الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: كان رسول الله إذا اغتسل من الجنابة

          3166- السَّادس عشرَ: عن حنظلةَ بنِ أبي سفيانَ عن القاسم بنِ محمد عن عائشَةَ قالت: «كان رسول الله إذا اغتسل من الجنابة دعا بشيءٍ نحوِ الحِلاب، فأخذ بكفِّه بدأ بشقِّ رأسه الأيمنِ، ثم الأيسر، ثم أخَذ بكفَّيه فقال بهما على رأسه». [خ¦258]
          وأخرجا جميعاً من حديث ابنِ شهاب عن عُروَةَ عن عائشَةَ: «أنَّ رسول الله كان يغتَسِل من إناءٍ _هو الفَرَق_ من الجنابة».
          وفي حديث ابنِ أبي ذئب عن الزُّهريِّ قالت: «كنتُ أغتسل أنا والنَّبي من إناءٍ واحدٍ من قَدَح يقال له الفَرَق».
          وفي حديث اللَّيثِ وسفيان بنِ عُيينة عن الزُّهريِّ نحوُه. قال سفيان: والفَرَق ثلاثة آصُع. / [خ¦250]
          قال أبو عُبيد الهَروي في كتابه في «الغريبين»(1) : الفَرَق بالفتح ستَّة عشرَ رطلاً، والفَرْق بالتسكين مئةٌ وعشرونَ رطلاً.
          وقد حكى أبو مسعود في أفراد مسلمٍ من ترجمةِ هشام بنِ عروةَ عن أبيه أنَّ مسلماً أخرجه من حديثِ هشامٍ عن أبيه، وليس فيما عندنا من كتاب مسلمٍ إلَّا الزُّهري عن عُروَةَ.
          وأخرجا أيضاً من حديث أبي بكرٍ عبد الله بن حفصِ بن عمرَ بنِ سعد، عن أبي سلمةَ بنِ عبد الرحمن قال: دخلتُ على عائشةَ أنا وأخوها من الرَّضاعة، «فسألها عن غُسل رسول الله من الجنابة، فدعتْ بإناءٍ قَدْر الصَّاع، فاغتسلتْ _وبيننا وبينها سِترٌ_ وأفرغت على رأسِها ثلاثاً، قال: وكان أزواجُ النَّبي يأَخُذْنَ من رؤوسِهنَّ حتى يكونَ كالوَفْرَة».
          وفي حديث عبدِ الصَّمد عن شُعبةَ: «نحواً من صاع». [خ¦251]
          قال البخاريُّ: وقال يزيدُ بن هارونَ وبَهْز والجُدِّيُّ عن شعبةَ: «قَدْر صاع».
          جمع مسلمٌ هذه الأحاديثَ في موضعٍ واحد، وتأوَّلها على ما ظهَر من جمعه لها ومن التَّرجمة المذكورة في حاشية كتابه على أنَّه عَنى بها المقاديرَ والآنيةَ، وجعَل حديثَ الحِلاب معها.
          وفي كتاب البخاري ما ربُّما ظنَّ الظانُّ أنَّه قد تأوَّله على أنَّه نوعٌ من الطيب يكونُ قبل الغسل؛ لأنَّه ترجم البابَ بذلك، فقال: بابُ من بدأ بالحِلاب والطيب عند الغسل، وفي بعض النسخ: أو الطيب، ثم ذكَر الحديثَ ولم يذكر غيرَه / في الباب.
          وقد ذكر أبو عُبيد الهَروي في «الغَريبينَ»،(2) في باب الحاء، فقال: وفي الحديث: «كان إذا اغتسل دعا بإناءٍ نحو الحِلاب»، قال: والحِلابُ والمِحلَب الإناءُ الَّذي تحلب فيه ذواتُ الألبان، ثم رأيت بعد ذلك لأبي سليمانَ أحمدَ بنِ محمد بنِ إبراهيمَ الخطابيِّ قال: الحِلاب إناءٌ يسعُ قَدْرَ حَلْبَة ناقة، قال: وقد ذكره محمدُ بن إسماعيلَ في كتابه، وتأوَّله على استعمال الطيبِ في الطُّهور، قال: وأحسبُه توهَّم أنَّه أُريدَ به المحلبُ الذي يُستعمَلُ في غَسْلِ الأيدي، وليس هذا من الطِّيب في شيءٍ، وإنَّما هو على ما فسَّرتُ من ذلك(3).


[1] الغريبين:51440.
[2] الغريبين:2480.
[3] في (ظ): (على ما فيه من ذلك).وقال في «تفسير الغريب»: في الرواية: (كان إذا اغتسل دعا بشيء نحوِ الجلاب): وعند الهروي في باب الحاء (كان إذا اغتسل دعا بشيء نحوِ الحِلاب)، قال: والحِلاب والمِحْلَب الإناء الذي تُحلب فيه ذواتُ الألبان، قال في باب الجيم: (كان إذا اغتسل دعا بشيء مثل الجُلاب فأخذه بكفه فبدأ بشق رأسه الأيمن ثم الأيسر)، وقال الأزهري: أراد بالجُلاب ها هنا ماءَ الورد وهو فارسي معرب، والله أعلم.قال الهروي: أراد: دعا بشيء مثل الحِلاب؛ والحِلاب والمِحْلَب الإناء الذي تُحلَب في ذوات الحلْبِ، وقوله في حديث آخر:(كان إذا اغتسل دعا بإناء) يدل على أنه المِحلب، وفي كتاب البخاري فيه إشكال: ربما ظن الظان أنه قد تأوله على الطِّيب؛ لأنه ترجم الباب بذلك: باب من بدأ بالحِلاب والطيب عند الغسل، وفي بعض النسخ أو الطيب، ثم ذكر الحديث، ولم يذكر في الباب غيره، وأمَّا مسلمٌ فجمع الأحاديث بهذا المعنى في موضع واحد، وحديث الحِلاب معها، ودلَّ بذلك من فعله على أنَّه عَنَى المقادير والآنية، والله أعلم.(ابن الصلاح نحوه).