الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له

          2256- الثَّامن والثَّمانون: عن الزهريِّ عن أبي سلمةَ عن أبي هريرةَ قال: «كان رسولُ الله صلعم يُرغِّبُ في قيامِ رمضانَ من غير أن يأمرَهم فيه بعزيمةٍ، فيقول: مَنْ قامَ رمضانَ إيماناً واحتساباً(1) غُفرَ له ما تقدَّم من ذنبِه. فتوفِّي رسولُ الله صلعم والأمرُ على ذلك» ثمَّ كان الأمرُ على ذلك في خلافةِ أبي بكرٍ وصَدْراً من خلافةِ عمرَ ☻. كذا في رواية معمرٍ عن الزهريِّ عن أبي سلمةَ.
          وقال في رواية عُقيلٍ عنه عن أبي سلمةَ عن أبي هريرةَ قال: سمعتُ رسولَ الله صلعم يقول لرمضانَ: «مَنْ قامهُ إيماناً واحتساباً غُفرَ له ما تقدَّم من ذنبِه». لم يزد. [خ¦2008]
          وفي حديث سفيانَ بن عيينةَ عن الزهريِّ عن أبي سلمةَ عن أبي هريرةَ عن النَّبيِّ صلعم قال: «مَنْ صامَ رمضانَ إيماناً واحتساباً غُفرَ له ما تقدَّم من ذنبِه، ومَنْ قامَ ليلةَ القَدرِ إيماناً واحتساباً غُفرَ له ما تقدَّم مِن ذنبِه». قال البخاريُّ: تابعه سليمانُ بن كثيرٍ عن الزهريِّ. [خ¦2014]
          وأخرجاه من حديث يحيى بن أبي كثيرٍ عن أبي سلمةَ عن أبي هريرةَ عن النَّبيِّ صلعم قال: «مَنْ قام ليلةَ القدرِ إيماناً واحتساباً غُفرَ له ما تقدَّم من ذنبِه، ومَنْ صام رمضانَ إيماناً واحتساباً غُفرَ له ما تقدَّم من ذنبِه». / [خ¦1901]
          وأخرجاه من حديث الزهريِّ عن حُميد بن عبد الرَّحمن بن عوفٍ عن أبي هريرةَ: أنَّ رسولَ الله صلعم قال: «مَنْ قام رمضانَ إيماناً واحتساباً غُفرَ له ما تقدَّم من ذنبِه». [خ¦37]
          زاد في رواية عبد الله بن يوسفَ عن مالكٍ عن الزهريِّ: «فتوفِّيَ رسولُ الله صلعم والأمرُ على ذلك، في خلافةِ أبي بكرٍ وصدراً من خلافة عمرَ»(2). [خ¦2009]
          وعن ابن شهابٍ عن عروةَ بن الزُّبير عن عبد الرَّحمن بن عبدٍ القارِيِّ أنَّه قال: خرجتُ مع عمرَ بن الخطَّاب ليلةً في رمضانَ إلى المسجد، فإذا النَّاسُ أوزاعٌ(3) متفرِّقون، يصلِّي الرَّجل لنفسِه، ويصلِّي الرَّجل فيصلِّي بصلاته الرَّهطُ(4)، فقال عمرُ: إنِّي أرى لو جمعتُ هؤلاء على قارئٍ واحدٍ لكان أمثلَ، ثمَّ عزمَ فجمعهم على أبيِّ بن كعبٍ، ثمَّ خرجتُ معه ليلةً أخرى والنَّاس يصلُّون بصلاة قارئهم، قال عمر: نعمتِ البدعةُ(5) هذه، والَّتي تنامون عنها أفضلُ من الَّتي / تقومونَ _يريد آخرَ اللَّيل_ وكان النَّاسُ يقومونَ أوَّلَه. [خ¦2010]
          وأخرج البخاريُّ طرفاً من ذلك من حديث يَحيى بن سعيدٍ الأنصاريِّ عن أبي سلمةَ عن أبي هريرةَ قال: قال رسول الله صلعم: «مَنْ صام رمضانَ إيماناً واحتساباً غُفرَ له ما تقدَّم من ذنبِه». [خ¦38]
          وليس ليَحيى الأنصاريِّ عن أبي سلمةَ في مسند أبي هريرةَ من الصَّحيحينِ غيرُ هذا.
          وأخرج البخاريُّ أيضاً طرفاً من ذلك من حديث شُعيبِ بن أبي حمزةَ عن أبي الزنادِ عن الأعرجِ عن أبي هريرةَ قال: قال رسول الله صلعم: «مَنْ يقُمْ ليلةَ القدرِ إيماناً واحتساباً غُفرَ له ما تقدَّم من ذنبِه». / [خ¦35]
          وأخرج مسلمٌ طرفاً آخر من ذلك من حديث ورقاءَ عن أبي الزناد عن الأعرجِ عن أبي هريرةَ عن النَّبيِّ صلعم قال: «من يَقُمْ ليلةَ القدرِ فيوافِقُها _أراه [قال:](6) إيماناً واحتساباً_ غُفرَ له [ما تقدَّم من ذنبِه»].


[1] الاحتِساب: طلب الثوابِ، والاجتهادُ في تحسين النيَّة وإخلاصِها لله.
[2] قال الحافظ المقدسي رحمه اللهُ: الحديث بتمامه في ذكر صلاة أُبيِّ بن كعب، وهذه للبخاري.اهـ.قلنا: هي فيه برقم: ░2009▒.
[3] أوزاعٌ: جماعاتٌ من الناس.
[4] الرَّهْط: الجماعةُ دون العشرةِ، وقيل: بل إلى الأربعينَ.
[5] الابتِداع: إذا كان من الله ╡ فهو إخراجُ الشيء من العدمِ إلى الوجودِ، وهو يكوِّن الأشياء بعد أن لم تكن، وليس ذلك إلا لله ╡، والابتداعُ من المخلوقين إن كان في خلافِ ما أمر الله به ورسوله صلعم فهو في حيِّز الذمِّ والإنكار، وإن كان واقعاً تحتَ عمومِ ما ندبَ الله إليه وحضَّ عليه أو رسوله صلعم فهو في حيِّز المدح وإن لم يكن منالُه موجوداً، كنوعٍ من الجود والسخاء وفعل المعروفِ، ودليله قوله: «من سنَّ في الإسلام سنةً حسنةً كان له أجرها وأجر من عمل بها» فهذا فعلٌ من الأفعالِ المحمودةِ لم يكن الفاعلُ سُبِقَ إليه، ولا يجوز أن يكون ذلك في خِلاف ما ورد به الشرع، لأنه صلعم قد غبطَه ثوابَ ذلك، وقد أتبعها بضدِّها في «من سنَّ سنةً سيئةً كان عليه وزرها ووزر من عمل بها» وهذا في خلاف ما أمر الله به ورسولُه، وقول عمرَ رضي اللهُ عنه: نعمتِ البدعةُ هذه، في حيِّز المدح؛ لأنه فِعلٌ من أفعال الخير، وحرصٌ على الجماعة المندوب إليها، وإن كانت لم تكن في عهد الخليفةِ قبلَه فقد صلَّاها رسولُ الله صلعم جماعةً، وإنما قطَعها إشفاقاً من أن تفرَضَ على أمته، وكان عمرُ ممن نبَّه عليها وسنَّها على الدوام، فله أجرُها وأجرُ من عمل بها إلى يوم القيامة، على ما ورد به النص من رسول الله صلعم وقد قال عمر فيها: والتي تنامون عنها أفضلُ، تنبيهاً على ما جاء في الأثر من أنَّ صلاة آخر الليل محضورةٌ، وقد أخذ بذلك أهلُ الحرمِ، فإنَّهم يصلُّون التَّراويحَ بعد أن يناموا، فله رضي اللهُ عنه ثوابُ الوجهَين، لتنبيهِه على ذلك.
[6] سقط ما بين معقوفين من الأصول، فاستدركناه من نسختنا من صحيح مسلم.