلى أرض لست أعرفه، ثمَّ دخل مدينة في أزقَّة، حتَّى دخل مكاناً، فتبعته، فإذا برجال ستَّة قعود، فلمَّا رأوا الشَّيخ عظَّموه، ورَحَّبوا به، وإذا بأنينٍ من مَخْدَعٍ في البيت، وإذا برجل آخَر دخل المَخْدَعَ، فبعد ساعة أخرج جنازة، فجهَّزوه، وصلَّوا عليه، ودفنوه، فقالوا: كيف نفعل؟ لا بُدَّ له من بَدَل. فبعد ساعة، وإذا بشيخ كريه المنظر، طويل الشَّوَارب، ثائر الرَّأس، فأجلسوه بينهم، وحَلَقُوا رأسه، وقَصُّوا شواربَه(17) ، وأجلسوه مكانه، وانفضُّوا، فرجعنا إلى بغداد، فأشار الشَّيخ إلى الباب، فانفتح على العادة، ثمَّ انغلق بعد دخولنا، ودخل مكانه وقت السَّحَر، فلمَّا أصبح قعد النَّاس لأخذ العلم، وتأخَّرتُ آخِرَ الكُلِّ، فلمَّا ذهب القوم، قال: اقرأْ. قال فأخذني الرِّعْدَةُ، قال: ما لَكَ؟ فأنشدته بالله (أن يبيِّن لي) أمرَ البارحة، قال: أوَ رأيتَ؟ قلت: نعم. قال: أمَّا تلك المدينة فهمدان، وأمَّا الجماعة السَّبعة والمريض أحدهم، فهم الأبدال السَّبعة، وأمَّا الدَّاخل فأبو العبَّاس الخَضِر، وأمَّا الآتي به أخيراً، فذلك قِسٌّ من قِسِّيْسِيْ قُسْطَنْطِيْنِيَّةَ، جعل الله تعالى ذلك القَسَّ مكانَ هذا البدل وأعطاه مكانته.
          فسبحان الله، سبحان الله، سبحان الله، ما أكرمَ اللَّهَ! لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع.
          وحَكى اليَافِعيُّ: أنَّ بعض مشايخ اليَمن قَلَّما كان يَخرُج من مَعبده، فخرج ذات يوم، فتبعه جماعة، فمرَّ على ذُرَةٍ مزروعة، فقال لبعضهم: اقطَعوا لي من هذا. ففعلوا، وحملوا معهم، ثمَّ مَرَّ على شيخ كبير بيده طَبْل، وهو يلعب بذلك، والنَّاسُ حولَه قعود، فقال: ائتوني بالشَّيخ. فأتوه (به)، فأخذه إلى ساحل البحر، فضربه بقُضْبان الذُّرَةِ، ثمَّ فرش له سجَّادةً على البحر، وقال: خُضْ على اسم الله. ففعل، فمشى على وجه الماء حتَّى غاب عن أعينهم، فتعجَّبوا من هذا الأمر، فسألوا (عن) الشَّيخ، قال: إنَّه مات وراءَ البحار أحدُ الأبدال، وجعل الله تعالى هذا بدَلَه، فذهب إلى مكانه. /
          فبكَوا كلُّهم، وتمنَّوا ذلك لأنفسهم، فقال الشَّيخ: ذلك عناية الله، وإنَّ لي سنين أطلب ذلك، وما حصل إلَّا لمَن رأيته.
          (لا إله إلا الله)، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، ولا تيأس من رَوح الله، فإنَّ الله كريم، ومَن افتكر في مُلكه وقدرته وجبروته، لا يستعظم أعظم من هذا، أَلَا ترى سحرة فرعون، عاندوا الله تعالى سبعين سنة، وأخلَصوه في سجدة واحدة، فما رفعوا رؤوسهم من سجدتهم حتَّى رأوا مكانهم في الجنَّة، حيث أجابوا لفرعون لمَّا قال لهم: { فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى* قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ } الآية [طه:71-72] .
          فسبحان الكريم المَنَّان، اللَّهمَّ يا حَنَّان يا منَّان! مُنَّ علينا بفضلك، وأَفِضْ علينا شآبيبَ رحمتك، وخذ بناصيتنا إلى طاعتك، وحُلْ بيننا وبين معصيتك، فلا حول ولا قوَّة لنا إلَّا بعصمتك.
          وبالجُملة: فحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، ثقة ثبت، بَدَلٌ من الأبدال.
          قال أحمد بن حنبل: إذا رأيتَ الرَّجل يغمز حَمَّادَ بنَ سَلَمَةَ فاتَّهِمْه، فإنَّه كان شديداً على أهل البدع.
          وقال ابن مَعين: إذا رأيت إنساناً يَقع في عِكْرِمَةَ، وحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، فاتَّهِمه على الإسلام.
          قال ابن المَدِينيِّ: لم يكن في أصحاب ثابتٍ أثبتُ من حَمَّادِ بنِ سَلَمةَ. (وقال ابن مَعِين: أثبتُ النَّاس في ثابتٍ حَمَّادُ بن سَلَمَةَ). وقال أحمد: حمَّاد أثبت النَّاس في حُمَيْد(18) الطَّويل.
          وكان عند يحيى بن الضَّرِيْسِ(19) عن حَمَّاد عشرة آلاف حديث، وعن الثَّوريِّ كذلك، وسُئل يحيى بن الضَّرِيس: حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ أحسنُ حديثاً أَو(20) الثَّوريُّ؟ فقال يحيى: حَمَّادٌ أحسن حديثاً.
          قال عبد الرَّحمن بن مَهْديٍّ: حَمَّادُ بن سَلَمَةَ، صحيحُ السَّماع، حسن المُلتَقى، أَدرَكَ النَّاسَ، لم يُتَّهَم بلون من الألوان، ولم يَلتَبس بشيء(21) ، أحسنَ مِلْكَةَ نفسِه ولسانه، ولم يُطْلِقْهُ على أحدٍ، ولا ذَكَر خَلْقاً بسُوءٍ، فَسَلِمَ حتَّى مات.
          قال مُقَاتِل بن صالح الخُراسانيُّ: دخلت على حَمَّاد بن سَلَمَة، فإذا ليس في البيت إلَّا حَصِير(22) ، وهو جالس عليه، ومصحَف يَقرأ فيه، وجِرَابٌ فيه عِلْمُه، ومِطْهَرَةٌ للوضوء، فبينا أنا عنده إذ الباب دُقَّ، فقال: يا حَبيبة(23) ! انظُرِي من(24) هذا. قالت: هذا رسول محمَّدُ بنُ سُلَيمان. قال: قولي له: يدخُل وحدَه. فدخل، فناوله كتاباً فيه: بسم الله، من محمَّد بن سُليمان إلى حَمَّاد، أمَّا بعد، فصبَّحك الله بما صبَّحَ (به) أولياءه، وقعت مسألة، فائْتِنا نَسْأَلْكَ. فقال: يا حبيبة! هاتي الدَّواة. فقلب الكتاب وكتَب: أمَّا بعد، وأنتَ صبَّحك الله بما صَبَّح به أولياءه، إنَّا أدركنا العلماء، وهم لا يأتون أحداً، فإنْ وقعت مسألةٌ فائْتِنا فَاسأَلْنا(25) عمَّا بدا لك، فإن أَتَيتني، فلا تأتِني(26) إلَّا وحدَك، لا بِخَيْلِكَ ولا رَجِلِك، فلا أَنصحك.
          فبَيْنا نحن، وإذا محمَّدٌ جاء وحدَه، فدخل وسلَّم، فجلس بين يديه، فقال: ما لي إذا نظرتُ إليك امتلأتُ رُعباً؟ قال حَمَّاد: سمعتُ ثابتاً يقول: سمعت أنسَ بنَ مالك يقول: سمعت النَّبيَّ صلعم يقول: «إنَّ العالمَ إذا أرادَ بعِلمه وجهَ الله، هابَه كلُّ شيءٍ، وإذا أراد أن يَكْنُزَ بهِ الكُنوزَ، هابَ من كلِّ شيءٍ». فقال: ما تقول رحمَك الله في رجل له ابنان، وهو عن أحدهما أَرْضَى، فأراد أن يجعل له في حياته ثُلُثَي مالِه؟ فقال: لا يفعل، فإنِّي سمعتُ ثابتاً يقول: سمعت أنساً يقول: سمعت رسول الله صلعم يقول: «إنَّ الله تعالى إذا أراد أن يعذِّبَ عبداً بماله، وفَّقه عند موته لوصيَّةٍ جائرة».
          قال محمَّد: فحاجةٌ إليك؟ قال: هاتِ، ما لم تكن رَزِيَّةً في دِيْن. قال (محمَّد بن) سُليمان: أربعين ألف درهم، [تأخذ] تَستَعين بها على ما أنت عليه. قال: اردُدْها على مَن ظلمتَه بها(27) . قال: واللهِ ما أُعطيك إلَّا ما وَرِثتُه. قال: لا حاجةَ لي فيها، ازْوِها عنِّي زَوَى الله تعالى عنكَ أوزارَك. قال: فغيرُ هذا. قال: هاتِ، ما لم يكن رزيَّةً في دِين. قال: تأخذها فتَقسِمها. قال: فلعلِّي إن عدلتُ في قسمتها أن يقول بعض مَن لم يُرزق منها: إنَّه لم يعدِل في قسمتها. فيَأثَمُ، ازْوهِا عنِّي زَوَى الله عنك أوزارَك(28) .
          (قال)(29) : قال بعضُهم: رأيت حَمَّادَ بنَ سَلَمَةَ في النَّوم، فقلت: ما فعل بك ربُّك؟ قال: (خيراً). قلت: ماذا؟ قال: (قال): طالَما كَدَدْتَ نفسَك، فاليوم أُطيل راحتَك وراحةَ المتعوبِين في الدٌّنيا، بَخٍ بَخٍ ماذا أَعددتُ(30) لهم!
          حدَّث عن: عبد العزيز، وعاصم.
          روى عنه البخاريُّ بالواسطة، لكن في المتابعات والشَّواهد، أوَّلها: في باب ما يقول عند الخَلاء، من كتاب الوضوء [خ¦بعد 142] .
          حُكي عن حَمَّاد بن سَلَمَةَ أنَّه قال: سمعت في بعض اللَّيالي صوتاً وتنفُّساً صُعَداء، وكانت ليلة باردة شاتية، وتكرَّر الصَّوت مرَّةً بعد أُخرى، فخرجت إلى الباب، ووقفت زماناً، وإذا بالصَّوت من دار أرملة ذات أيتام في جِواري، فقلت: كأنَّ بهم جوعاً. فأخذت طبقاً عليه من كلِّ شيء، وسمعتها تقول: اللَّهمَّ أنت تَعلَم السِّرَّ وأَخفى، وإنِّي قد عاهدتُك أن لا أسأل مخلوقاً(31) ، والأيتام قد طَوَوْا أيَّاماً وليالي. قال حماد: فدققت الباب، فقالت: حَمَّادٌ إن شاء الله؟ قال: قلت: نعم. قالت: فما القصد؟ قال: أتيت بطبق عليه مأكل الأيتام. فقالت بنت لها سُباعيَّة: بئس ما فعلتِ يا أمَّاه! أَظهرتِ المخلوقَ على حالنا بصوتِك، ارجِعْ أيُّها الرَّجل، فوالله إنَّا لا نأخذ إلَّا من كفِّ الرَّحمن، لا نريد واسطةً بيننا وبينَه. قال: فصغَّرَتْ نَفسي في عَيني.
          سبحان الله! يُعِزُّ مَن يشاء، ويُذِلُّ مَن يشاء، بيده الخير.
          توفِّي حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ قبل حَمَّادِ بنِ زَيْد بسنتين، سنة سبع وسبعين ومئة، سنة مات فيها سعيد بن زيد أخو حَمَّاد بن زَيْد، ▓.
          - حكاية:
          ذكرها كمال الدِّين الدَّمِيْرِيُّ(32) ، عن مشكل الوسيط: أنَّ سبب اشتغالِ سِيبَوَيه النَّحويِّ في تعلُّم(33) النَّحو كان حَمَّادَ بنَ سَلَمَةَ، وذلك: أنَّ سيبَوَيه / كان يطلب الحديثَ والتَّفسير، فسأل يوماً حمَّادَ بن سلمة، فقال: هل حدَّثك هشام بن عروة، عن أبيه، عن رجل رَعُفَ في الصَّلاة؟ وضَمَّ العين، فقال: أخطأتَ، إنَّما [هو] رَعَفَ بالفتح. فانصرف إلى الخَليل بن أحمد، ولازَمَه، حتَّى برع في النَّحو.
          واعلَمْ أنَّ رَعف مثلَّثة العين، أفصحُها الفتح، والضَّمُّ ضعيف، والكسر أضعفها.
          وقيل: كان سببه أنَّه أتى حمَّادَ بن سلَمة لكتابة الحديث، فاستملى منه(34) قولَه صلعم: «ليس مِن أصحابي أحدٌ إلَّا ولو شئتُ لأَخذتُ عليه، ليس أبا الدَّرداء». فقال سيبويه: ليس أبو الدَّرداء. فصاح به حَمَّاد: لحنتَ يا سيبَوَيه! إنَّما هو استثناءٌ. فقال سيبويه: والله لأطلُبنَّ علماً لا تُلَحِّنني معه. ثمَّ مضى، ولزم الأخفش الأكبر وخَلِيْلاً، حتَّى انتهى إلى ما انتهى، وذلك ببركة نفسِ حَمَّاد.
          تتمَّة(35) :
          سَلَمة: بفتح اللَّام، وكسرها، وبهما، أنواع ثلاثة، فبالكسر: هو عَمْرو بن سَلِمَةَ الجَرْمِيُّ، إمام قومه، اختُلِف في صحبته، وكذلك بنو(36) سَلِمَةَ القبيلة من الأنصار.
          وبهما(37) : عبد الخالق بن سلَمة، أحد مَنْ روى له مسلم، وليس له إلَّا حديث واحد في قدوم وفد عبد القيس [خ¦1997] ، فقال فيه يزيد بن هارون: بفتح اللَّام، وقال ابنُ عُلَيَّةَ: بكسرها، وهكذا حكى فيه الوجهين أبو نَصْر بن ماكُوْلَا(38) .
          ومَنْ سوى هؤلاء فهو سلَمة، بفتح اللَّام.
          قال في القاموس: سَلِمة، بكسر اللَّام هو ابن قَيْس الجَرْمِيُّ، وابن حَنْظَلَةَ السُّحَيْمِيُّ، صحابيَّان، وبنو سَلِمَةَ، بطن من الأنصار، وابن كَهْلاَءَ، في بَجِيْلَة، وابن الحارث، في كِنْدةَ، وابن عَمْرو بن ذُهْل، وابن غَطَفَان بن قيس، وعُمَيْرَةُ بنُ خُفَاف بن سَلِمَة، وعبد الله البَدْرِيُّ الأُحُدِيُّ، وعَمْرو بن سَلِمَة الهَمْدَانِيُّ، وعبد الله بن سَلِمَةَ المُراديُّ. وسَلَمَةُ، بالفتح، أربعون صحابيًّا، وثلاثون محدِّثاً، أو زُهاؤها، وسَلَمَةُ الخَيْر، وسَلَمَةُ الشَّرِّ، رجلان، وأمُّ سَلَمَةَ بنت أميَّة، وبنت يزيد، وبنت أبي(39) حَكِيْم، صحابيَّات.


[1] مقدمة الفتح: ص399.
[2] في (ن): (ولا متابعا).
[3] في (ن): (والمزيد) بدل (والمرفوعة).
[4] في (ن): (ومتابعة).
[5] ما بين معقوفتين تقدم في غير (ن) إلى ما قبل قول ابن حجر الآتي.
[6] شرح البخاريِّ:2/ 185.
[7] في (ن) تقدم هنا: من قوله: ( قال أحمد بن حنبل: إذا رأيتَ الرَّجل.... ) إلى قوله (...بَخٍ بَخٍ ماذا أَعددتُ لهم!) والمثبت أولى لتعلُّقه بما قبله.
[8] النَّجم الوهَّاج:1/ 206.
[9] نفسه:1/205-206، نقلًا عن الجَوهريِّ في الصِّحاح:4/ 1632، عدا قول عليٍّ ☺ وتفسيره.
[10] طبقات الشافعية الكبرى:2/342، والخبر فيه مجمل.
[11] في غير (ن): (منكراً).
[12] ص195.
[13] هذه الكلمة تعني بالعِبرانيَّة: يا حيُّ يا قيُّوم. انظر العين للفراهيدي:3/ 401.
[14] في (ن) تصحيفاً: (منكم).
[15] مثير الغرام السَّاكن: ص194.
[16] كتاب للشَّطنوفيِّ المتوفَّى سنة (713 هـ)، وهوفي مناقب الشيخ عبد القادر الجيلاني، واسمه (بهجة الأسرار ومعدن الأنوار)، انظر اكتفاء القنوع: ص193.
[17] في (س): (شاربه).
[18] في (ن) تصحيفاً: (حمَّاد).
[19] في (ن) تصحيفاً: (الضرس) وكذلك الموضع الذي بعده.
[20] في غير (ن): (أم).
[21] في (ن) تصحيفاً: (لشيء).
[22] في (ن): (حصيرة).
[23] في (ن) تصحيفاً: (نا صبية) وكذلك الموضع الذي بعده.
[24] في غير (ن): (إلى).
[25] في غير (ن): (فسلنا).
[26] في غير (ن): (فلا تأت).
[27] في (ن) تصحيفاً: (منها).
[28] الخبر في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي: (837)، وفي إحياء علوم الدِّين للغزاليِّ:2/ 145.
[29] انظر تهذيب الكمال:7/ 268.
[30] في (ن) تصحيفاً: (أجددت).
[31] في (س): (لا أسألك).
[32] النَّجم الوهَّاج:2/ 426.
[33] في غير (ن): (بعلم).
[34] في (ن) تصحيفاً: (فيه).
[35] انظر شرح التَّيصرة والتَّذكرة للعراقيِّ:2/ 244.
[36] في (ن) تصحيفاً: (بنوا) وكذلك الموضع الذي بعده.
[37] في (ن) تصحيفاً: (وربَّما هو).
[38] الإكمال في رفع الارتياب 4/336.
[39] في (ن) تصحيفاً: (بنت أبو).