165- قوله صلعم : (إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ...) الحديث. [خ¦3237]
          ظاهر الحديث يَدُلُّ عَلَى أنَّ المرأة إذا لم تُجِبْ زوجها إذا دعاها إلى فراشه، وغضب عليها لعنتها الملائكة حتَّى تصبح، والكلام عليه مِن وجوه:
          منها قوله: (إِلَى فِرَاشِهِ) هل هو على ظاهره أو هو مِن الكناية عن الجِماع؟
          الظاهر أنَّه كناية عن الجِماع، يقوِّي ذلك قوله ╕ في حديث آخر: «الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» أي: للذي⁽¹⁾ يكون مِن وطئه في الفِراش.
          وفيه دليل: على أنَّ المستحسن في الشرع الكناية عن الأشياء المستقبحة، وهذا فيه موجود كثير مثل قوله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة:187] وما أشبهه وهو كثير.
          وهل هذا في اللَّيل لا غير، أو يكون ذلك سواء متى⁽²⁾ دعاها إلى حاجته المعلومة بينهما⁽³⁾ في اللَّيل أو النهار فمنعَته كان الأمر على حدٍّ / واحدٍ في اللعنة لها؟
          ظاهر الحديث يَدُلُّ عَلَى أنَّ اللعنة مختصَّة بامتناعها ليلًا، وذلك والله أعلم لتأكِّد ذلك الشأن في اللَّيل وقوَّة الباعث عليه، وبالنهار قد تجب عليها مساعدته ولا يجوز لها امتناعها منه إلا أنَّه لا يتأكَّد الأمر حتَّى تلعنَها الملائكة، ولو كان ذلك كان الشَّارع ╕ يقول ذلك في النهار أيضًا.
          وقد يقال: إنَّ الشَّارع ╕ إنَّما خصَّ اللَّيل⁽⁴⁾ بالذكر دون النهار، لأنَّه المَظنَّة في الغالب لذلك الشأن، فإذا وقع ذلك بالنهار⁽⁵⁾ فلا فرق، بل يكون في النهار⁽⁶⁾ آكد في النهي لِمَا ورد عنه ╕ بقوله: «مَنْ رَأَى مِنْكُمُ امْرَأَةً تُعْجِبُهُ فَلْيَأْتِ أَهْلَهُ» ومعلوم أنَّ ذلك إنَّما هو خوف الفتنة أن يقع، ولا يمكن الاحتراز منها إلا بوقوع ذلك الشأن في وقته ذلك خشية على نفسه واحترازًا⁽⁷⁾ لدينه، فيكون على هذا في النهار⁽⁸⁾ أبلغ في الزجر والنهي، والله أعلم.
          وهل الملائكة التي تلعنها هم⁽⁹⁾ الحفظة أو غيرهم؟ احتُمِلَ، غيرَ أنَّ فيه دليلًا على قَبول دعاء الملائكة مِن خيرٍ كان⁽¹⁰⁾ أو شرٍّ، ولولا ذلك ما خَوَّف سيِّدنا صلعم به.
          وفيه بالضمن الإرشاد إلى مساعدة الزوجة⁽¹¹⁾ زوجها في مرضاته، وقد جاء هذا أيضًا منه ╕ وهو قوله صلعم : «جِهَادُ الْمَرْأَةِ حُسْنُ التَّبَعُّلِ».
          وفيه دليل على أنَّ قوَّة شهوةِ الجماع على الرجل أقوى مما هو على النساء⁽¹²⁾.
          وفيه دليل على أنَّ الصبر عن شهوة الجماع على الرِّجال⁽¹³⁾ أضعف مما هو على النِّساء، يؤخذ ذلك مِن حضِّ الشَّارع ╕ لهنَّ على مساعدة الرِّجال⁽¹⁴⁾ على ذلك لقوة صبرهنَّ، ولولا ذلك لكان الأمر بالعكس.
          وفيه دليل على أنَّ أقوى التشويشات على الرجل في دينه داعيةُ النكاح، ولأجل ذلك حضَّ الشَّارع ╕ النِّساء على مساعدة الرِّجال في ذلك، وقال ╕: «مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» ولم يقل ذلك للنِّساء.
          وهل / مِن شرط غضبه أن يكون دائم⁽¹⁵⁾ اللَّيل كله أو بنفس الغضب وجبت اللعنة؟
          احتُمِل، لأنَّ العرب قد تسمِّي الكُلَّ بالبعض والبعض بالكلِّ، فاحتمل قوله: (بَاتَ) أي: بات ليلتَه كلَّها، واحتمل أن يكون: (بَاتَ) أي: عند أخذه في المبيت وهو ذلك الزمان اليسير وهو الأظهر والله أعلم، لأنَّ النوم ما يبقى معه غضب ولا غيره.
          و(هنا بحث): لِمَ علَّق لعنةَ الملائكة لها بالوصفين وهما: امتناعها وغضبه؟
          والجواب والله أعلم قد يكون دعاؤه لها مِن وجوه:
          منها التَّطْيِيب⁽¹⁶⁾ لقلبها لا رغبة فيها وقد تكون في حقِّها، لأنَّه⁽¹⁷⁾ يرى منها ما يَدُلُّ عَلَى رغبتها في ذلك الشأن⁽¹⁸⁾ أو لِحَظِّ نفسه وليس له ذلك الباعث القوي، وقد يكون لذلك الباعث القوي فذلك هو⁽¹⁹⁾ الذي يوجب الغضب، فمِن أجل الاحتمالات قرَنَهُ صلعم بالغضب، فتحتاج المرأة على هذا أن تعرف الوقت الذي يكون فيه الغضب مِن زوجها فتساعده، وإن جهلت فالمساعدة لها أولى، وهذا كله مع عدم الأعذار، فإن كانت هناك أعذار فأصحاب الأعذار لهم حكم خاصٌّ إلا أنَّه يُشْتَرط⁽²⁰⁾ أن يكون العذر شرعيًا وإلاَّ فليس بعذر.
          وفيه دليل على ترك المَنهِيَّات وإن لم يكن فيها حدٌّ مِن الحدود، لأنَّ الخطر فيها كبير⁽²¹⁾، يؤخذ ذلك مِن كون هذا الموضع لا حدَّ فيه والأمر فيه أخطر، لأنَّ لعنة الملائكة ما يعرف⁽²²⁾ أين تبلغ / بها⁽²³⁾؟ ولذلك قال صلعم : «ومَا⁽²⁴⁾ نَهَيْتُكُمْ فَلَا تَقْرَبُوا».
          وفيه دليل لأهل الصُّوفَةِ⁽²⁵⁾ الذين يقولون: اترك ما عندك لِمَا عندَ أخيك، فسَدُّوا الطريق إلى حظوظ النفس مرة واحدة، لأنَّهُم رأوا أكثر المهلكات منها.
          وهنا (إشارة لطيفة) فكما أنَّ⁽²⁶⁾ مولاك لا يترك لك حقًّا مِن حقوقك إلا جعل لك مَن يقوم به وإن لم تطلبه، فمِن المروءة أن توفي أنت حقوقه وهو قد طلبها منك، انظر مِن غضبة واحدة منك على عدم مساعدتك على شهوة مِن شهواتك جعل ╡ الملائكة الكرام اللَّيل كله تلعن مانعك مِن شهوتك⁽²⁷⁾، لا رعى الله مَن لا يلاحظ الإحسان ولا⁽²⁸⁾ يعرف قدر الاهتمام لِمَا اهتم بك وبحقوقك⁽²⁹⁾ وهو الغنيُّ عنك، أضعتَ حقَّه وأنت المحتاج إليه، ما أقبح الجفاء مع كثرة الاحتياج منك إليه، وكثرة الإحسان منه إليك، لكن الجهل عَمَى.