الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: كان رسول الله يحب العسل والحلوى

          3252- الثَّاني بعد المئةِ: عن هشام بن عروةَ عن أبيه عن عائشَةَ قالت: «كان رسول الله يحِبُّ العَسلَ والحلوى، وكان إذا انصرف من العصر دخَل على نسائِه فيَدنو من إحداهنَّ، فدخَل على حفصةَ بنتِ عمرَ فاحتبسَ أكثرَ ممَّا يحتبسُ، فغِرتُ، فسألتُ عن ذلك، فقيل لي: أهدَتْ لها امرأةٌ من قومِها عُكَّةً(1) من عسل، فسَقتْ النَّبيَّ منه شَربةً، فقلت: أما والله لَنَحتالنَّ له، فقلتُ لسَودةَ بنتِ زَمعةَ: إنَّه سَيدنو منك، فإذا دنا منك فقولي له: يا رسولَ الله؛ أكلتَ مَغافيرَ(2) ؟ فإنَّه سيقول لك: لا، فقولي له: ما هذه الريحُ التي أجدُ؟ _زاد في حديث أبي كُريبٍ وغيرِه: وكان رسول الله يشتدُّ عليه أن يُوجدَ منه الريحُ_ فإنَّه سيقول لك: سَقتني حفصةُ شَربةَ عسلٍ، فقولي له: جَرسَتْ نحلُه / العُرْفُطَ(3)، وسأقول ذلك، وقولي أنتِ يا صفيةُ ذلك؛ قالت: تقول سَودةُ: فوالله الذي لا إله إلَّا هو، ما هو إلَّا أن قام على الباب فأردتُ أن أُبادئَه بما أمرتِني فَرَقاً(4) منكِ، فلما دنا منها قالت له سَودةُ: يا رسولَ الله؛ أكلتَ مَغافيرَ؟ قال: لا. قالت: فما هذه الريحُ التي أجدُ منك؟ قال: سَقَتني حفصةُ شَربةَ عسل. فقالت: جَرَستْ نحلُه العُرفُطَ، فلما دار إليَّ قلت له نحوَ ذلك، فلما دار إلى صفيةَ قالت له مثلَ ذلك، فلما دار إلى حفصةَ قالت: يا رسولَ الله؛ ألا أسقيكَ منه؟ قال: لا حاجةَ لي فيه. قالت: تقول سَودةُ: والله لقد حَرمناه، قلتُ لها: اسكُتي». [خ¦5268]
          وأخرجاه _وفيه بعضُ الخلافِ_ من حديث عُبيدِ بنِ عُميرٍ عن عائشَةَ: «أنَّ النَّبيَّ كان يمكُث عند زينبَ بنتِ جحشٍ فيشرَبُ عندها عسلاً، قالت: فتَواصيتُ أنا وحفصةُ أن أيَّتُنا ما دخل عليها رسول الله فلتقُل له: إنِّي أجدُ منكَ ريحَ مَغافيرَ، أكلت مَغافيرَ؟ فدخل على إحداهما فقالت ذلك له، فقال: بل شربتُ عسلاً عند زينبَ بنتِ جحشٍ، ولن أعودَ له. فنزل: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ}[التحريم:1]، {إِن تَتُوبَا إِلَى اللهِ}[التحريم:4] لعائشةَ وحفصةَ، / {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا}[التحريم:3] لقوله: بل شربتُ عسلاً». [خ¦4912]
          قال البخاريُّ: وقال إبراهيمُ بنُ موسى عن هشام: «ولن أعودَ له، وقد حلَفتُ، فلا تُخبِري بذلك أحداً». [خ¦6691]


[1] العُكَّةُ: إناء العسل والسمن.
[2] المَغَافِير: شيء كالصمغ ينضحه العُرْفُط، حلو كالناطف، وله ريح منكرة، والعرفط نوع من شجر العِضَاه، والعضاه من شجر الشوك كالطَّلح والعَوسج والعُرفط، ويقال: قد أغفر العرفط إذا ظهر ذلك منه، وخرج الناس يَتغفَّرون إذا خرجوا يجمعون ذلك، وواحد المغافير مُغفور، وليس في كلام العرب مُفعول بضم الميم إلا ثلاثة أمثلة: مُغفُور ومُغرُود، ضربٌ من الكمأة، ومُنْخُور للمِـَنخِر.(ابن الصلاح نحوه).
[3] جَرسَتْ نَحلُه العُرْفُط: أي: أكلت نحلُه من هذا الذي يجري من العرفط، وهو المغافير، ويقال: المغاثير أيضاً بالثاء ويقال للنحل: جَوَارِس؛ أي: أَواكِل، وأصل الجرس الصوت الخفي، يقال: سمعت جرس الطير؛ أي: صوت مناقيرها على شيء تأكله، وماسمعت لفلان جرساً؛ أي: حِساً ولا صوتاً، وفي بعض الحديث: «فيَسمعُون صوتَ جَرْس طيرِ الجنة» وقد حكي عن الأصمعي أنه قال: كنت في مجلس شعبة، فذكر الحديث، وفيه «فيسمعون جرش طير الجنة» قالها بالشين، فقلت: جرس، فنظر إليّ وقال: خذوها عنه فهو أعلم بها.(ابن الصلاح نحوه).
[4] الفَرَق: الفَزَع والخوف.(ابن الصلاح).