الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين

          2360- الثَّاني والتِّسعون بعد المئة: عن نُعيم بن عبد الله المُجْمِر عن أبي / هريرةَ عن النَّبيِّ صلعم أنَّه قال: «إنَّ أمَّتي يُدعَون يومَ القيامة غُرَّاً(1) محجَّلينَ(2) من آثار الوضوءِ، فمن استطاعَ منكُم أن يُطيلَ غرَّتَه فليفعَلْ». [خ¦136]
          وفي رواية عمارةَ بن غُزيَّةَ الأنصاريِّ عن نعيمٍ قال: «رأيتُ أبا هريرةَ يتوضَّأ، فغسل وجهَه فأسبغَ الوضوءَ، ثمَّ غسل يدَه اليمنى حتَّى أشرعَ في العضُد، ثمَّ يدَه اليسرى حتَّى أشرعَ في العضُد، ثمَّ مسح رأسَه، ثمَّ غسلَ رجلَه اليمنى حتَّى أشرعَ في السَّاق، ثمَّ غسل رجلَه اليسرى حتَّى أشرعَ في السَّاق، ثمَّ قال لي: هكذا رأيتُ رسول الله صلعم يتوضَّأ» وقال: قال رسول الله صلعم: «أنتم الغرُّ المحجَّلونَ يومَ القيامة من إسباغِ الوضوءِ، فمن استطاعَ منكُم فليُطِلْ غُرَّته وتحجيلَه».
          وفي حديث عمرو بن الحارثِ عن سعيد بن أبي هلالٍ عن نعيمٍ: أنَّه رأى أبا هريرةَ يتوضَّأ، فغسل وجهَه ويدَيه حتَّى كاد يبلغُ المنكبَين، ثمَّ غسل رجلَيه حتَّى رفع إلى السَّاقَين، ثمَّ قال: سمِعتُ رسولَ الله صلعم يقول: «إنَّ أمَّتي يأتون غُرَّاً محجَّلينَ من أثر الوضوءِ، فمن استطاعَ منكم أن يطيلَ غُرَّته فليفعَلْ»(3).
          وأخرجه مسلمٌ من حديث أبي حازمٍ سلمانَ مولى عزَّةَ عن أبي هريرةَ، وفي الألفاظ اختلافٌ بين الرُّواةِ، ففي رواية خلفِ بن خليفةَ عن أبي مالكٍ الأشجعيِّ عن أبي حازمٍ أنَّه قال: كنت خلفَ أبي هريرةَ وهو يتوضَّأُ للصَّلاة، فكان يمدُّ يده / حتَّى يبلُغَ إبطَه، فقلت له: يا أبا هريرةَ؛ ما هذا الوضوءُ؟ فقال: يا بني فَرُّوخَ؛ أنتم ها هنا؟ لو علمتُ أنَّكم ها هنا ما توضَّأتُ هذا الوضوء، سمِعتُ خليلي صلعم يقول: «تبلغُ الحِليةُ من المؤمنِ حيثُ يبلغُ الوضوءُ». لم يزد.
          وفي رواية ابن فُضيلٍ عن أبي مالكٍ: أنَّ رسولَ الله صلعم قال: «ترِدُ عليَّ أمَّتي الحوضَ وأنا أذودُ النَّاسَ عنه كما يذودُ الرَّجل إبلَ الرَّجلِ عن إبلِه. قالوا: يا نبيَّ الله؛ تعرِفُنا؟ قال: نعم(4)، لكم سِيما ليست لأحدٍ غيرِكم، ترِدُونَ عليَّ غُرَّاً محجَّلينَ من آثار الوضوءِ، وليُصدَّنَّ(5) عنِّي طائفةٌ منكم فلا يصِلونَ(6)، فأقول: يا ربِّ؛ هؤلاء من أصحابي، فيجيبُني مَلَكٌ فيقول: وهل تدري ما أحدثوا بعدَك».
          وفي رواية مروانَ الفَزاريِّ عن أبي مالكٍ: أنَّ رسولَ الله صلعم قال: «إنَّ حوضي أبعدُ من أَيلةَ من عدنٍ، لهُوَ أشدُّ بياضاً من الثَّلج، وأحلى من العسلِ باللَّبن، ولَآنيَتُه أكثرُ من عددِ النُّجومِ، وإنِّي لأصدُّ النَّاسَ عنه كما يصدُّ الرَّجل إبلَ النَّاسِ عن حوضِه. قالوا: يا رسولَ الله؛ أتعرفُنا يومئذٍ؟ قال: نعم؛ لكم سِيما ليست لأحدٍ من الأممِ، ترِدونَ عليَّ غُرَّاً محجَّلينَ من أثر الوضوءِ».
          ومن حديث مالكٍ وعبد العزيز بن محمَّدٍ الدراورديِّ وإسماعيلَ بن جعفرٍ عن العلاء بن عبد الرَّحمنِ عن أبيه عن أبي هريرةَ: أنَّ رسولَ الله صلعم أتى المقبرةَ فقال: «السَّلامُ عليكُم دارَ قومٍ مؤمنينَ، وإنَّا إن شاء اللهُ بكم لاحقونَ(7)، / وودِدتُ أنَّا قد رأينا إخوانَنا. قالوا: أوَلسنا إخوانَك يا رسولَ الله؟! قال: أنتم أصحابي، وإخوانُنا الَّذين لم يأتوا بعدُ. فقالوا: كيف تعرفُ من لم يأتِ بعدُ من أمَّتِك يا رسولَ الله؟ فقال: أرأيتَ لو أنَّ رجلاً له خيلٌ غُرٌّ محجَّلةٌ(8) بين ظهرَي خيلٍ دُهمٍ(9) بُهمٍ(10)، ألا يعرفُ خيلَه؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فإنَّهم يأتونَ غُرَّاً محجَّلينَ من الوضوء، وأنا فرَطُهم(11) على الحوضِ، ألا ليُذادَنَّ(12) رجالٌ عن حوضي كما يُذادُ البعيرُ الضَّالُّ، أناديهم: ألا هلمَّ، فيقال: إنَّهم قد بدَّلوا بعدك، فأقول: سُحْقاً سُحْقاً(13)».
          وفي حديث مالكٍ: «فليُذادَنَّ رجالٌ عن حوضي».


[1] الغُرَّة: بياض في الجبهة، وغرة كل شيء أكرمه، والغرر ثلاث من أول الشهر، والغرر في الجباه وربما امتدت.
[2] والتَّحجيلُ: بياضٌ في الرجلين وربما امتد.
[3] قال الحافظ المقدسي رحمه اللهُ في رواية عمارةَ بن غُزيَّةَ الأنصاريِّ وعمرو بن الحارثِ: هاتان الروايتان لمسلم.اهـ.قلنا: هما فيه برقم: ░246▒.
[4] بدأت هنا المقابلة على نسخة: (الحموي).
[5] في (الحموي): (فيصدنّ)، وما أثبتناه من (ت) موافق لنسختنا من رواية مسلم.
[6] زاد في (الحموي): (إليّ) وأشار أنها نسخة: (ص)، وما أثبتناه من (الحموي) موافق لنسختنا من رواية مسلم.
[7] في (الحموي): (لَلاحقون)، وما أثبتناه من (ت) موافق لنسختنا من رواية مسلم.
[8] في (الحموي): (محجلون)، وما أثبتناه من (ت) موافق لنسختنا من رواية مسلم.
[9] الدُّهمة: السواد.
[10] البَهيمُ: هو الذي لا يخلط لونَه لونٌ سواه، والبهيم يوصف به الحيوان والليل.
[11] الفَرَط: المتقدم.
[12] في (ت): (يذادون)، وما أثبتناه من (الحموي) موافق لنسختنا من رواية مسلم.
ليُذادَنَّ: ليُطردن، ذاده يذوده إذا طرده.
[13] سُحْقاً له: أي؛ بعداً، والسحيق البعيد.