الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: أن النبي سحر حتى كان يخيل إليه

          3254- الرَّابعُ بعد المئةِ: عن هشام بن عروةَ عن أبيه عن عائشَةَ: «أنَّ النَّبيَّ سُحرَ حتى كان يُخيَّل إليه أنَّه يصنعُ الشَّيءَ ولم يصنعْه». كذا في رواية يحيى بنِ سعيدٍ القطانِ عن هشام مختصَرٌ. [خ¦3175]
          وفي رواية أبي أسامةَ عن هشامٍ بهذا الإسناد قالت: «سُحرَ رسول الله حتى إنَّه ليُخَيَّل إليه فعلَ الشَّيءَ وما فعلَه، حتى إذا كان ذاتَ يومٍ وهو عندي دعا الله ودعاه، ثم قال: أشَعَرتِ يا عائشةُ أنَّ الله قد أفتاني فيما استفتيتُه فيه؟ قلتُ: وما ذاكَ يا رسولَ الله؟ قال: جاءني رجلان، فجلَس أحدُهما عند رأسي والآخرُ عند رجلي، ثم قال أحدُهما لصاحبه: ما وجعُ الرَّجُلِ؟ قال: مَطبوبٌ(1)، قال: ومن طَبَّه؟ قال: لبيدُ بنُ الأعصمِ اليهوديُّ من بني زُرَيق، قال: فيمَ ذا؟ قال: في مُشْطٍ ومُشاطَةٍ(2) وجُفِّ طَلْعةٍ(3) ذكَرٍ، قال: فأين هو؟ قال: في بئر ذي أَرْوانَ _ومن الرُّواة من قال: في بئر ذَروانَ. قال: وذروانُ بئرٌ في بني زُريق_ فذهب النَّبيُّ في أُناسٍ من أصحابه إلى البئر، فنظَر إليها وعليها نخلٌ، قال: ثم رجَع إلى عائشةَ فقال: والله لكأنَّ ماءَها نُقاعَةُ الحِنَّاءِ، ولكأنَّ نخلَها رؤوسُ الشَّياطين. قلت: يا رسولَ الله؛ أفأخرَجتَه؟ قال: لا؛ أمَّا أنا فقد عافاني الله وشفاني، وخشيتُ أن أُثوِّرَ على النَّاس منه شرَّاً. وأمر بها فدُفِنت». /
          وفي حديث عيسى بنِ يونسَ عن هشام نحوُه، قال البخاريُّ: تابعه أبو أسامةَ وأبو ضَمرةَ وابنُ أبي الزنادِ عن هشام، وقال اللَّيثُ وابنُ عيينةَ عن هشام: «في مُشْطٍ ومُشَاقة». [خ¦3268]
          قال البخاريُّ: يقال: المُشاطةُ ما يخرج من الشعر إذا مُشِط، ومُشاقةُ من مُشاقةِ الكَتَّانِ.
          وقد أخرج البخاريُّ حديثَ ابنِ عيينةَ بالإسناد، وفيه: «كان رسول الله سُحِر حتى كان يَرى أنَّه يأتي النِّساءَ ولا يأتيهنَّ»، قال سفيانُ: وهذا أشدُّ ما يكونُ من السِّحر إذا كان كذا، وفيه: «قال: ومن طَبَّه؟ قال: لَبيدُ بن الأعصمِ، رجلٌ من بني زُرَيقٍ، حليفٌ ليهودَ وكان منافقاً، قال: وفيمَ؟ قال: في مُشْط ومُشاقةٍ، قال: وأين؟ قال: في جُفِّ طَلعةٍ ذَكَرٍ تحت راعوفَةٍ(4) في بئر ذَروانَ. قال: فأتى البئرَ حتى استخرجَه، وقال: هذه البئرُ التي أُريتُها». [خ¦5765]
          وفي حديث أبي كُريبٍ عن ابن نُميرٍ قالت: «فقلت: يا رسولَ الله؛ أفلا أحرقتَه؟ قال: لا، أما أنا فقد عافاني الله، وكرهتُ أن أُثيرَ على النَّاس شرَّاً، فأمرتُ بها فدُفنت».


[1] مَطْبُوب: أي: مسحور، ومن طبَّه؛ أي: من سحره، قال أبو بكر ابن الأنباري: الطبُّ حرف من الأضداد، يقال: طِبٌّ لعلاج الداء، وطِبٌ سِحرٌ، وهو من أعظم الأدواء، ورجل طبيب؛ أي: حاذق بالشيء الموصوف به، سمي طبيباً لتطبيبه وحذقه.(ابن الصلاح نحوه).
[2] المُشَاطَة: الشعر الذي يسقط من الرأس واللحية عند التسريح بالمشط.(ابن الصلاح).
[3] جُفُّ الطَّلعَة: وِعاؤها، وهو الغِشاء الذي عليها، ويروى: جُبُّ طَلعة بالباء؛ أي: ما في جوفها.(ابن الصلاح).
[4] رَاعُوفَة البئر ورَاعُونَة: تُقال بالفاء والنون، وهي صخرة تُترك في أسفل البئر إذا احتُفرت، تكون ثابتة هناك، فإذا أرادوا تنقية البئر يقوم عليه المستقي، ويقال: بل هو حَجَر ثابت في بعض البئر، يكون صُلْباً لا يمكنهم إخراجه، ولا كسرُه، فيُترك على حاله.(ابن الصلاح نحوه).