الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: فاستفتى الناس رسول الله بعد ذلك، فأنزل

          3174- الرَّابع والعشرون: عن الزُّهريِّ عن عُروَةَ أنَّه سأل عائشةَ قال: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى...} إلى قوله: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}[النساء:3] قالت: يا بن أختي، هذه اليَتيمةُ تكون في حَجْر وليِّها، فيَرغَب في جمالها ومالها، ويريد أن يَنتقصَ صداقَها، فنُهوا عن نكاحِهنَّ إلَّا أن يُقسِطوا لهن في إكمالِ الصَّداق، وأُمروا بنكاح من سِواهنَّ.
          قالت عائشةُ: «فاستفتى النَّاسُ رسول الله بعد ذلك، فأنزل الله: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء...} إلى: {وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ}[النساء:127]». /
          فبيَّن الله لهم أنَّ اليتيمةَ إذا كانت ذاتَ جَمالٍ ومال رغبوا في نكاحها ولم يُلحقوها بسنَّتِها في إكمالِ الصَّداق، وإذا كانت مرغوبةً(1) عنها في قلَّة المالِ والجمال تركُوها والتمسوا غيرَها من النِّساء، قال: فكما يتركونها حين يَرغبون عنها، فليس لهم أن يَنكِحوها إذا رغبوا فيها إلَّا أن يُقسِطوا لها ويُعطوها حقَّها الأوفى من الصَّداق. [خ¦2763]
          وفي حديث يونسَ عن ابن شهابٍ نحوُه، وفيه: قالت: يا بن أختي، هي اليتيمةُ تكون في حَجْر وليِّها تشاركه في ماله، فيعجبه مالُها وجمالُها، ويريد أن يتزوَّجها بغير أن يُقسطَ في صَداقِها فيُعطيَها مثلَ ما يُعطيها غيرُه، فنُهوا عن نكاحهنَّ إلَّا(2) أن يُقسطوا لهنَّ ويبلُغوا بهن(3) أعلى سُنَّتهِن من الصَّداق.
          وفيه: قالت عائشةُ: والَّذي ذكر الله أنَّه يُتلى عليكم في الكتابِ الآيةُ الأولى الَّتي قال فيها: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء}[النساء:3] قالت: وقول الله في الآية الأخرى: {وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ}[النساء:127] رغبةُ أحدِكم عن يتيمته الَّتي تكون في حَجْره حين تكون قليلةَ المال، فنُهوا أن ينكِحوا ما رغبوا(4) في مالها وجمالها من يتامى النِّساء إلَّا بالقسط من أجل رغبتِهم عنهُنَّ. / [خ¦2494]
          وفي حديث صالحٍ عن ابن شهاب نحوُه، وزاد في آخره: من أجل رغبتهم عنهنَّ إذا كُنَّ قليلاتِ المال والجمالِ. [خ¦2494]
          وأخرجاه من حديث هشام بن عروةَ عن أبيه عن عائشَةَ في قوله: «{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى}[النساء:3]، قالت: أُنزلت في الرجل تكون له اليتيمةُ، وهو وليُّها ووارثها، ولها مال وليس لها أحدٌ يُخاصم دونَها، فلا يُنكحها لمالها، فيَضرُّ بها ثم يسيء صحبتها، فقال: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء}[النساء:3] يقول: ما أحلَلتُ لكم، ودعْ هذه الَّتي تَضرُّ بها». [خ¦4600]
          وفي حديث ابن جريجٍ عن هشام بالإسناد: «أنَّ رجلاً كانت له يتيمةٌ فنكحها، وكان لها عَذْق، وكان يُمسكها عليه ولم يكن لها من نفسِه شيءٌ، فنزلت فيه: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى}[النساء:3] (5) أحسبُه قال: كانت شريكتَه في ذلك العَذْق وفي ماله». [خ¦4573]
          وفي حديث أبي معاويةَ عن هشام عن أبيه عن عائشَةَ في قوله: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء...} إلى آخر الآيةِ [النساء:127]، قال: هي اليتيمةُ تكون في حَجْر الرجلِ قد / شَرِكتْه في ماله فيرغَب عنها أن يتزوجَها، ويكره أن يُزوِّجها غيرَه فيَدخلَ عليه في ماله، فيحبسُها، فنهاهم الله عن ذلك. [خ¦5131]
          وألفاظُ سائر الرُّواة متقارِبةُ المعنى.


[1] استشكل في (ابن الصلاح): (مرغوبة)، والأصل: (مرغوباً).
[2] كتب في (ظ) (إلا) هكذا: (إلى).
[3] في (ت): (لهن)، وما أثبتناه من (ابن الصلاح) و(ظ) موافق لنسخنا من البخاري ومسلم.
[4] استشكل في (ابن الصلاح) ذكر (ما) هنا والأصل (من رغبوا)، وقد تذكر ما ويراد صفات العقلاء، وهذا منه.
[5] أقسَطَ يُقسِطُ فهو مُقسِطٌ إذا عدَل، وقسَطَ يَقسِطُ فهو قاسط إذا جار، قال الشاعر في ذم رجل:
~كان بالقاسطين مناً رؤوفا وعلى المقسطين سوطَ عذاب