الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: أن الناس كانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة

          3259- التَّاسعُ بعد المئةِ: عن هشامِ بن عروةَ عن أبيه عن عائشَةَ: «أنَّ النَّاسَ كانوا يَتَحرَّون(1) بهداياهم يومَ عائشةَ يبتغون بها _أو يبتغون بذلك_ مرضاةَ رسول الله».
          هكذا في حديث عَبدةَ بن سليمانَ عن هشام لهما. [خ¦2574]
          لم يزد. /
          وللبخاريِّ من حديث سليمانَ بنِ بلالٍ عن هشام عن أبيه عن عائشَةَ: «أنَّ نساءَ رسول الله كُنَّ حزبين، فحزبٌ فيه عائشةُ وحفصةُ وصفيةُ وسَودةُ، والحزبُ الآخرُ أمُّ سلمةَ وسائرُ أزواجِ النَّبيِّ. وكان المسلمون قد علموا حبَّ رسول الله عائشةَ، فإذا كانت عند أحدِهم هديةٌ يريد أن يهديَها إلى رسول الله أخَّرها حتى إذا كان رسول الله في بيت عائشةَ بعث صاحبُ الهديةِ بها إلى رسول الله في بيت عائشةَ.
          فكلَّم حزبُ أمِّ سلمةَ أمَّ سلمةَ فقُلنَ لها: كلِّمي رسول الله يُكلِّم النَّاسَ فيقول: من أراد أن يُهديَ إلى رسول الله هديةً فليُهد إليه حيث كان من نسائه، فكلَّمتْه أمُّ سلمةَ بما قُلنَ فلم يقُل لها شيئاً، فسألنَها فقالت: ما قال لي شيئاً، فقُلن لها: كلِّميه، قالت: فكلَّمتْه حين دار إليها أيضاً ولم يقُل لها شيئاً، فسألْنَها فقالت: ما قال لي شيئاً، فقُلنَ لها: كلِّميه حتى يكلِّمَك، فدار إليها فكلَّمته، فقال لها: لا تُؤذِيني في عائشةَ، فإنَّ الوحيَ لم يأتِنِي وأنا في ثوب امرأةٍ إلَّا عائشةَ. قالت: فقلت: أتوبُ إلى الله من أذاكَ يا رسولَ الله! ثم إنهنَّ دَعونَ فاطمةَ بنتَ رسول الله، فأرسلنَها إلى رسول الله تقول: إنَّ نساءَك يسألنَك العدلَ في بنت أبي بكرٍ، فكلَّمَته، فقال: يا بنيَّةُ، ألا تُحبِّين ما أُحِبُّ؟ فقالت: بلى، فرجَعتْ إليهنَّ فأخبرَتْهُنَّ، فقُلن: ارجِعي إليه، فأبتْ أن ترجِع، فأرسلنَ زينبَ بنتَ جحشٍ، فأتته فأغلَظتْ وقالت: إنَّ نساءَك يَنشُدنَك الله العدلَ في بنت أبي قُحافةَ، فرفَعت صوتَها حتى تناولت عائشةَ وهي قاعدةٌ فسبَّتها، حتى إنَّ رسول الله لينظُر إلى عائشةَ هل تَكلَّمُ؟ قال: فتكلَّمت عائشةُ ترُدُّ على زينبَ حتى أسكَتتْها، قال: فنظر النَّبيُّ صلعم إلى عائشةَ فقال: إنَّها ابنةُ أبي بكرٍ!». / [خ¦2581]
          وفي حديث عبد الله بن عبد الوهاب الحَجَبيِّ عن حَمَّاد بن زيد عن هشامِ بن عُروةَ عن أبيه طرفٌ منه قال: «كان الناسُ يَتحرَّونَ بهداياهم يومَ عائشةَ، قالت عائشةُ: فاجتمع صواحبِي إلى أمِّ سلمةَ فقُلن(2) : يا أمَّ سلمةَ، إنَّ الناسَ يَتحرَّون بهداياهم يومَ عائشةَ، وإنَّا نريدُ الخيرَ كما تريدُ عائشةُ، فمُري رسول الله أن يأمر الناسَ أن يُهدوا إليه حيث ما كان، أو حيث ما دار، قالت: فذكرت ذلك أمُّ سلمةَ للنَّبيِّ قالت: فأعرَضَ عنِّي، فلما عادَ إليَّ ذكَرتُ ذلك له، فأعرَض عنِّي، فلما كان في الثَّالثةِ ذكَرتُ له ذلك، فقال: يا أمَّ سلمةَ؛ لا تُؤذِيني في عائشةَ، فإنَّه والله ما نزَل عليَّ(3) الوحيُ وأنا في لحاف امرأةٍ منكُن غيرِها». [خ¦3775]
          ولمسلمٍ من حديث صالحِ بن كيسانَ ويونسَ بن يزيدَ عن الزُّهريِّ عن محمَّدِ بن عبد الرحمن ابن الحارثِ بن هشامٍ أنَّ عائشةَ قالت: «أرسَل أزواجُ النَّبيِّ فاطمةَ بنتَ رسول الله إلى رسول الله، فاستأذنت عليه وهو مضطَجِعٌ معي في مِرْطي(4)، فأذِنَ لها، فقالت: يا رسولَ الله؛ إنَّ أزواجَك أرسلنَني يسألنَك العدلَ في ابنة أبي قُحافةَ، وأنا ساكتةٌ، قالت: فقال لها رسول الله: أيْ بُنيَّةُ، ألستِ تُحبِّين ما أُحِبُّ؟ فقالت: بلى، قال: فأَحِبِّي هذه. قالت: فقامت فاطمةُ حين سمعت ذلك من رسول الله، فرجعت إلى أزواجِ النَّبي فأخبرتهنَّ بالذي قالت وبالذي قال لها رسول الله، فقُلنَ لها: ما نراكِ أغنيتِ عنَّا من شيءٍ، فارجِعي إلى رسول الله فقُولي له: إنَّ أزواجَك يَنشُدنكَ العدلَ في ابنةِ أبي قُحافةَ، فقالت فاطمةُ: والله لا أُكلِّمُه فيها أبداً. /
          قالت عائشةُ: فأرسل أزواجُ النَّبيِّ زينبَ بنتَ جَحشٍ زوَجَ النَّبي، وهي التي كانت تُسامِيني منهنَّ في المنزلة عند رسول الله، ولم أرَ امرأةً قطُّ خيراً في الدِّين من زينبَ، وأتقى لله، وأصدقَ حديثاً، وأوصلَ للرَّحم، وأعظمَ صدقةً، وأشدَّ ابتذالاً لنفسها في العمل الذي تَصدَّقُ به وتَقرَّبُ به إلى الله، ما عدا سَورةً(5) من حدَّة(6) كان فيها، تُسرِع منه الفيئةَ(7)، قالت: فاستأذنت على رسول الله، ورسول الله مع عائشةَ في مِرْطها على الحال التي دخلت فاطمةُ عليها وهو بها، فأذِنَ لها رسول الله، فقالت: يا رسولَ الله؛ إنَّ أزواجَك أَرسلنَني يَسألنَك العدلَ في ابنةِ أبي قُحافةَ، قالت: ثم وقعتْ فيَّ فاستَطالتْ عليَّ وأنا أَرقُب رسول الله وأرقُب طَرْفَه، هل يأذنُ لي فيها؟ قالت: فلم تبرَح زينبُ حتى عرفتُ أنَّ رسول الله لا يكره أن أنتصرَ، قالت: فلما وقعتُ بها لم أنْشَبها حتى(8) أثخنت(9) عليها _وفي حديث يونسَ: لم أنْشَبها أن أثخنت عليها_ فقال رسول الله وتبسَّم: إنَّها ابنةُ أبي بكرٍ!». /
          ولم يخرج البخاريُّ من هذا الحديثِ إلَّا طرفاً تعليقاً، فقال: وقال أبو مروانَ عن هشام عن رجلٍ من قريش ورجلٍ من الموالي عن الزُّهريِّ عن محمَّدِ بن عبد الرحمن بن الحارثِ بن هشام قال: قالت عائشةُ: «كنتُ عند النَّبيِّ فاستأذنتْ فاطمةُ». [خ¦2581] لم يزد.
          وليس لمحمدِ بن عبد الرحمن بن الحارثِ بن هشام عن عائشَةَ في «الصحيحين» إلَّا ما ذكرنا.


[1] كانوا يَتَحَرَّونَ: أي؛ يقصدون.
[2] في (ظ) و(ابن الصلاح): (فقالوا)، وما أثبتناه موافق لما في البخاري.
[3] في (ت): (إليّ)، وما أثبتناه موافق لما في البخاري.
[4] المِرْطُ: كساء من صوف أو خزٍّ، وقد تقدّم.(ابن الصلاح).
[5] سَوْرَة الغضب: حِدَّته وثَوَرانه.(ابن الصلاح نحوه).
[6] في (ظ): (حد).والحَدُّ: الحِدَّة والغيظ.
[7] تُسرِع منه الفَيْئَة: أي؛ الرجوع والسكون.(ابن الصلاح).
[8] في (ظ): (أن).
[9] الإثْخانُ: الإفراط في القتل.(ابن الصلاح).