الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: استأذن حسان بن ثابت رسول الله في

          3251- الأوَّلُ(1) بعد المئةِ: عن هشام بن عروةَ عن أبيه عن عائشَةَ قالت: «استأذنَ حسَّانُ بن ثابتٍ رسول الله في هجاء المُشرِكين، فقال رسول الله: فكيف بنَسَبي؟ فقال حسَّانُ: لأسُلنَّك منهم كما تُسَلُّ الشعرةُ من العجين».
          كذا في حديث عَبدةَ عن هشام، وفيه عن هشام عن أبيه قال: ذهبتُ أسُبُّ حسانَ عند عائشةَ، فقالت: «لا تسُبَّه، فإنَّه كان يُنافِح عن رسول الله صلعم». / [خ¦3531]
          وفي حديث أبي أسامةَ وغيرِه عن هشام عن أبيه قال: إنَّ حسانَ بن ثابتٍ كان ممن كثَّر على عائشةَ فسببتُه، فقالت: «يا ابن أختي؛ دعْهُ...»، وذكَر باقيَ الحديث.
          وفي حديث يحيى بنِ زكريا عن هشام عن أبيه عنها قالت: «قال حسانُ: يا رسولَ الله؛ ائذَنْ لي في أبي سفيانَ، قال: كيف بقَرابَتي منه؟ قال: والذي أكرمَك! لأسُلنَّكَ منهم كما تُسَلُّ الشعرةُ من الخَمير، فقال حسانُ:
وإنَّ سَنامَ(2) المجدِ من آلِ هاشمٍ                     بنُو بنتِ مَخزومٍ ووالدُك العبدُ
          قصيدَته هذه».
          [وأخرج البخاريُّ تعليقاً من حديث ابن أبي الزنادِ عن أبيه عن عُروَةَ عن عائشَةَ قالت: «كان النَّبيُّ يضعُ لحسانَ منبراً في المسجد يقومُ عليه قائماً يُفاخرُ عن رسول الله _أو ينافحُ_ ويقول رسول الله: إنَّ الله يؤيِّد حسانَ بروح القدسِ ما نافحَ _ أو فاخر _ عن رسول الله»] (3).
          وأخرج مسلمٌ من حديث محمَّدِ بن إبراهيمَ بن الحارث بن خالد التَّيميِّ عن أبي سلمةَ بن عبد الرحمن عن عائشَةَ أنَّ رسول الله قال: «اهجُوا قريشاً، فإنَّه أشدُّ عليها من رَشْقِ النَّبلِ(4). فأرسل إلى ابن رواحةَ فقال: اهجُهُم. فهجاهم، / فلم يرضَ، فأرسل إلى كعب بنِ مالكٍ، ثم أرسل إلى حسانَ بنِ ثابت، فلما دخل عليه قال حسَّانُ: قد آنَ لكم أن تُرسلوا إلى هذا الأسدِ الضَّاربِ بذَنَبه، ثم أدْلعَ(5) لسانَه فجعل يُحرِّكه، فقال: والذي بعثكَ بالحق لأَفرِينَّهم(6) بلساني فَرْيَ الأديمِ، فقال رسول الله: لا تعجَلْ، فإنَّ أبا بكرٍ أعلمُ قريشٍ بأنسابها، وإنَّ لي فيهم نسباً حتى يُلَخِّصَ لك نسبي. فأتاه حسانُ ثم رجع فقال: والذي بعثك بالحق لأسُلَّنَّك منهم كما تُسَلُّ الشَّعرةُ من العجين.
          قالت عائشةُ: فسمعتُ رسول الله يقول لحسانَ: إنَّ روحَ القدسِ لا يزالُ يُؤيِّدك ما نافحتَ عن الله ورسوله. وقالت: سمعتُ رسول الله يقول: هجاهُم حسَّانُ فشَفى وَاشْتَفى.
          قال حسَّانُ:
هجوتَ محمَّداً فأجبتُ عنه                     وعندَ الله في ذاكَ الجزاءُ
هجَوتَ محمَّداً برَّاً تقيَّاً                     رسولَ الله شيمتُه(7) الوفاءُ
فإنَّ أبي ووالدَه وعِرضي                     لعِرض محمَّدٍ منكم وِقاءُ(8) /
ثكِلتُ بُنَيَّتي إن لم تَرَوها                     تُثير النقْعَ(9) من كَنَفَي كَدَاءُ
يُبارينَ الأعنَّة(10) مُصعِداتٍ(11)                     على أكنافها الأسَلُ(12) الظِّماءُ(13)
تَظلُّ جيادُنا متمطِّراتٍ(14)                     تُلطِّمُهنَّ بالخُمُر(15) النساءُ
فإن أعرضتُمُ عنَّا اعتمرنا                     وكان الفتحُ وانكشفَ الغطاءُ
وإلَّا فاصبِروا لضِرابِ يومٍ                     يُعِزُّ الله فيه من يشاءُ
وقال الله قد أرسلتُ عبداً                     يقول الحقَّ ليس به خفاءُ
وقال الله قد يسَّرتُ جنداً                     هم الأنصارُ عُرضتُها اللِّقاءُ
تلاقي كلَّ يومٍ من مَعدٍّ                     سِبابٌ أو قِتالٌ أو هجاءُ
فمن يَهجو رسولَ الله منكم                     ويمدحُه وينصرُه سواءُ! /
وجبريلٌ رسول الله فينا                     وروحُ القُدْس(16) ليس له كِفاءُ»(17)(18)


[1] في هامش (ابن الصلاح): (سع: الحادي).
[2] السَّنَام: أعلى الشيء.(ابن الصلاح).
[3] وكذا نسبه المزي في «التحفة» ░16351▒ إلى البخاري! قال الحافظ ابن حجر: لكني لم أره فيه.
[4] الرِّشْق: الوَجه من الرمي، إذا رَمى القومُ بأجمعِهم، قالوا: رَمَينا رِشْقاً، بكسر الراء، وأما الرَّشق بفتح الراء، فهو المصدر.
[5] يقال: دَلَع الرجلُ لسانَه: إذا أخرجه من فيه، ودَلَع اللسانُ نفسُه إذا خرج.
[6] أفريتُ الشيء: إذا شققتَه على جهة الإفساد، فإذا فعلتَ ذلك للإصلاح، قيل: فرَيتُ بغير أَلِف، ويقال: في الذبيحة: أَفْرى الأوداج، بالألف؛ لأنه إفساد لها، وإن كان الأمر يَؤُول إلى صلاح، وهو استعمالها بعد الذكاة، وإنما يُراعى حال الفعل، فَرْيُ الأديم: قطعُ الجزار للجلد.(ابن الصلاح نحوه).
[7] وقع في «غريب الجمع»: السَّليقة: الطبيعة.
[8] كل ما وقى غيره فهو وقاء له؛ أي: ساتر له وحافظ.(ابن الصلاح).
[9] النّقْع: الغبار.(ابن الصلاح).
[10] يُبارِينَ الأعنَّة: أي؛ يجارينها ويسابقنها.(ابن الصلاح).
[11] مُصْعِدات: مُرْتفعات.(ابن الصلاح).
[12] الأسَلُ: الرماح.(ابن الصلاح).
[13] الظِّمَاء: البعيدة العهد بالدخول في الدماء، فهي إليها مسارِعة، استعارة، كالظاميء وهو العطشان الذي بَعُد عهده بالماء، فهو يشتهيه ويسارع إليه.(ابن الصلاح نحوه).
[14] يقال: تَمَطَّر الرجل: إذا تعرَّض للمطر وتَشهَّاه، وتجرد عند وقوعه للتمسح به، وإمراره على جسده، واستعاره حسان للجياد _ وهي الخيل _ أنها معترضات لرشق السهام والأسنة، ووقوع القتال والدخول فيه.(ابن الصلاح نحوه).
[15] الخُمْرَة: كالسجادة، وجمعها خُمُر، وقد قيل: إنه أراد جمع خِمار.(ابن الصلاح نحوه).
[16] رُوحُ القُدُس: قيل: جبريل عليه السلام، والتقديس التطهير، ومنه قوله: {وَنُقَدِّسُ لَكَ} [البقرة:30] أي: نُطهِّر أنفسَنا لك، وقيل: نقدسك ونطهرك من كل ما لا يليق بك.(ابن الصلاح نحوه).
[17] ليس له كِفَاءٌ: أي: مُساوٍ، يقال: هو كُفؤك وكِفاؤك؛ أي: مساوٍ لك ونظيرٌ لك.(ابن الصلاح نحوه).
[18] في هامش (ابن الصلاح): (بلغ).أخرجه مسلم ░2490▒ من طريق سعيد بن أبي هلال عن عمارة بن غزية عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة به.