تعليقة على صحيح البخاري

باب الجاسوس

          ░141▒ (بابُ الْجَاسُوسِ، وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة:1]) .
          (التجسُّس): التَّبحُّث، نزلت في حاطب بن أبي بلتعة؛ / وذلك أنَّ سارة مولاة أبي عمرو بن صيفيِّ بن هاشم بن عبد مناف أتت رسول الله صلعم إلى المدينة من مكَّة وهو يتجهَّز لفتح مكَّة، فقال: «ما جاء بك»، فقالت: الحاجة، قال: «فأين أنت عن شباب أهل مكَّة؟»، وكانت مغنِّية، قالت: ما طُلِب منِّي شيءٌ بعد وقعة بدر، فكساها وحملها، وأتاها حاطب، فكتب معها كتابًا إلى أهل مكَّة، وأعطاها عشرة دنانير، وكتب في(1) الكتاب: «إلى أهل مكَّة، إنَّ رسول الله صلعم يريدكم، فخذوا حذركم»، فنزل جبريل ╕ بخبره، فبعث عليًّا وعمَّارًا وعمرَ والزُّبير وطلحة والمقداد بن الأسود وأبا مرثد وكانوا كلُّهم فرسانًا حتَّى روضة خاخ، فإنَّ بها ظعينةً معها كتاب إلى المشركين، فخذوه وخلُّوا سبيلها، وإن لم تدفعه إليكم؛ فاضربوا عنقها، قيل: اسمها سارة، وقيل: أمُّ سارة، وقيل: كنود مولاة لقريش، وللسهيليِّ في الكتاب: كتب: (أمَّا بعد؛ فإنَّ رسول الله صلعم قد توجَّه إليكم في جيشٍ كاللَّيل يسير كالسَّيل، وأقسم بالله لو لم يسر إليكم إلَّا وحده؛ لأظفره الله بكم، وأنجز له وعده، فإنَّ الله تعالى وليُّه وناصره، ولابن سلَّام كان فيه: إنَّ محمَّدًّا قد نفر إمَّا لكم وإمَّا إلى غيركم، فعليكم الحذر، وقيل: كان فيه: أنَّه ╕ أذن في النَّاس بالغزو، ولا أُراه يريد غيركم، فقد أحببت أن يكون لي عندكم يدٌ بكتابي إليكم).
          (الظَّعينة): المرأة في الهودج، ولا يقال لها: ظعينة إلَّا وهي كذلك التي تظعن براكبها.
          قوله: (لَنلْقِينَّ(2) الثِّيَابَ): صوابه في العربيَّة(3) : [لتلقنَّ] ، و(العُقَاص): الشَّعر المعقوص؛ أي: المضفور.
          قوله: (إِنِّي كُنْت(4) مُلْصَقًا فِيْ قُرَيْشٍ): يعني: كنت مضافًا إليهم ولست منهم.
          (وَكَانَ مَنْ مَعَكَ...) إلى آخره: إنَّما أطلق عمر على حاطب اسم النِّفاق؛ لأنَّه والى الكفَّار وباطنهم، وإنَّما فعل ذلك؛ متأوِّلًا في غير ضرر لرسول الله صلعم ، وعلم صدق نبيِّه، فنَّجاه من ذلك قول عمر: دعني؛ أضرب عنق هذا المنافق، قيل: قوله ╕: «قد صدقكم»، وقد أثبت الله لحاطب الإيمان، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ}؛ الآية [الممتحنة:1] .
          قوله: (وَمَا يُدْرِيكَ): أي: يُعلِمك، و(لعلَّ): للترجِّي، وهو هنا محقَّق قوله: «اعملوا ما شئتم»، ظاهره: الاستقبال، وإنَّما هو للماضي، تقدير(5) (اعملوا ما شئتم): أيَّ عمل كان لكم؛ فقد غفر، ولو كان للمستقبل؛ كان جوابه: فسأغفر، ومذهب الشَّافعيِّ: أنَّ الجاسوس المسلم يُعزَّر، ولا يجوز قتله، وإن كان داهية؛ عفي عنه بهذا الحديث.


[1] (في): ليس في (ب).
[2] في النسختين: (لتقين).
[3] في النسختين: (التعرية).
[4] زيد في «اليونينيَّة»: (امْرَأً).
[5] في (ب): (تقديره).