الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة

          3324- الرَّابعُ والسَّبعونَ بعد المئةِ:
          أخرجه البخاريُّ من حديث الزُّهريِّ عن عُروَةَ عن عائشَةَ: «أنَّ أبا حذيفةَ بن عُتبةَ بن ربيعةَ ابن عبد شمسٍ _وكان ممَّن شهد بدراً مع النَّبيِّ_ تبنَّى سالماً وأنكحَه بنتَ أخيه الوليدِ بن عتبةَ بن ربيعةَ _وهو مولى لامرأة منَ الأنصار_ كما تبنَّى النَّبيُّ زيداً، وكان من تبنَّى رجلاً في الجاهلية دعاه الناسُ إليه وورَّثه من ميراثه، حتى أنزَل الله: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ...} إلى قوله: {وَمَوَالِيكُمْ}[الأحزاب:5] فرُدوا إلى آبائهم، فمن لم يُعلم له أبٌ كان مولى وأخاً في / الدين، فجاءت سَهلةُ بنتُ سُهيل بن عمرٍو القرشي ثم العامريِّ وهي _امرأةُ أبي حذيفةَ_ النَّبيَّ فقالت: يا رسولَ الله؛ إنَّا كنَّا نرى سالماً ولداً وقد أنزَل الله فيه ما قد علمت...» وذكَر الحديثَ [خ¦5088]. هكذا هو عند البخاريِّ لم يخرج تمامَه، وقد وقَع الحديثُ لنا بطوله من حديث أبي اليمانِ عن شعيبٍ عن الزُّهريِّ.
          وأخرجه أبو بكرٍ البرقانيُّ في كتابه بطوله من حديث أبي اليمانِ أيضاً، وعنه أخرَج البخاريُّ ما أخرَج منه، وفيه بعد قولِها وكنَّا نرى سالماً ولداً: [«وكان يأوي معي ومع أبي حذيفةَ في بيت واحدٍ، ويراني فُضلاً(1)، وقد أنزل الله ما قد علِمت، فكيف ترى يا رسولَ الله؟ فقال لها رسول الله: أَرضِعيه. فأرضَعته خمسَ رضَعاتٍ، فكان بمنزلة ولدِها من الرضاعة»، فبذلك كانت عائشةُ تأمر بناتِ إخوتِها وبناتِ أخواتِها أن يُرضعنَ من أحبَّتْ عائشةُ أن يراها ويدخُل عليها وإن كان كبيراً خمسَ رضعاتٍ، ثم يدخُل عليها، وأبت أمُّ سلمةَ وسائرُ أزواجِ النَّبيِّ أن يدخُلنَ عليها بتلك الرضاعةِ أحداً من الناس حتى يرضَعَ في المهد، وقُلن لعائشةَ: «والله ما ندري لعلها رخصةٌ لسالم من رسول الله دون الناسِ»].
          وقد أخرَج مسلمٌ مجيءَ سَهلةَ في ذلك من حديث عبد الرحمن بن القاسمِ بن محمد بن أبي بكرٍ الصديقِ عن أبيه عن عائشَةَ قالت: جاءت سَهلةُ بنتُ سُهَيلٍ إلى النَّبيِّ فقالت: يا رسولَ الله؛ إنِّي أرى في وجه أبي حُذيفةَ من دخول سالمٍ وهو حَليفُه، فقال النَّبيُّ: «أَرضِعيه». قالت: وكيف أُرضعه وهو رجلٌ / كبير؟! فتبسَّم رسول الله، وقال: «قد علمتُ أنَّه رجلٌ كبيرٌ. وكان قد شهد بدراً».
          وأخرجه أيضاً من حديث عبد الله بن عُبيد الله بن أبي مُليكةَ عن القاسم(2) عن عائشَةَ: «أنَّ سالماً مولى أبي حذيفةَ كان مع أبي حذيفةَ وأهلِه في بيتهم، فأتت _يعني سَهلةَ بنتَ سُهَيلٍ_ النَّبيَّ فقالت: إنَّ سالماً قد بلغ ما يبلغ الرِّجالُ، وعقل ما عقلوا، وإنَّه يدخل علينا، وإني أظنُّ أنَّ في نفس أبي حذيفةَ من ذلك شيئاً، فقال لها النَّبيُّ: أَرضِعيه تَحرُمي عليه ويذهبِ الذي في نفس أبي حُذيفةَ. فرجعت فقالت: إنِّي قد أرضَعتُه فذهَب الذي في نفس أبي حذيفةَ».
          وأخرج أيضاً من حديث زينبَ بنتِ أمِّ سلمةَ قالت: قالت أمُّ سلمةَ لعائشةَ: إنَّه يدخل عليكِ الغلامُ الأيفعُ(3) الذي ما أُحبُّ أن يدخل عليَّ، قالت: فقالت عائشةُ: أما لكِ في رسول الله أُسوةٌ؟ وقالت: «إنَّ امرأةَ أبي حذيفةَ قالت: يا رسولَ الله؛ إنَّ سالماً يدخل عليَّ وهو رجل، وفي نفس أبي حذيفةَ منه شيءٌ، فقال رسول الله: أَرضِعيه حتى يدخُلَ عليكِ».
          وفي حديث بُكيرِ بن الأشجِّ عن حُميدِ بن نافعٍ عن زينبَ: أنَّ أمَّ سلمةَ قالت لعائشةَ: والله ما تطيبُ نفسي أن يراني الغلامُ وقد استغنى عن الرَّضاعة، فقالت: / لمَ؟ «قد جاءت سَهْلةُ بنتُ سُهَيلٍ إلى رسول الله فقالت: يا رسولَ الله؛ والله إنِّي لَأرى في وجه أبي حذيفةَ من دخول سالم». فذكر نحوَه بمعناه، وفيه: «أَرضِعيه يذهبْ ما في وجه أبي حُذيفةَ».
          وليس لزينبَ بنتِ أبي سلمةَ عن عائشَةَ في «الصَّحيح» غيرُ هذا.
          وفي حديث أبي عُبيدةَ بن زَمعةَ عن أمِّه زينبَ عن أمها أمِّ سلمةَ إنَّها كانت تقول: أبى سائرُ أزواجِ النَّبيِّ أن يُدخلنَ عليهنَّ أحداً بتلك الرَّضاعةِ، وقُلنَ لعائشةَ: «ما نرى هذا إلا رخصةً أرخصَها رسول الله لسالمٍ خاصَّةً، فما هو بداخل علينا أحدٌ بهذه الرَّضاعةِ، ولا رائينا».
          ولمسلمٍ من حديث يحيى بنِ سعيدٍ الأنصاري عن عَمرَةَ عن عائشَةَ إنَّها قالت وهي تذكر الذي يحرُم من الرَّضاعة: «نزَل في القرآن: عشْرُ رَضَعاتٍ معلومات، ثم نزَل أيضاً: خمسٌ معلومات».
          وأخرجه أيضاً من حديث مالكٍ عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرِو بن حَزمٍ عن عَمرَةَ عن عائشَةَ إنَّها قالت: «كان فيما أُنزِل من القرآن: عشرُ رَضَعاتٍ معلومات يُحرِّمنَ، ثم نُسخنَ بخمسٍ معلومات، فتوفِّي رسول الله وهي فيما يُقرأ منَ القرآن».
          زاد أبو مسعودٍ متصلاً به قال: [فبلغني أنَّ عائشةَ كان لا يراها أحدٌ إلا أحدٌ أُرضع خمسَ رَضَعات]. /


[1] رجل فَضل: عليه رداء وقميص وليس عليه إزار ولا سراويلُ، ويقال: للمتوشح بثوب متفضِّل.(ابن الصلاح نحوه).
[2] زاد في: (ت): (عن أبيه).
[3] أيفَعَ الغلامُ فهو يافعٌ، ولا يقال: مُوْفَع، وذلك إذا شارف الاحتلام ولم يحتلم بعد، وجمع اليافع أيفَاع، ويقال: يافع ويفَعَة، فمن قال: يافع ثنَّى وجمع، ومن قال: يفَعَة قال ذلك في الاثنين والجمع بلفظ واحد.(ابن الصلاح نحوه).