86- قوله صلعم : (لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلَّا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ⁽¹⁾..) الحديثُ. [خ¦1881]
          ظاهرُه يدلُّ على أنَّ جميعَ⁽²⁾ بلادِ الأرضِ يدخلُها الدَّجَّالُ إلا مكةَ والمدينةَ، والكلامُ عليهِ من وجوهٍ:
          منها: الدليلُ على تحقيقِ خروجِ الدجَّالِ، ومنها التساوي بينَ فضلِ مكَّةَ والمدينةَ، وقد اختلفَ العلماءُ فيهما⁽³⁾ في الفضيلةِ؛ فمالكٌ ومَن تبعَه يفضِّلونَ المدينةَ على مكَّةَ، والشافعيُّ ومَن تبعَه يفضِّلونَ مكةَ على المدينةِ، ولم يختلفْ أحدٌ⁽⁴⁾ أنَّ موضعَ قبرِه صلعم أنَّهُ⁽⁵⁾ أفضلُ البقاعِ، وإنما الخلافُ فيما عداهُ⁽⁶⁾ مِنَ البلدَينِ، واستدلَّ كلُّ واحدٍ منهما بظواهرِ أحاديثَ كلُّها تحتملُ التأويلَ، وبقياساتٍ⁽⁷⁾ ولكنَّها أيضًا تحتملُ التعليلَ.
          وظاهرُ هذا الحديثِ يُعطي التسويةَ بينهما في الفضلِ؛ لأنَّ جميعَ الأرضِ يطؤُها الدجَّالُ إلا هذينِ البلدينِ. فدلَّ على تسويتِهما في الفضلِ، ويُؤكدُ ذلكَ أيضًا مِن وجوهٍ منَ النظرِ؛ لأنَّهُ إنْ كانَ⁽⁸⁾ خُصَّت المدينةُ بمدفنِه⁽⁹⁾ صلعم وإقامتِه بها ومسجدِه، فقدْ خُصَّتْ مكةُ بمسقطِه ◙ بها ومَبعثِه منها، وهي قِبلتُه، فمطلعُ شمسِ ذاتِه المُباركةِ مكةُ ومغربُها المدينةُ، وإقامتُه بعدَ النبوةِ على المشهورِ مِنَ الأقاويلِ بمكةَ مثلَ إقامتِه ◙ بالمدينةِ، عشرُ سنين في كلِّ واحدةٍ منهما⁽¹⁰⁾.
          وفيهِ دليلٌ على كثرةِ ما يُعْطَى هذا اللعينُ من خَرْقِ العادةِ، فمنها: كونُه يطأُ الأرضَ / كلَّها، ولم يجئْ أنْ تكونَ إقامتُه في الأرضِ وطوافُه عليها إلا في أربعينَ يومًا إلا أنَّهُ أولُ يومٍ منها كسَنَةٍ، والثاني كشهرٍ، والثالثُ كجمعةٍ، وباقيها إلى آخرها⁽¹¹⁾ مثلُ الأيامِ المعهودَةِ⁽¹²⁾ إذْ ذاكَ مِن طولٍ أو قصرٍ، وقد سألَ الصحابةُ ♥ سيدَنا رسولَ اللهِ صلعم : هل⁽¹³⁾ تُجزينا صلاةُ يومٍ في ذلكَ اليومِ الطويلِ المتقدِّمِ ذكرُهُ⁽¹⁴⁾ ؟ فقَالَ: «لَا، وَلَكِنْ⁽¹⁵⁾ اقْدُروا للصلاةِ وقتَها⁽¹⁶⁾»⁽¹⁷⁾.
          ومنها: مثلُ⁽¹⁸⁾ ما تقدَّمَ في الحديثِ مِنَ⁽¹⁹⁾ الإحياءِ بعدَ القتلِ.
          ومنها: أنَّهُ يزرعُ ويَحصدُ في⁽²⁰⁾ حينِه.
          ومنها: أنَّهُ يمشي ومعهُ مثلُ الجبالِ من الخبزِ⁽²¹⁾.
          ومنها: أنَّهُ يكونُ معه شبهُ جنةٍ ونارِ، فأخبرَ الصادقُ صلعم : «أَنّهُ مَنْ دخلَ جَنَّتَهُ فهي نارٌ، وَمَنْ دخلَ نَارَهُ فهي جنَّةٌ»⁽²²⁾.
          ومنها: أنَّهُ يقولُ للرجلِ: اتبعني فيأبَى عليهِ، فإذا ولَّى عنهُ اتبعَهُ مالُ الرجلِ فيتبعُه الرجلُ كرامةً لمالِه، فعظيمُ⁽²³⁾ كفرهِ وكفرِ الناسِ بهِ مِن أجلِ⁽²⁴⁾ ما أُعْطِيَ مِن خرقِ العاداتِ وأنَّهُ لا يخرجُ إلا بعدَ سبعِ⁽²⁵⁾ سنين قحطًا لا تنزلُ قطرةُ مطرٍ ولا تُنبِتُ الأرضُ شيئًا.
          ولهذا المعنى كانَ أهلُ التحقيقِ لا ينظرونَ إلى ما يجري على أيديهم مِن خرقِ العاداتِ وإنْ كَثُرَتْ، وقد يخافُ بعضُهم منها ويطلبُ الاستعفاءَ⁽²⁶⁾، كما ذُكِرَ عن بعضِهم أنَّهُ كانَ في بعضِ⁽²⁷⁾ أسفارِهِ وتعرَّضَ لهم بحرٌ لا يُجَازُ إلا بمُعدِّيةٍ، ولم يكنْ لهُ شيءٌ يُعطي لصاحبِ⁽²⁸⁾ المُعَدِّيةِ، فبَقِيَ مُفكرًا ما يفعلُ، فإذا هوَ قد أبصرَ حافتي البحرِ مما يقابلُه قد تقاربا حتى بقيا قدرَ / خطوةٍ، فلمَّا رأى ذلكَ فزعَ، وقَالَ: اللهُمَّ إنْ كانتْ كرامةً فادَّخِرْها لي للآخرة⁽²⁹⁾، وإنْ كانتْ منَ الشيطانِ الرجيمِ فأبعدْها عنِّي⁽³⁰⁾، ورجعَ⁽³¹⁾ البحرُ إلى ما كانَ عليهِ وأخذَ مِن بعضِ ثيابِه وأعطى لصاحبِ المُعَدِّيةِ بما جوَّزَهُ، والأخبارُ عنهم مما يشبهُ هذا كثيرٌ.
          وإنما همُّهُم في تحسينِ إيمانِهم وأعمالِهم وطلبِ موازَنَتها بمقتضى ما أخبرَ⁽³²⁾ الصادقُ صلعم مثلَ قَولِه ◙ : «مَنْ أَخْلَصَ لله أربعينَ صَبَاحًا ظَهَرَتْ ينابيعُ الحكمةِ مِنْ قَلْبِهِ عَلَى لِسَانِهِ»⁽³³⁾، وقَولِه ◙ : «اطْلُبُوا الرِّقَةَ فِي ثَلَاثٍ: فِي الصَّلَاةِ، والتِّلَاوةِ، والذِّكْرِ، فَإِنْ وَجَدْتُمُوهَا وإِلَّا فَاعْلَمُوا أَنَّ الْبَابَ مُغْلَقٌ»⁽³⁴⁾، وما يشبهُ هذهِ⁽³⁵⁾ الحقوقِ وبها⁽³⁶⁾ صلاحُ حالِهم.
          وفيهِ دليلٌ على أنَّ أثرَ الحكمةِ فيه للنفوسِ تأنيسٌ عظيمٌ⁽³⁷⁾، ودلالةٌ على عنايةِ الربوبيةِ بالعبوديةِ، يُؤخَذُ ذلكَ مِن كونِ الملائكةِ على نِقابِها⁽³⁸⁾ يحرسونَها، واللهُ ╡ قادرٌ أن يحرسَها دونَ شيءٍ كما فعلَ بالرجلِ في الحديثِ قبلَ هذا، لكنَّ إظهارَ الملائكةِ فيهٍ تأنيسٌ للقلوبِ وإظهارُ عنايةِ المولى بالعبدِ كما فعلَ ╡ في غزوة بدر حين⁽³⁹⁾ أنزلَ الملائكةَ ثم قَالَ ╡ في حقِّهم: {وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ⁽⁴⁰⁾} [الأنفال:10]، فجعلَهم مِن أجلِ الأنسِ لِمَا يعلمُ مِن ضعفِ البشريةِ، وحقيقةُ النصرِ مِن عندِه⁽⁴¹⁾ جلَّ جلالُه.
          ومثلُ ذلكَ هي الأعمالُ الصالحةُ عندَ أهلِ التحقيقِ تأنيسًا وتقويةً رجاءً في فضلِ الله تَعَالَى في حقيقةِ⁽⁴²⁾ السعادةِ، والخلاصُ عندَهم بفضلِ اللهِ تَعَالَى، / ويُفهَمُ هذا المعنى مِنْ قَولِهِ صلعم : «لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا⁽⁴³⁾ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: وَلَا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللهُ بِفَضْل رَحْمَتِهِ⁽⁴⁴⁾» [خ¦5673].
          وقَولُهُ: (نِقَابِهَا) أي: طُرُقها وفِجاجِها.
          وهنا بحثٌ: وهو هل الدَّجَّالُ يبصرُ الملائكةَ فلا يتجرَّأُ أن يقربهم أو لا يراهم؟ ويكونُ ذلكَ على طريقِ الإعظامِ للبُقعتينِ والقدرةُ هي المانعةُ له؟ احتمالُ⁽⁴⁵⁾ الوجهينِ معًا، والقدرةُ صالحةٌ لهما⁽⁴⁶⁾.
          وفيهِ دليلٌ على أنَّ حُرمَةَ البقعِ لا تنفعُ إلا معَ الإيمانِ، يُؤخَذُ ذلكَ مِنْ قَولِهِ صلعم : (يَخْرُجُ مِنْهَا بِتِلْكَ الرَّجَفَاتِ الثَّلَاثِ كُلُّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ)⁽⁴⁷⁾ ولم يقلْ: كلُّ عاصٍ ولا مُذنبٍ⁽⁴⁸⁾، ولذلكَ كتبَ مالكٌ لبعضِ أصحابِه حينَ كتب له⁽⁴⁹⁾: أن ائت⁽⁵⁰⁾ الأرضَ المقدَّسةَ: إنَّ الأرضَ لا تقدِّسُ أحدًا، وإنما يُقدِّسُ المرءَ عملُه⁽⁵¹⁾.
          وقَالَ بعضُهم: اطلبْ لنفسِك بما تُقَدِّسُها⁽⁵²⁾ مِن حُسنِ علمٍ أو عملٍ، فالأمرُ والله أخطرُ⁽⁵³⁾.
          وهنا بحثٌ في قَولِه صلعم : (ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ):⁽⁵⁴⁾ ما معنى⁽⁵⁵⁾ الرجفةِ هنا؟ وما الحكمةُ في أنْ لا يخرجوا إلا في ثلاثٍ ليسَ إلا؟.
          أمَّا الرجفاتُ فتحتملُ أنْ تكونَ حِسًّا أو معنىَ، وأعني: حِسًّا: أنَّ الأرضَ تتحرَّكُ بهم كما تكونُ عندَ الزلزلةِ، واحتُمِلَ أنْ تكونَ قوةَ فزعٍ يجدونَه عندَ قربِه إليهم⁽⁵⁶⁾ أو نزولِه ببعضِ سِباخِها⁽⁵⁷⁾ وهو الأظهرُ واللهُ أعلمُ؛ لأنَّه كثيرًا ما تُستعمَلُ⁽⁵⁸⁾ في الفزعِ كما قَالَ أولَ الكتابِ: «فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صلعم يَرْجُفُ فُؤَادُهُ» [خ¦3]، وقد تكلَّمنا عليه أولًا.
          وأمَّا كونُها (ثلاثة⁽⁵⁹⁾)، / فهذهِ (الثلاثُ)كثيرًا⁽⁶⁰⁾ ما تتكرَّرُ في الأشياءِ مبالغةً في الخيرِ أو ضدِّهِ، وهذهِ كنايةٌ عن كثرةِ⁽⁶¹⁾ الفزعِ الذي يلحقُهم، ونفوسُ الناسِ مؤمنًا كانَ أو كافرًا ليسَ هيَ على حدٍّ واحدٍ⁽⁶²⁾ في الثباتِ وضدِّه، فأكثرُهم فزعًا يخرجُ أولًا، والذي أقلُّ منهُ بعدَه، وأجلدُهم آخرًا.
          وفيهِ دليلٌ على أنَّ حقيقةَ الثباتِ إنما يكونُ مع⁽⁶³⁾ قوةِ⁽⁶⁴⁾ الإيمانِ بدليلِ أنَّ الخوفَ لَحِقَ الكلَّ⁽⁶⁵⁾ لِقَولِهِ صلعم : «تَرْجُفُ المَدِينَةُ»، فثبتَ⁽⁶⁶⁾ المؤمنون ولم يستطعْ ذلكَ الكافرونَ والمنافقونَ.
          وفيهِ دليلٌ على أنَّ الكُفَّارَ في ذلكَ الوقتِ يكونونَ ممن يسكنونَ⁽⁶⁷⁾ المدينةَ، وأنَّ النفاقَ يكثرُ ذلكَ الوقتَ، والوقتُ الآنَ ليسَ فيهِ نفاقٌ ظاهرٌ ولا بالمدينةِ كافرٌ مقيمٌ ولا يدخلُها، فدلَّ ذلكَ على قوةِ فسادِ العالَمِ إذا ذاكَ الوقتِ⁽⁶⁸⁾ وكثرتِه.
          وهنا بحثٌ، وهو: هلْ ما يُخصُّ بالرجفِ إلا المدينةُ⁽⁶⁹⁾ لذلكَ الدَّجَّالِ وحدَه؟ أو يكونُ لكلِّ دجَّالٍ قبلَه رجفةٌ؟ لأنَّهُ قد قَالَ صلعم : «بَيْنِي وَبَيْنَ الدَّجَّالِ نَيِّفٌ وسَبْعُونَ دَجَّالًا»⁽⁷⁰⁾.
          فإن قُلنا: إنَّ الرجفَ بمعنى: تحريكِ الأرضِ فيكونُ واللهُ أعلمُ خاصًا بتلكَ البقعةِ وذلكَ الدَّجَّالِ، وإنْ قلنا: إنَّ الرجفَ بمعنى الفزعِ،فكلُّ دجَّالٍ يوجدُ⁽⁷¹⁾ معه ذلكَ؛ لأنَّهُ ما حملَ الناسُ على اتباعِهم⁽⁷²⁾ إلا الخوفُ مِن ضررِهم فتلكَ رجفةٌ⁽⁷³⁾، وأمَّا غيرهُما⁽⁷⁴⁾ من البقعِ فتلكَ الرجفةُ موجودةٌ في أرضِهم غيرَ أنَّه لا يحتاجونَ أنْ يخرجوا إليه كما⁽⁷⁵⁾ فعلوا هنا؛ لأنَّهُ هو الذي يدخلُ إليهم، / وقدْ جاءَ أنَّ بعضَ مَن يكونُ لهُ⁽⁷⁶⁾ الإيمانُ القطعيُّ بهِ إذا سمعَ بقربِه يقولُ: اذهبْ بنا نتفرَّجُ على هذا الكذَّابِ اللعينِ، فإذا وقعتْ أعينُهم عليهِ اتَّبَعوهُ، وفي هذا خوفٌ شديدٌ مِنَ الفتنِ، والحضُّ⁽⁷⁷⁾ على الهروبِ منها ما أمكنَ مخافةَ أن يلحقَ المرءَ منها شيءٌ.
          لكنْ هنا بحثٌ: وهو أنَّ هؤلاءِ خرجوا وهم يعرفونَ⁽⁷⁸⁾ بكذبِه ثم اتبعوهُ، والشخصُ المذكورُ قبلَ الخروجِ إليهِ⁽⁷⁹⁾ أيضًا هو مؤمنٌ⁽⁸⁰⁾ بكذبِه ففعلَ بهِ ما فعلَ، فلم يزدْ⁽⁸¹⁾ فيه إلا تحقيقًا⁽⁸²⁾ لكذبِه.
          فَالجَوابُ أنه لَمَّا خرجَ أولئك على طريقِ الفُرجَةِ في آيةِ اللهِ أخذَهُمُ البلاءُ؛ لأنَّهم جعلوا آيةَ اللهِ لعبًا ولهوًا، فلو كانَ تصديقُهم حقيقيًا ما خرجوا على جهةِ الفُرجَةِ؛ لأنَّ الدجَّالَ خروجُه مِن الآياتِ العِظامِ، فَجَعْلُهُم ذلكَ لهوًا هو عينُ الفتنةِ.
          ويترتَّبُ على ذلكَ مِنَ الفقهِ أنَّ الاستهزاءَ بشيءٍ من الآياتِ، ومِن أثرِ قُدرةِ اللهِ ضعفٌ في الإيمانِ، ويُخَافُ على دينِه، وقد قَالَ جلَّ جلالُه: {قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ. لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}⁽⁸³⁾ [التوبة:65- 66]، وأمَّا الآخرُ فخرجَ مجاهدًا بنفسِه في سبيلِ اللهِ لأنْ يُكَذِّبَه ويُصَدِّقَ قولَ اللهِ ╡ وقولَ رسولِ اللهِ صلعم، فمدَّهُ⁽⁸⁴⁾ الله ╡ بالنصرِ⁽⁸⁵⁾ والحمايةِ، فتعظيمُ آياتِ اللهِ تَعَالَى وأثرِ قدرتِه مِن قوةِ الإيمانِ، والخيرُ كلُّهُ مع قوةِ الإيمانِ، منَّ اللهُ بهِ علينا بفضلِه.
          وفيهِ دليلٌ على أنَّهُ ما تظهرُ حقيقةُ الدعاوى إلا عندَ الامتحانِ⁽⁸⁶⁾.يُؤخَذُ ذلكَ مِن قصَّةِ الدجَّالِ: / فإنَّ ناسًا يكونونَ يستهزئونَ⁽⁸⁷⁾ بالإيمانِ ويدَّعونَه، فإذا جاءَ الدَّجَّالُ لم يثبتْ إذ ذاكَ مِن الدعاوى شيءٌ إلا مَن كانَ إيمانُه حقيقيًا وكانَ عملُه على مقتضاهُ.
          ومِن أجلِ ذلكَ حضَّ صلعم حينَ ذكرَ الفتنَ إذْ قَالَتِ⁽⁸⁸⁾ الصحابةُ رضوانُ اللهُ عليهم: «ما تأمرُنا إنْ أدركنَا ذلكَ الزمان؟ فقَالَ صلعم : الْجَؤوا إِلَى الإيمانِ والأعمالِ الصَّالِحَاتِ»⁽⁸⁹⁾.
          فقَولُهُ صلعم : «الْجَؤوا إِلَى الإيمانِ⁽⁹⁰⁾» وهم مؤمنونَ معناهُ: الأخذُ في تقويةِ الإيمانِ، ومما يقوِّي الإيمانَ: الأعمالُ الصالحاتُ فإنَّ بها النقصُ والزيادة⁽⁹¹⁾.
          وفيهِ تنبيهٌ⁽⁹²⁾ أنْ ينظرَ كلُّ شخصٍ في أمرِ نفسِه في زمانِه⁽⁹³⁾؛ لأنَّ كلَّ زمانٍ لا يخلو مِن دجاجلةٍ تحرُّزًا⁽⁹⁴⁾ مِن اتِّباعِهم وهو لا يعلمُ، ويظنُّ أنَّهُ قد سَلِمَ من الدَّجَّال وهو من⁽⁹⁵⁾ أتباعه، أو هو نفسُه من الدجاجلةِ ولا يعرفُ ذلكَ إلا بإقامةِ ميزانِ (الكتابِ والسُّنَّةِ) على نفسِه على مقتضى ما تأوَّلَه السلفُ الصالحُ وألَّا يكونَ مُستدرَجًا وهو لا يعلمُ فيدخلُ تحتَ قَوله ╡ : {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} [الأعراف:182]، وإلى هذا المعنى إشارتُه صلعم بِقَولِهِ: «حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا»⁽⁹⁶⁾، وليلزم الأدبَ والخوفَ فالأمرُ واللهِ عظيمٌ، وقد أصبحنا في زمانٍ تغيَّرتْ فيهِ أعلامُ الخيرِ وتشعَّبَتْ طرقُه وقلَّ فيه السالكونَ وإليهِ الداعونَ، فتداركَنَا⁽⁹⁷⁾ اللهُ باللطفِ منهُ بفضلِه، لا ربَّ سواه⁽⁹⁸⁾.

---

[1] زاد في (ل): ((إلا مكة والمدينة، ليس من نقابها نقب، إلا عليه الملائكة حافين يحرسونها، ثم ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات، فيخرج الله كل كافر ومنافق)).
[2] في (ج): ((ظاهر يدل على جميع)).
[3] في (ج): ((فيها)).
[4] في (م): ((أحدًا)).
[5] في (ج): ((أنه)) ليس في (ج) و(م).
[6] في (ل): ((عداهما)).
[7] كلمة غير مفهومة في (ج)، وفي (م): ((وبأقيسة)).
[8] في (م): ((كانت)).
[9] في (م) و(ل): ((بدفنه)).
[10] قوله: ((عشر سنين في كل واحدة منهما)) ليس في (ج) و(م).
[11] في (م): ((وباقيها كآخرها)).
[12] في (ج): ((المعروف)).
[13] قوله: ((هل)) ليس في (ج) و(م).
[14] قوله: ((ذكره)) ليس في (م).
[15] قوله: ((ولكن)) ليس في (ج) و(ل).
[16] في (م): ((اقدروا له كل صلاة قدرها)).
[17] أخرجه مسلم ░2937▒، وأبو داود ░4321▒، والترمذي ░2390▒ من حديث النوّاس بن سمعان.
[18] قوله: ((مثل)) ليس في (ج).
[19] في (م): ((في)).
[20] في (م): ((من))، وفي (ل): ((يزرع من حينه ويحصد من حينه)).
[21] قوله: ((ومنها أنه يمشي ومعه مثل الجبال من الخبز)) ليس في (ل).
[22] أخرجه أحمد ░23250▒، ومسلم ░2934▒ ░104▒، وابن ماجه ░4071▒ من حديث حذيفة.
[23] في (ج): ((فتعظيم)).
[24] زاد في (ج): ((عظيم)).
[25] قوله: ((سبع)) ليس في (ل).
[26] صورتها في (م): ((الاستغفار)).
[27] قوله: ((أنه كان في بعض)) ليس في (ج).
[28] في (م): ((صاحب)).
[29] في (ج): ((إلى الآخرة)).
[30] قوله: ((وإن كانت من الشيطان الرجيم فأبعدها عني)) ليس في الأصل (ط) و(م) و(ل) وهو مثبت من (ج).
[31] في (ج) و(م): ((فرجع)).
[32] زاد في (ج) و(م) و(ل): ((به)).
[33] أخرجه أبو نعيم في الحلية ░5/189▒ من حديث أبي أيوب.
[34] أخرجه أبو نعيم في الحلية ░4/318▒، من حديث الحسن، قوله.
[35] في (م): ((هذا)).
[36] في (ج) و(م): ((فيها)).
[37] في (م): ((كثير)).
[38] في (ط): ((أتفاقها))، وفي (ل): ((أنقابها)). والمثبت من النسخ الأخرى.
[39] في (ط) و(ل): ((في حنين حين)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[40] زاد في (ج): ((إن الله عزيز حكيم)).
[41] في (ج): ((عند الله)).
[42] في (م) و(ل) و(ج): ((وحقيقة)).
[43] في (ج): ((أحد)).
[44] في (ج): ((الله برحمته)).
[45] في (ج) و(م): ((احتمل)).
[46] في (م): ((هنا)).
[47] في (م) و(ج): ((فيخرج إليه كل كافرٍ ومنافق)).
[48] في (م): ((ومذنب)).
[49] في (ل): ((إليه)).
[50] في (ط) و(م) و(ل): ((آتي)) والمثبت من (ج).
[51] زاد في (ج) و(م): ((ومثل ذلك قضية سلمان وأبي الدرداء)).
[52] في (ج) و(م) و(ل): ((ما يقدسها)).
[53] في (ج): ((خطير))، وفي (م): ((خطر)).
[54] زاد في (ج) و(م): ((وهو أن يقال)).
[55] قوله: ((معنى)) ليس في (م).
[56] في (ج): ((إليه)).
[57] في (ج): ((سياحتهم)).
[58] في النسخ: ((كثير)) ولعل المثبت هو الصواب، وهو مطابق للمطبوع.
[59] في (ط): ((ثلاثًا)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[60] في (ط): ((كثير)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[61] قوله: ((كثرة)) ليس في (م).
[62] في (ج) و(م): ((مؤمنهم وكافرهم ليست على حد سواء)).
[63] في (م): ((يكون بقدر)). في (ل): ((تكون مع)).
[64] قوله: ((قوة)) ليس في (ل).
[65] في (ط): ((للكل)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[66] في (ج): ((فيثبت)).
[67] في (ج): ((ليسكنون))، وفي (م): ((يسكنُ)).
[68] قوله: ((الوقت)) ليس في (م) و(ج).
[69] في (ج): ((بالمدينة)).
[70] أخرجه نعيم بن حماد في «الفتن» ░91▒ من حديث أرطأة بن المنذر.
[71] في (ج): ((يؤخذ)).
[72] في الأصل (ط) و(ل): ((يتبعونهم)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[73] في (ل): ((بتلك الرجفة)).
[74] في (ج) و(ل): ((غيرها)).
[75] قوله: ((كما)) ليس في (ج).
[76] قوله: ((له)) ليس في (ل).
[77] صورتها في (م) و(ل): ((والحظُّ)).
[78] في (م) و(ل): ((يعترفون)).
[79] قوله: ((إليه)) ليس في (م).
[80] في (ج): ((موقن)).
[81] في (ج): ((لم يزده))، وفي (المطبوع): ((يزدد))..
[82] في (ط): ((تحقيق)) والمثبت من النسخ الأخرى.
[83] في (ل): (({قُلْ اَبِاللهِ وَآيَاتِهِ...} [التوبة: 65])).
[84] في (ج) و(م): ((فأمده)).
[85] زاد في (ج) و(ل): ((منه)).
[86] في (ج) و(م) و(ل): ((الامتحانات)).
[87] في (ج): ((يستترون)).
[88] في (ج) و(م) و(ل): ((وقال)).
[89] لم نقف عليه بهذا اللفظ.
[90] زاد في (ج) : ((والأعمال الصالحات)).
[91] في (ج) و(م) و(ل): ((وبها الزيادة)).
[92] زاد في (ج) و(م) و(ل): ((على)).
[93] زاد في (ج): ((فيحذر من دجاجله وقته))، وفي (م): ((فيحذر زمن دجاجله وقته)).
[94] في (ج) و(م): ((فيكون)).
[95] قوله: ((من)) ليس في الأصل (ط) والمثبت من (م) و(ل)، وقوله: ((وهو لا يعلم... أتباعه)) ليس في (ج).
[96] أخرجه الترمذي ░2459▒ من حديث عمر ☺.
[97] في (م): ((تداركنا)).
[98] قوله: ((لاربَّ سواه)) ليس في (م) و(ل).