الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: كان يكون علي الصوم من رمضان فما

          3274- الرَّابعُ والعشرونَ بعد المئةِ: عن يحيى بن سعيدٍ الأنصاريِّ عن أبي سلمةَ بن عبد الرحمن عن عائشَةَ قالت: «كان يكون عليَّ الصَّومُ من رمضانَ فما أستطيعُ أن أقضيَ إلَّا في شعبانَ. _قال يحيى:_ ذاك عن الشُّغل من النَّبيِّ، أو بالنَّبيِّ». [خ¦1950]
          وفي رواية سليمانَ بن بلالٍ: «وذلك لمكان رسول الله».
          وأخرجه مسلمٌ من حديثِ محمَّدِ بن إبراهيمَ بن الحارثِ بن خالدٍ التَّيميِّ / عن أبي سلمةَ عن عائشَةَ إنَّها قالت: «إن كانت إحدانا لتُفطِر في زمانِ رسول الله، فما تقدِر على أن تقضيَه مع رسول الله حتى يأتيَ شعبانُ».
          زاد أبو مسعودٍ متصلاً به: [«وما كان يصومُ في شهرٍ ما كان يصوم في شعبانَ، كان يصومُه إلَّا قليلاً، بل كان يصومُه كلَّه»]. ولم أجد هذه الزِّيادةَ فيما عندنا من كتاب مسلم.
          وقد أخرج هذه الزِّيادةَ مع الحديث أبو بكرٍ أحمدُ بن محمَّد بن أحمدَ بن غالب الخوارزمي البرقاني في كتابه «المخرَّجِ على الصَّحيحين» بالإسناد الذي أخرجه به مسلمٌ، ولعل مسلماً حذَفها لأنَّها عنده من وجه آخرَ.
          وقد أخرجا هذه الزِّيادةَ مع زيادةٍ أخرى من حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمةَ أنَّ عائشةَ حدَّثته قالت: «لم يكنِ النَّبيُّ يصومُ شهراً أكثرَ من شعبانَ، فإنَّه كان يصومُ شعبانَ كلَّه، وكان يقول: خذوا من العمل ما تُطيقون، فإنَّ الله لا يَمَلُّ حتى تَمَلُّوا(1). وأحبُّ الصلاةِ إلى النَّبيِّ ما دُووِم عليه وإن قلَّت، / وكان إذا صلَّى صلاةً داوم عليها». لفظُ الحديثِ للبخاريِّ.
          وفي حديث مسلمٍ: «وكان يقول: أحبُّ العملِ إلى الله ما داوَمَ عليه صاحبُه وإن قلَّ». [خ¦1970]


[1] إنَّ الله لا يَمَلُّ حتى تَمَلُّوا: فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنّ الله لا يَملّ أبداً مَللتُم أم لم تمَلُّوا، فجرى هذا مَجرى قول العرب: (حتى يشيب الغراب، وحتى يَبْيَضَّ الفأر).والثاني: أنّ الله لا يطرحكم حتى تتركوا العمل له، وتزهدوا في الرغبة إليه، فسَمى الفعلينِ مَلَلاً، وليس مللاً في الحقيقة، على مذهب العرب في وضع الفعل موضع الفعل، إذا وافق معناه، ومن ذلك قول عديِّ بنِ زيد:
~ثم أضْحَوا لَعِبَ الدهرُ بهم .....................
فجعل إهلاكَه إيَّاهم لعباً.
والثالث: الذي اختاره ابن الأنباري أن يكون المعنى: فإنّ الله لا يقطع عنكم فضله حتى تملوا سؤاله، فسمى فعلَ الله مللاً، وليس بمللٍ، وهو في التأويل على جهة الازدواج، وهو أن تكون إحدى اللفظتين موافقة للأخرى، وإن خالفت معناها، كما قال: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ}، معناه فجازوه على اعتدائه، فسمَّاه اعتداء، وهو عدل لتزدوج اللفظة الثانية مع الأولى، ومنه قوله تعالى: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا}.