غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

عمر بن أبي سلمة

          966 # عُمَرُ بنُ أبي سَلَمَةَ، بالفتحات، اسمه عبد الله بن عبد الأسد، أبو حفص، القرشيُّ، الأسديُّ، المخزوميُّ، المدنيُّ، الصَّحابيُّ، أخو سلمة وزينب(1) أولاد أمِّ سلمة، زوج النَّبيِّ صلعم، ووالده صحابيٌّ، ويكنَّى والده أبا سلمة، وهو ابن عمَّة رسول الله صلعم، فإنَّ أمَّ عبد الله هي بَرَّةُ بنت عبد المطَّلب، وهو وحمزة ورسول الله صلعم إخوة من الرَّضاع، أرضعتهم ثُويبة _بضمِّ المثلَّثة، وفتح الواو، بعد التَّحتيَّة المثنَّاة السَّاكنة الموحَّدة مفتوحة_ وهي مولاة لأبي لهب، أرضعت حمزة، ثمَّ رسول الله صلعم، ثمَّ أبا سلمة عبد الله، وعبدُ الله ممَّن غلبت عليه الكنية.
          قال ابن منده: شهد أبو سلمة بدراً وأحداً وحُنيناً، والمشاهد، ومات بالمدينة. قال ابن الأثير(2) : في كلام ابن منده نظر، فإنَّ الذي مات لمَّا رجع من بدر كيف شهد حنيناً؟! قال: وفي قوله: مات لمَّا رجع من بدر نظر أيضاً، فإنَّه شهد أحداً. انتهى كلامه.
          أسلم أبو سلمة بعد عشرة أنفس، وكان الحادي عشر، وهو أوَّل من هاجر إلى الحبشة بأهله وظعينته، وبها ولد عمر هذا، وهو أوَّل من هاجر إلى المدينة قبل بيعة العقبة، معه زوجته أمُّ سلمة، والأكثر أنَّها هاجرت بعده، وسيجيء في ترجمتها إن شاء الله تعالى /
          ما كابدت في مدَّة تخلُّفها عنه لمَّا هاجر.
          قال ابن عبَّاس: فيه نزل قوله تعالى: { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ } [الحاقة:19] الآيات.
          قال ابن إسحاق: عدت قريش على من أسلم منهم، وأوثقوهم، وآذوهم، واشتدَّ البلاء عليهم، وعظمت الفتنة فيهم، وزلزلوا زلزالاً شديداً، ففرَّ أبو سلمة إلى أبي طالب ليمنعه، وكان خاله، فمنعه، فجاءت بنو مخزوم ليأخذوه، فمنعه، فقالوا: يا أبا طالب، منعت منَّا ابن أخيك _يعنون النَّبيَّ صلعم_ أتمنع منَّا ابن أخينا؟ يعنون أبا سلمة، فقال: نعم، أمنع منكم ابن أختي، كما أمنع منكم ابن أخي. فقال أبو لهب _ولم يسمع منه كلام خير قطُّ إلَّا يومئذ_: صدق أبو طالب، لا نسلمه إليكم. واستخلفه رسول الله صلعم لمَّا سار إلى غزوة (العشيرة) سنة اثنتين من الهجرة.
          قالت أمُّ سلمة: لمَّا حضر أبا سلمةَ الموتُ حضره صلعم، فلمَّا شخص أغمض عينيه، ثمَّ قال: «إنَّ الرُّوح إذا قبض تبعه البصر». فضجَّ ناس من أهله، فقال: «لا تدعوا على أنفسكم إلَّا بخير، فإنَّ الملائكة يؤمِّنون». ثمَّ قال: «اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديِّين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا ربَّ العالمين». وقال أبو سلمة _لمَّا حضرته الوفاة_: اللهم اخلفني في أهلي بخير. فخلفه رسول الله صلعم على زوجته أمِّ سلمة، فصارت أمًّا للمؤمنين، وصار صلعم أباً لأولاده عمر وسلمة وزينب وذَّرٍّ(3) .
          قال محمَّد بن إسحاق: انطلق أبو عبيدة بن الحارث، وأبو سلمة بن عبد الأسد، والأرقم بن أبي الأرقم، وعثمان بن حيٍّ، فأتوا رسول الله صلعم، فعرض عليهم الإسلام، وقرأ عليهم القرآن، فأسلموا، وشهدوا أنَّه على هدى ونور. قال: ثمَّ أسلم سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل. قال: وجرح أبو سلمة بأُحُد جرحاً اندمل، ثمَّ انتقض، فمات منه في جمادى الآخرة، سنة ثلاث من الهجرة، وقال أبو عمر(4) : سنة اثنتين بعد وقعة بدر. قلت: وأبو عمر ينكر شهوده أُحداً، وجرحه. رجعنا إلى ترجمة ابنه عمر، وهو المقصود بالذَّات، وترجمة والده وقع في البين، لكن لله الحمد ما خلا عن فوائد، فنقول عن عمر: ولد في السَّنة الثَّانية من هجرة الحبشة. قيل: كان له يوم قبض رسول الله صلعم تسع سنين. وكان يوم الخندق هو وابن الزُّبير في أُطُمِ حسَّان بن ثابت، وشهد مع عليٍّ الجمل، واستعمله على البحرين، وعلى فارس.
          روى عنه: سعيد بن جبير، وعروة بن الزُّبير، ووَهْبُ بنُ كَيْسَانَ.
          نقل عنه البخاريُّ بالواسطة، في الصَّلاة [خ¦354] ، وحفظ عن رسول الله صلعم أحاديث. قال عمر: دخلت على رسول الله صلعم، وعنده طعام، فقال: «يا بنيَّ، أدن، بسم الله، وكل بيمينك، وكل ممَّا يليك»(5) .
          توفِّي بالمدينة، أيَّام عبد الملك بن مروان، في سنة ثلاث وثمانين.


[1] في (ن) تصحيفاً: (وزين).
[2] أسد الغابة:3/297.
[3] في (ن) تصحيفاً: (ودرة).
[4] في (ن) تصحيفاً: (أبو عمرو) وكذلك الموضع بعده، وفيها (سنة اثنين).
[5] أخرجه البخاري برقم (5377).