بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما عليها ولها

حديث: ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم

          118-قوله: قال رسولُ الله صلعم : «ثَلَاثَةٌ(1) لَا يُكَلِّمُهُم اللهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ...» الحديث. [خ¦2672]
          ظاهر الحديث يدلُّ على تحريم هذه الثَّلاثة المذكورة في الحديث(2)، وأنَّها مِن كبائر الذُّنوب.
          وقوله ╕: (رَجُلٌ(3) عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِطَرِيقٍ يَمْنَعُ مِنْهُ ابْنَ السَّبِيلِ)
          وقد(4) اختلف العلماء ما هو الماء الذي لا يجوز منعه اختلافًا كثيرًا؟ فمنهم مَن ذهب إلى أنَّه على العموم كانت الأرض مستملَكَة أو غير مستملَكَة، ومنهم مَن ذهب إلى أنَّه خاصٌّ بالآبار التي ليست مستملكة، وتكون في الفَيافي والقِفار، وقد ذكروا كلَّ(5) الخلاف في كتب(6) الفقه.
          وقد(7) يَرِد على الحديث سؤالٌ، وهو أن يقال: قد تقرَّر مِن الشَّارع ◙ أنَّه يخصِّص صاحبَ كل فعل مِن أفعال المعاصي بعذاب يخصه مِن(8) غيره، كما قال في الغادر، وكما قال في آكل الربا، إلى غير ذلك، وهؤلاء الثَّلاث المذكورون في الحديث أفعالهم(9) مختلفة، فلِمَ كان عذابهم واحدًا؟
          والجواب عنه: أنَّهم إنَّما اشتركوا في عذابٍ واحدٍ لمعنى جمع بينهم في فعلهم(10)، ونحن نُبيِّنه إن شاء الله(11).
          وذلك أنَّ مانع الماء قد تعرَّض بفعله ذلك إلى منع الطُّرق، وقد يؤول إلى ذهاب النُّفوس سيَّما إذا كان الموضع في الفيافي والقفار / بحيث لا يُوْجَد ماءٌ غيره، وقليل مَن(12) يصبر على العطش، فإذا عاين الماء ومنع منه مات(13) بنفسه، فكان ذلك سببًا لقتل النَّفس التي حرَّم الله تعالى، وقد قال تعالى(14): {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}(15) [النساء:93]، فلمَّا أن(16) كان مانع الماء لم يقتل بيده، ولكن تسبَّب في القتل، كان عليه الوعيد المذكور في الحديث(17).
          وأمَّا مَن (بايع رجلًا لا يبايعه إلَّا لدنيا)، فذلك فيه مِن(18) الفساد مثل ما قدَّمناه أو(19) يزيد عليه؛ لأنَّ البيعة أصلها أن تكون لله، ولائتلاف كلمة المؤمنين، وبائتلاف الكلمة يكون الذَّبُّ على الدين وجهاد العدو، فإن(20) كانت البيعة للدُّنيا وحطامها(21) وحظوظ النُّفوس ورغبتها، انصرف ما أُرِيْدت(22) البيعة إليه، وكان ضدَّه وهو سفك دماء المسلمين، ووقوع الخلل في الدِّين، فأشبه الأول أو زاد(23) عليه.
          وأمَّا مَن (ساوم(24) رجلًا سلعة بعد العصر، فحلف بالله لقد أَعطَى بها كذا)، فإنَّما اشترك مع مَن تقدَّم ذكرهما في العذاب، لكونه ارتكب خمسة أشياء عظيمة(25) محرَّمة وهي: الخيانة، والكذب، واليمين الفاجرة، وغشَّ المسلمين، واختراق حرمة هذا الزَّمان(26) الفاضل، وهو بعد صلاة العصر، فلمَّا أن ارتكب هذه الخمسة الأشياء(27) على عظمها كان مساويًا في العذاب لمن تعرَّض لقتل النَّفس.
          وفي الحديث دليل على فضل / وقت العصر؛ لأنَّ النَّبيَّ صلعم شرط أن يكون(28) من موجبات العذاب الذي ذُكر مصادفة(29) وقت العصر.
          وقد اتفق العلماء على فضل ذلك الزَّمن(30) بعد اختلافهم هل هي الصَّلاة(31) الوسطى أم لا؟ وبالله التوفيق.


[1] في (ج): ((ثلاث)).
[2] في (م): ((فيه)).
[3] في (ل): ((ورجل)).
[4] في (ج) و(م) و (ل): ((قد)) بدون الواو.
[5] في (ج) و(م): ((وقد ذكر الخلاف)).
[6] قوله: ((كتب)) ليس في (ج) و (ل).
[7] قوله: ((قد)) ليس في (ج) و(م).
[8] في (ج) و(م) و (ل): ((عن)).
[9] في (ل): ((أفعال)).
[10] في (م): ((وبين فعلهم)).
[11] قوله: ((ونحن نبينه إن شاء الله تعالى)) ليس في (ج) و(م).
[12] في (ل): ((ما)).
[13] في (ل): ((فات)).
[14] قوله: ((وقد قال تعالى)) ليس في (ل).
[15] قوله: ((جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)) ليس في (ل) وزاد في (ل): ((الآية)).
[16] قوله: ((أن)) ليس في (ج).
[17] قوله: ((في الحديث)) ليس في (م).
[18] قوله: ((من)) ليس في (ج).
[19] في (ج): ((قدمناه أن))، و قوله: ((قدمنا أو)) ليس في (ل).
[20] في (ل): ((فإذا)).
[21] في (ل): ((وحطمها)).
[22] في (ج): ((أبدت)).
[23] في (ج): ((وزاد)).
[24] في (ج) و(م) و (ل): ((سام)).
[25] قوله: ((عظيمة)) ليس في (م).
[26] في (ج) و(م): ((الركن)) وفي (ل): ((الزمن))، وبعدها في (ل): ((الفضيل)).
[27] في (م): ((أشياء)).
[28] في (ل): ((تكون)).
[29] قوله: ((الحديث دليل على فضل... العذاب الذي ذُكر مصادفة)) ليس في (م).
[30] في (ج) و(م): ((الزمان)).
[31] في (ج): ((للصلاة))، وقوله: ((الصلاة)) ليس في (ل).