الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: أما بعد، فإنه لم يخف علي شأنكم

          3185- الخامسُ والثَّلاثون: عن ابن شهاب عن عُروَةَ عن عائشَةَ: «أنَّ رسول الله خرج من جوف اللَّيلِ فصلَّى في المسجد، فصلَّى رجالٌ بصلاته، فأصبح النَّاسُ يتحدَّثون بذلك، فاجتمع أكثرُ منهم، فخرج رسول الله في اللَّيلة الثَّانية، فصلَّوا بصلاته، فأصبح النَّاس يذكرون ذلك، فكثُر أهلُ المسجد من اللَّيلة الثَّالثة، فخرَج فصلَّوا بصلاته، فلما كانتِ(1) اللَّيلةُ الرَّابعةُ عجَز المسجدُ عن أهله، فلم يخرُج إليهم رسول الله، فطَفِق رجال منهم يقولون: الصَّلاةَ! فلا يخرج إليهم رسول الله، حتى خرج لصلاة الفجر، / فلما قضى الفجرَ أقبل على النَّاس، ثم تشهَّد فقال: أمَّا بعدُ، فإنَّه لم يَخْفَ عليَّ شأنُكم اللَّيلةَ، ولكن خشيتُ أن تُفرَض عليكم صلاةُ اللَّيل فتَعجِزوا عنها». كذا في حديث يونسَ.
          وفي حديث مالك بنحوه ومعناه مختصرٌ، وقال: «وذلك في رمضان». [خ¦1129]
          زاد في حديث عُقيل: «فتُوفي رسول الله والأمرُ على ذلك». [خ¦924]
          وأخرج البخاريُّ من حديث يحيى بنِ سعيد الأنصاري عن عَمرَةَ عن عائشَةَ: «أنَّ رسول الله كان يصلِّي في حُجرتِه، وجدارُ الحُجرة قصيرٌ، فرأى النَّاسُ شخصَ رسول الله، فقام ناسٌ يصلون بصلاته، فأصبحوا فتحدَّثوا، فقام رسول الله الثَّانيةَ يصلِّي، فقام ناسٌ يصلون بصلاته، فصنعوا ذلك ليلتين أو ثلاثاً، حتى إذا كان بعد ذلك جلَس رسول الله لم يخرج، فلما أصبَح ذكَر ذلك له النَّاسُ، فقال: إنِّي خِفتُ أن تُكتب عليكم صلاةُ اللَّيل». [خ¦729]
          وقد أخرجا من حديث سعيدِ بن أبي سعيدٍ المقبري عن أبي سلمَةَ عن عائشَةَ إنَّها قالت: «كان لرسول الله حصيرٌ، وكان يُحَجِّرُه باللَّيل(2) فيصلِّي فيه، ويبسطه بالنَّهار فيجلِس عليه، فجعل النَّاس يَثُوبون إلى رسول الله(3) يصلون بصلاته حتى كثُروا، فأقبل فقال: يا أيُّها الناسُ؛ خذوا منَ الأعمال ما / تُطيقون، فإنَّ الله لا يملُّ حتى تملُّوا(4)، وإنَّ أحبَّ الأعمالِ إلى الله ما دامَ وإن قلَّ». [خ¦5861]
          زاد في رواية عبدِ الوهاب الثَّقفي: «وكان آلُ محمَّد إذا عملوا عملاً أثبتوه».
          ولهما طرفٌ منه من حديث سعدِ بن إبراهيمَ عن أبي سلمةَ عن عائشَةَ: «أنَّ رسول الله سُئل أيُّ العملِ أحبُّ إلى الله؟ قال: أدومُه وإن قلَّ».
          زاد في رواية محمَّد بن عَرْعَرةَ عن شعبةَ، وقال: «اكلَفُوا من الأعمال ما تُطيقون». [خ¦6465]
          ولهما أيضاً من حديثِ موسى بنِ عقبةَ بزيادة عن أبي سلمةَ عن عائشَةَ: أنَّ رسول الله قال: «سدِّدوا وقارِبوا، واعلموا أنَّه لن يُدخِلَ أحدَكُم عملُه / الجنةَ، وإنَّ أحبَّ الأعمال إلى الله أدومُها وإن قلَّ». [خ¦6464]
          وفي حديث محمَّد بنِ الزِّبْرِقان عن موسى بن عقبةَ: «سدِّدوا وقاربوا وأبشروا، فإنَّه لا يُدخل أحداً الجنةَ عملُه. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلَّا أن يتغمَّدَني(5) الله بمغفرةٍ ورحمة». [خ¦6467]
          قال البخاريُّ: وقال مجاهدٌ: {سَدِيدًا}[النساء:9]: صدقاً(6).
          وأخرجا من حديث مسروقِ بن الأجدع قال: «سألتُ عائشةَ: أيُّ العملِ كان أحبَّ إلى رسول الله ؟ قالت: الدائمُ، قال: قلتُ: فأيَّ حينٍ كان يقوم؟ قالت: كان يقوم إذا سمع الصارخَ(7)». [خ¦1132]
          وأخرج البخاريُّ من حديث هشامِ بن عروةَ عن أبيه عن عائشَةَ إنَّها قالت: «كان أحبُّ العمل إلى رسول الله الَّذي يدوم عليه صاحبُه». [خ¦6462]
          وأخرج مسلمٌ من حديث سعدِ بن سعيدٍ الأنصاري عن القاسم بن محمَّد عن عائشَةَ قالت: قال رسول الله: «أحبُّ الأعمال إلى الله أدومُها وإن قلَّ». قال: وكانت عائشةُ إذا عملت العملَ لزمتْهُ.
          وليس لسعد بنِ سعيدٍ عن القاسم بن محمدٍ في مسند عائشةَ في «الصحيح» / غيرُ هذا الحديث.


[1] في (ت): (كان)، وما أثبتناه موافق لما في مسلم.
[2] كان له حصيرٌ يحْجُرُه بالليل: أي؛ يتخذه حجرة يستتر فيها ويخلو بأمره اهـ.(ابن الصلاح نحوه).وضبطه النووي بتشديد الجيم المكسورة: (يُحَجِّرُه).«شرح مسلم» 670.
[3] في (ابن الصلاح): (سع: النبي).
[4] لا يملُّ حتى تملُّوا: فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أن الله لا يملُّ أبداً مَلِلْتم أو لم تملُّوا، فجرى هذا مَجرى قول العرب: (حتى يشِيب الغراب ويَبيَضَّ الفأر).والثاني: أنه لا يَطرَحكم حتى تتركوا العمل، وتزهدوا في الرغبة إليه، وسَمَّى الفعلين مَلَلاً، وليس بمللٍ على الحقيقة على مذهب العرب في وضع الفعل موضعَ الفعل إذا وافق معناه.والثالث: وهو الذي اختاره ابن الأنباري، أن يكون المعنى: فإن الله لا يقطع عنكم فضله حتى تملُّوا سؤاله، فسَمَّى فعلَ الله مللاً وليس بملل، وهو في التأويل على جهة الازدواج، وهو أن تكون إحدى اللفظتين موافقة للأخرى وإن خالفت معناها، كما قال: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ} [البقرة:194] ، معناه فجازوه على اعتدائه، فسماه اعتداء، وهو عدل، لتزدوج اللفظة الثانية مع الأولى، ومنه قوله تعالى: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [الشورى:40] وهذا كثير.
[5] أصل التَّغمُّد التغطية والستر، يقال: تغمَّده الله برحمته أي غمره بها وألبسها إيَّاه وستره بها، وتغمَّدتُ فلاناً إذا جعلتَه تحت كَنَفك حتى تغطِّيه.
[6] قال محققه: أي؛ قال في قوله تعالى: {قَوْلًا سَدِيدًا} [الأحزاب:70] : وسَدَاداً: صدقاً.
[7] كان يقوم إذا سمع الصارخَ: يعني إذا صرخ الديك.(ابن الصلاح).