الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: بينا أنا نائم رأيتني على قليب

          2199- الحادي والثَّلاثون: عن الزهريِّ عن سعيدٍ عن أبي هريرةَ قال: / سمعتُ رسولَ الله صلعم يقول: «بينا أنا نائمٌ رأيتُني على قَليبٍ(1) عليها دلوٌ، فنَزعتُ(2) منها ما شاء الله، ثمَّ أخذَها ابن أبي قُحافةَ، فنزعَ بها ذَنوباً(3) أو ذَنوبَين، وفي نَزْعِه ضَعْفٌ _والله يغفرُ له_ ثمَّ استحالَتْ(4) غَرْباً(5)، فأخذَها ابنُ الخطَّاب، فلم أرَ عبقَريَّاً(6) من النَّاس ينزِعُ نزْعَ عمرَ، حتَّى ضربَ النَّاسُ بعَطَنٍ(7)». / [خ¦3664]
          وأخرجه البخاريُّ من حديثِ همَّامٍ عن أبي هريرةَ: أنَّ رسولَ الله صلعم قال: «بينا أنا نائمٌ رأيتُ أنِّي على حوضٍ أسقي النَّاسَ، فأتاني أبو بكرٍ فأخذ الدَّلوَ من يدِي لِيُريحَني، فنزعَ ذَنوبَين وفي نزْعِه ضعْفٌ _والله يغفرُ له_ فأتى ابنُ الخطَّاب فأخذَ منه، فلم يزلْ ينزِعُ حتَّى تولَّى النَّاس والحوضُ يتفجَّر!». [خ¦7022]
          وأخرجه مسلمٌ من حديث صالحِ بن كَيسانَ عن الأعرجِ عن أبي هريرةَ: أنَّ رسولَ الله صلعم قال: «رأيتُ ابنَ أبي قُحافةَ ينزِعُ...» بنحوِ حديث الزهريِّ.
          ومن حديثِ أبي يونُسَ سُليم بن جُبيرٍ مولى أبي هريرةَ عن أبي هريرةَ عن رسول الله صلعم قال: «بينا أنا نائمٌ رأيتُ أنِّي أنزِعُ على حوضِي أسقِي النَّاسَ، فجاءني أبو بكرٍ فأخذَ الدَّلوَ من يدي ليروِّحَني، فنزعَ دَلْوين وفي نَزْعِه ضَعْفٌ _والله يغفر له_ فجاءَ ابنُ الخطَّاب فأخذَ منه، فلم أرَ نزْعَ رجلٍ قطُّ أقوى، حتَّى تولَّى النَّاسُ والحوضُ ملآنُ يتفجَّر!».


[1] القَليبُ: البئر قبل أن تُطوى، فإذا طويَت فهي الطَّوِيُّ.
[2] النَّزْع من البئر: الاستقاءُ، وأصل النزع المدُّ إليك، والمستقي يمُدُّ الدَّلو إلى نفسه، والنزعُ في القوس مدُّ النازع وتَرها إليه.
[3] الذَّنوب السَّجْل: الدَّلو العظيمة.
[4] استحال الشيءُ: تحوَّلَ من حالةٍ إلى غيرها، قال ابن الأنباريِّ: هذا مَثَلٌ معناه أنَّ عمرَ لمَّا أخذ الدلوَ عظُمت في يده؛ لأنَّ الفُتوحَ كانت على عهده أكثرَ ما كانت على عهد أبي بكرٍ لانشغاله بارتداد العرب، والسعي في ردِّهم إلى الإسلام، ومعنى استحالت: انتقلت من الصغر إلى الكبر.
[5] الغَرْب: الدلو العظيمة أيضاً، فإذا فُتِحت الراء، فهو الماء السائل بين البئر والحوض.
[6] قال أبو عمرِو ابنُ العلاء في العَبقَريِّ: يقال هذا عبقريُّ القومِ كقولهم هذا سيِّد القوم وكبيرهم، وقال ابن الأنباريِّ: الأصل أن عبقرَ عندهم قريةٌ يسكنها الجنُّ يَنسبونَ إليها كل فائقٍ جليلٍ، كأنَّه من عمل الجنِّ الذي لا يقدر عليه الإنس، ومنه قيل للديباجِ عبقريٌّ، وللبسُط عبقريٌّ، ولكلِّ ما استُجيدَ واستُغربَ.
[7] حتى ضَربَ الناسُ بعَطَن: حتى روُوا وأروَوا إبلَهم، واتخذوا لها عطَناً تبركُ فيه عزماً على الإقامةِ التي أغنتهم عن التَّتبُّع وطلب الماء، يقال: عطنتِ الإبلُ: فهي عاطنةٌ وعواطنُ، إذا بركت عند الحياض لتُعاد إلى الشرب مرةً أخرى، وأعطنتُها أنا: اتخذت لها عطناً، والعطَن: مبركُ الإبل حول الماء، وجمعه أعطانٌ، والأعطان للإبلِ كالمرابضِ للشاء، وهي المواضع التي تربضُ فيها، وتأوي إليها عند رجوعها من المرعى،وقيل: لا تكون أعطانُ الإبلِ إلا على الماء، فأما مَبارِكُها في البريَّة وعند الحيِّ فهو المأوى، ويكون مناخُها مُراحاً أيضاً.