الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: يا أمتاه هل رأى محمد ربه

          3298- الثَّامنُ والأربعونَ بعد المئةِ: عن مسروقٍ قال: قلت لعائشةَ: «يا أُمَّتاه؛ هل رأى محمدٌ ربَّه؟ فقالت: لقد قَفَّ شَعري(1) ممَّا قلت! أين أنت من ثلاثٍ، من حدَّثكَهُن فقد كذَب: من حدَّثك أنَّ محمَّداً رأى ربَّه فقد كذَب، ثم قرَأَت: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[الأنعام:103]،{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا}[الشورى:51]. ومن حدَّثَك أنَّه يعلَمُ ما في غدٍ فقد كذَب، ثم قرَأَت: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا}[لقمان:34] (2). ومن حدَّثَك أنَّه كتَم فقد كذَب، ثم قرَأَت: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} الآيةَ[المائدة:67]. ولكنه رأى جبريلَ في صورته مرَّتين». [خ¦4855]
          وفي حديث أبي أسامةَ عن زكرياء بنِ أبي زائدةَ أنَّ مسروقاً قال: قلتُ لعائشةَ: فأين قوله: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى. فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى}[النجم:8-9](3)، قالت: «ذاكَ جبريلُ، كان يأتيه في صورة الرَّجلِ، وإنَّه أتاه هذه المرَّةَ في صورته التي هي صورتُه فسدَّ الأُفقَ». /
          وفي حديث محمَّدِ بن يوسفَ عن سفيانَ: «ومن حدَّثَك أنَّه يعلم الغيبَ فقد كذَب، وهو يقول: لا يعلَمُ الغيبَ إلَّا الله». [خ¦7380]
          وفي حديث زهيرِ بن حربٍ عن ابن عُليَّةَ _وهو أتمُّ:_ أنَّ مسروقاً قال: كنتُ متَّكئاً عند عائشةَ فقالت: يا أبا عائشةَ؛ ثلاثٌ من تكلَّم بواحدةٍ منهنَّ فقد أعظمَ على الله الفِريةَ(4)، قلت: ما هُنَّ؟ قالت: «من زعم أنَّ محمَّداً رأى ربَّه فقد أعظَم على الله الفِريةَ»، قال: وكنتُ متَّكئاً فجلستُ، فقلت: يا أمَّ المؤمنين، أنظِريني ولا تعجَلينِي ألم يقُل الله: {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ}[التكوير:23]، {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى}[النجم:13]؟! فقالت: «أنا أوَّلُ هذه الأُمةِ سأل عن ذلك رسول الله، فقال: إنَّما هو جبريلُ، لم أرَه على صورته التي خُلق عليها غيرَ هاتين المرَّتين، ورأيتُه مُنهَبِطاً من السَّماء، سادَّاً عِظَمُ خَلقِه ما بين السَّماءِ إلى الأرض». فقالت: أوَلم تسمع أنَّ الله تبارَك وتعالى يقول: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[الانعام:103]، أوَ لم تسمَع أنَّ الله يقول: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا...} إلى قوله: {عَلِيٌّ حَكِيمٌ}[الشورى:51].
          قالت: ومن زعَم أنَّ رسول الله كتَم شيئاً من كتاب الله فقد أعظَم على الله الفِريةَ، والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}[المائدة:67].
          قالت: «ومن زعَم أنَّه يُخبر بما يكون في غدٍ فقد أعظمَ على الله الفريةَ»، والله تعالى يقول: {قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ}[النمل:65].
          وفي حديث أبي موسى محمَّدِ بن المثنَّى عن عبد الوهابِ الثَّقفيِّ عن داودَ / نحوُه، وزاد: قالت: «ولو كان محمدٌ كاتماً شيئاً ممَّا أُنزِل عليه لكتَم هذه الآية: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ}[الأحزاب:37]».
          وأخرَج البخاريُّ طرفاً منه من حديث عبد الله بن عَونٍ عن القاسم عن عائشة قالت: «من زعَم
          أنَّ محمَّداً رأى ربَّه فقد أعظَم، ولكن قد رأى جبريلَ في صورتِه وخَلقِه، سادَّاً ما بين الأُفق». [خ¦3234]


[1] قَفَّ شَعْري: أي؛ قام وارتفع من الفزع والاستعظام.(ابن الصلاح).
[2] سقطت هذه الفقرة من (ظ).
[3] قابَ قوسين: أي؛ قدْرَ قوسين، وقال مجاهد: قابَ قوسين؛ أي قدْر ذراعين، يقال: بيني وبينه قدْرُ رمحٍ وقادَ رمحٍ وقِيْدَ رمحٍ وقَرَى رمحٍ، قال: والقوسُ الذراع بلغة أزْدِ شَنُوءَة.(ابن الصلاح نحوه).
[4] الفِرْيَة: الكذب المختلق.(ابن الصلاح).