الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: لم يكذب إبراهيم النبي قط إلا ثلاث

          2416- الثَّامن والأربعون بعد المئتين: عن محمَّد عن أبي هريرةَ: أنَّ رسول الله صلعم قال: «لم يكذِبْ إبراهيمُ النَّبيُّ قطُّ إلَّا ثلاثَ كَذَباتٍ، ثِنتَين في ذاتِ الله، قوله: {إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات:89]، وقوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا}[الأنبياء:63] وواحدةٌ في شأن سارَةَ، فإنَّه قدِمَ أرضَ جبَّارٍ ومعه سارةُ، وكانت أحسنَ النَّاس، فقال لها: إنَّ هذا الجبَّارَ إنْ يعلَمْ أنَّكِ امرأتي يغلِبْني عليك، فإنْ سألكِ فأخبريه أنَّك أُختي، فإنَّك أُختي في الإسلامِ، فإنِّي لا أعلمُ في الأرضِ مُسلِماً غيري وغيرَكِ، فلمَّا دخل أرضَه رآها بعضُ أهلِ الجبَّار، أتاه فقال: لقد قدِمَ أرضَكَ امرأةٌ / لا ينبغي لها أن تكونَ إلَّا لك، فأرسلَ إليها، فأُتيَ بها، فقام إبراهيمُ إلى الصَّلاة، فلمَّا دخلتْ عليه لم يتمالكْ أن بسطَ يدَه إليها، فقُبِضَت يدُه(1) قبضةً شديدةً، فقال لها: ادعي الله أن يُطلِقَ يدي، ولا أضرُّكِ، ففعلَتْ، فعاد فقُبِضَت أشدَّ من القبضةِ الأولى، فقال لها مثلَ ذلك، ففعلت، فعاد(2) فقُبِضَت أشدَّ من القبضتين الأولَيَين، فقال: ادعي الله أن يُطلِقَ يدي، فلكِ الله ألَّا أضرَّكِ، ففعلَت، وأُطلِقَت يدُه، ودعا الَّذي جاء بها فقال له: إنَّك إنَّما جئتَني بشيطانٍ ولم تأتِني بإنسانٍ، فأخرِجها من أرضي، وأعطِها هاجَرَ. قال: فأقبلتْ تَمشي، فلمَّا رآها إبراهيمُ انصرف، فقال لها(3) : مَهْيَمْ(4)، فقالت: خيراً، كفَّ الله يدَ الفاجر(5)، وأخدَمَ خادِماً». قال أبو هريرةَ: فتلك أمُّكم يا بني ماءِ السَّماء.
          وهو عندهما من حديث جرير بن حازمٍ عن أيُّوبَ مسندٌ. [خ¦3357]
          وهو عند البخاريِّ من حديث حَمَّادٍ عن أيُّوبَ موقوفٌ على أبي هريرةَ بنحوه، وفيه: «بينا هو ذاتَ يومٍ وسارةُ، إذ أتى على جبَّارٍ من الجبابِرةِ، فقيل له: إنَّ ها هنا رجلاً معه امرأةٌ من أحسنِ النَّاس، فأرسَلَ إليه، فسأله عنها فقال: من هذه؟ قال: أختي، فأَتى سارةَ، فقال: يا سارةُ؛ ليس على وجه الأرض مؤمنٌ غيري وغيرُك، وإنَّ هذا سألني فأخبرتُه أنَّكِ أختي، فلا تكذِّبيني، فأرسلَ إليها، فلمَّا / دخلَتْ عليه ذهبَ يتناولُها بيدِه...». ثمَّ ذكر نحوَ ما تقدَّم في منعِه ودعائها إلى آخره. وفيه: «فأخدمَها هاجَرَ». وقولُ أبي هريرةَ: تلك أمُّكم يا بني ماءِ السَّماء. [خ¦3358]
          وأخرجه البخاريُّ من حديث شعَيبِ بن أبي حمزةَ عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرةَ قال: قال رسول الله صلعم: «هاجَرَ إبراهيمُ بسارةَ، فدخل بها قريةً فيها ملكٌ من الملوك أو جبَّارٌ، فقيل: دخل إبراهيمُ بامرأةٍ هي من أحسنِ النِّساء، وأرسل إليه: أنْ يا إبراهيمُ؛ من هذه الَّتي معك؟ قال: أختي، ثمَّ رجع إليها قال: لا تكذِّبي(6) حديثي، فإنِّي أخبرتُهم أنَّكِ أختي، والله إنْ على الأرض مؤمنٌ غيري وغيرُك، فأرسلَ بها إليه، فقام إليها، فقامت تَوضَّأُ وتصلِّي، فقالت: اللَّهمَّ إن كنتُ آمنتُ بك وبرسولك وأحصنتُ(7) فرجي إلَّا على زوجي، فلا تسلِّط عليَّ يدَ الكافر، فغُطَّ(8) حتَّى ركَضَ برِجلِه...».
          وفيه: أنَّ أبا هريرةَ قال: «قالت: اللَّهمَّ إن يَمُت يقال: هي قتلَتْه، فأُرسِلَ إليها فقامت توضَّأُ وتصلِّي وتقول: اللَّهمَّ إن كنت آمنتُ بك وبرسولك وأحصنتُ فرجي إلا على زوجي(9) فلا تسلِّط عليَّ هذا الكافرَ، فغُطَّ حتَّى ركضَ برجلِه. قال أبو هريرةَ: فقالت: اللَّهمَّ إن يَمُت يقال: هي قتلَتْه، فأُرسِلَ في الثَّانية أو الثَّالثة فقال: والله ما أرسلتُم إليَّ إلَّا شيطاناً، أرجِعوها إلى إبراهيمَ وأعطوه هاجرَ. فرجعَتْ إلى إبراهيمَ فقالت: أشعرْتَ أنَّ الله كبتَ الكافرَ وأخدمَ وليدةً». / [خ¦2217]


[1] سقط قوله: (يده) من (الحموي).
[2] سقط قوله: (فعاد) من (ت).
[3] سقط قوله: (لها) من (ت).
[4] مَهْيَم: سؤال عن الأمر والحال والخبر، وهي كلمة يمانية.
[5] الفُجور: أصله الميل عن الواجب، ويقال للكاذب فاجر ولكل من عمل شيئاً من المعاصي.
[6] في (الحموي): (تكذِّبيني)، وما أثبتناه من (ت) موافق لنسختنا من رواية البخاري.
[7] الحَصان: بفتح الحاء المرأة المتعففة، والمحصنة العفيفة، (أحصنت فرجها) تعففت.
[8] غَطيطُ البَكر: معروف وهو تردد النفس في حلقه، وقد يكون ذلك من النائم إذا استغرق في نومه، ومن المغمى عليه والمصروع بالجنون.
[9] سقط قوله: (إلا على زوجي) من (ت).