الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: كان رجل يسرف على نفسه فلما حضره

          2277- التَّاسع بعد المئة: وفيه حديثان عن الزهريِّ عن حُميد بن عبد الرَّحمن عن أبي هريرةَ عن النَّبيِّ صلعم قال: «كان رجلٌ يسرفُ على نفسِه(1)، فلمَّا حضرَه الموتُ قال لبنيه: إذا أنا متُّ فأحرقوني ثمَّ اطحنوني، ثمَّ / ذُرُّوني في الرِّيح، فوالله لئن قدَر عليَّ ربِّي(2) ليعذِّبَنِّي عذاباً ما عذَّبه أحداً، فلمَّا مات فُعلَ به ذلك، فأمر الله الأرضَ فقال: اجمعي ما فيكِ منه ففعلَتْ، فإذا هو قائمٌ، فقال: ما حملكَ على ما صنعتَ؟ قال: يا ربِّ، وفي حديث عبد الرَّزَّاق عن معمرٍ: قال(3) : خشيَتُك يا ربِّ، أو قال: مخافتُك يا ربِّ، فغفرَ له بذلكَ».
          وفي حديث هشامِ بن يوسفَ عن معمرٍ: «فغفرَ له». قال البخاريُّ: وقال غيره: «خشيتُكَ»(4). [خ¦3481]
          وفي حديث الزُّبيديِّ عن الزهريِّ قال: «فقال الله ╡ لكلِّ شيءٍ أخذ منه شيئاً: أدِّ ما أخذتَ منه»(5).
          وعند مسلمٍ من حديث عبد الرَّزَّاق عن معمرٍ قال: قال لي الزهريُّ: ألا أحدِّثُك بحديثَين عجيبَين!: قال الزهريُّ: أخبرني حُميد بن عبد الرَّحمن بن عوفٍ عن أبي هريرةَ عن النَّبيِّ صلعم قال: «أسرف رجلٌ على نفسِه، فلمَّا حضرَه الموتُ أوصى بنيه فقال: إذا أنا متُّ فأحرِقوني، ثمَّ اسحقوني، ثمَّ اذروني في الرِّيحِ في البحر، فوالله لئن قدَر عليَّ ربِّي ليعذِّبَنِّي عذاباً ما عذَّبَه أحداً، قال(6) : ففعلوا ذلك، فقال للأرض: أدِّ ما أخذتِ، فإذا هو قائمٌ، فقال له: ما حملكَ على ما صنعتَ؟ قال: خشيتُكَ يا ربِّ، أو قال: مخافتُكَ، قال: فغُفرَ له بذلك». /
          قال الزهريُّ: وحدَّثني حُميدٌ عن أبي هريرةَ عن رسول الله صلعم قال: «دخلتِ امرأةٌ النَّارَ في هِرَّةٍ ربطَتْها، فلا هيَ أطعمَتْها، ولا هي أرسلَتْها تأكلُ من خَشَاشِ الأرضِ(7) حتَّى ماتتْ». قال الزهريُّ: ذلك لئلَّا يتَّكل رجلٌ، ولا يأْيَس رجلٌ.
          وأخرجاه من حديث مالكٍ عن أبي الزناد عن الأعرجِ عن أبي هريرةَ: أنَّ رسولَ الله صلعم قال: «قال رجلٌ لم يعملْ حسنةً قطُّ لأهله: إذا متُّ فحرِّقوه، ثمَّ ذُرُّوا نصفَه في البرِّ ونصفَه في البحر، فوالله لئن قدَر الله عليه ليعذِّبَنَّه عذاباً لا يعذِّبُه أحداً من العالمين، فلمَّا مات الرَّجل فعلُوا ما أمرَهم، فأمر الله البرَّ فجمعَ ما فيه، وأمر البحرَ فجمعَ ما فيه، ثمَّ قال: لم فعلتَ هذا؟ قال: من خشيتِكَ يا ربِّ _وأنت(8) تعلمُ_ فغفرَ الله ╡ له». [خ¦7506]


[1] أسرَفَ رجلٌ على نفسِه: أي: أخطأ وجهِلَ وتجاوز الحدَّ في ذلك، وقد فُسِّر على وجوهٍ تتقارب، وقيل في قوله: {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ} [الأعراف:31] أي: لا تأكلوا ما لا يحِلُّ أكلُه، وقيل السَّرَف: مجاوزةُ القَصد في الأكل مما أحلَّ الله ╡، وقال سفيان: الإسرافُ ما أُنفق في غير طاعة الله، وقال إياس بن معاوية: الإسرافُ ما قُصِّر به عن حق الله، والسَّرَفُ: ضد القصد، والسرف الكفر والشك في قوله {مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} [غافر:28] وقال ابن الأعرابي: السرف تجاوز ما حد لك، والسَّرف: وضع الشيء في غير موضعه، والسّرف: الغفلة، يقال: مررت بكم فسرفتكم؛ أي: غفلت عنكم.
[2] في (ق): «قدر الله عليَّ» وفي هامشها نسخة: «لئن قدر عليَّ ربِّي»، وهو الموافق لنسختنا من رواية البخاري.
[3] سقط قوله: (قال) من (ق).
[4] قال الحافظ المقدسي رحمه اللهُ: وهذه للبخاري.اهـ.قلنا: هي فيه برقم: ░3481▒ عن هشام بن يوسف عن معمر عن الزهري به.
[5] قال الحافظ المقدسي رحمه اللهُ عن حديث عبد الرزاق عن معمر وحديث الزبيدي عن الزهري: وهاتان الروايتان لمسلم.اهـ.قلنا: هي فيه برقم: ░2756▒.
[6] سقط قوله: (قال) من (ق).
[7] خَشاشُ الأرضِ: بفتح الخاء دوابُّها وهوامُّها.
[8] في (ت): (وكنت)، وما أثبتناه من (ق) موافق لما في نسخنا من الصحيحين.