غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

عامر بن واثلة

          606 # عَامِرُ بنُ وَاثِلةَ _بكسر المثلَّثة، وقال مَعْمَر: عمرو بن واثلة، والأوَّل أصحُّ_ أبو الطُّفيل، اللَّيْثِيُّ، الكِنَانِيُّ، الصَّحابيُّ على الأصحِّ.
          قال أبو عليِّ بن السَّكَن: رُوي عنه رؤيته لرسول الله صلعم من وجوه ثابتة، ولم يُرْوَ عنه من وجه ثابت سماعه. قال ابن الأثير(1) : ولد عام أُحُد، أدرك من حياة رسول الله صلعم [ثمان سنين] نزل الكوفة، ثمَّ انتقل إلى مكَّة بعد وفاة عليٍّ، وقيل: أقام بالكوفة حتَّى مات بها. والأوَّل أصحُّ.
          روى عمارة، عن ثَوبان، عن أبي الطُّفَيْل، قال: رأيت النَّبيَّ صلعم بالجِعرانة يقسم لحماً، فجاءت امرأة، فبسط لها رداءه، فقلت: من هذه؟ قالوا: أمُّه التي أرضعته.
          وعن عبد الملك بن سعيد بن الأبجر، عن أبي الطُّفيل، قال: قلت لابن عبَّاس: إنِّي رأيت رسول الله صلعم. قال: فَصِفْهُ لي. فقال: (والله) [رأيته] عند المروة على ناقته، وقد كثر النَّاس عليه. قال: فقال لي ابن عبَّاس: / ذاك رسول الله، إنَّهم كانوا لا يُدَعُّون(2) عنه.
          وروى سعيد الجُريريُّ، عن أبي الطُّفيل أنَّه قال: لا يحدِّثك أحد على وجه الأرض [اليوم] أنَّه رأى النَّبيَّ صلعم غيري. (قال): قلت له: فهل تنعت من رؤيته؟ قال: نعم، مُقَصَّداً، أبيضَ، مليحاً. وهو آخر من مات من الصَّحابة، وقد مضى في أنس التَّفصيل في ذلك، فراجعه، ثمَّ صحب عليًّا، وكان من شيعته ومحبِّيه، وشهد مشاهده كلَّها، وكان ثقة، مأموناً، يعترف بفضل أبي بكر، وعمر، وعثمان؛ إلَّا أَّنه كان يقدِّم عليًّا، وكان شاعراً محسناً، وهو القائل _من البحر الطَّويل(3)_:
أيدعونني شيخاً وقد عِشْتُ حِقْبَةً                     وهنَّ من الأزواج نحوي نوازعُ
وما شابَ رأسي من سنينَ تتابعتْ                     عليَّ ولكنْ شيَّبتني الوقائعُ
          وكان فاضلاً، عاقلاً، حاضر الجواب، قدم على معاوية، فقال له: كيف وجدك على خليلك أبي الحسن؟ يعني عليًّا، فقال: كوجْدِ أمِّ موسى على موسى، وأشكو التَّقصير. فقال معاوية: كنت فيمن حضر قتل عثمان؟ قال: لا، ولكنِّي كنت فيمن حصره. قال: فما منعك من نصره؟ قال: وأنت ما منعك من نصره؛ إذ تربَّصتْ به ريبُ المنون، وأنت في أهل الشَّام، وكلُّهم تابع لك فيما تريد؟ قال معاوية: أوما ترى طلبي بدمه؟ قال: بلى، ولكنَّك كما قال أخو ثقيف _يعني من البحر البسيط_:
لا ألفينَّك بعد الموتِ تَنْدُبُنِي                     وفي حَيَاتِيَ ما زودتَنِي زادي
          انتهى كلام ابن الأثير(4) .
          قال الكرمانيُّ(5) : روى عن رسول الله صلعم تسعة أحاديث. قال ابن حجر(6) : كان الخوارج يرمونه باتِّصاله بعليٍّ، وقوله بفضله وفضل أهل بيته، وليس بحديثه بأس. قاله نقلاً عن ابن عديٍّ، وقال جرير: كان المغيرة يكره الرِّواية عن أبي الطُّفَيْل. ووثَّقه أحمد، وابن سعد. قال ابن حجر: وأساء أبو محمَّد بن حزم، فضعَّف أحاديثه، وقال: كان صاحب راية المختار الكذَّاب. وأبو الطُّفيل صحابيٌّ لا شكَّ فيه، ولا يؤثِّر فيه قول أحد، ولا سيَّما بالعصبيَّة والهوى، ولم أر له في صحيح البخاريِّ سوى موضع واحد، في آخر كتاب العلم، في باب من خصَّ بالعلم قوماً دون قوم [خ¦127] ، رواه عن عليٍّ، وروى عنه مَعْروفُ بنُ خَرَّبُوذٍ، روى له الباقون. انتهى كلام ابن حجر.
          قال وهب بن جرير بن حازم: سمعت أبي يقول: كنت بمكَّة سنة عشر(7) ومئة، فرأيت جنازة، فسألت عنها، فقالوا: هذا أبو الطُّفيل. قال ابن الأثير(8) : توفِّي سنة مئة، وقيل: سنة عشرين ومئة. وقال / الكرمانيُّ(9) : وقيل: سنة اثنتين ومئة.
          قلت: قال العراقيُّ: إنَّه قول مصعب بن عبد الله الزُّبيريِّ: وجزم ابن حبَّان، وابن قانع، وأبو زكريَّا ابن منده أنَّه توفِّي سنة سبع ومئة. قال والذي: صحَّحه الذَّهبيُّ في أنَّه مات سنة عشر ومئة، موافقاً لجرير بن حازم، كما مرَّ.


[1] أسد الغابة:3/143 وما بين حاصرتين مستدرك منه.
[2] الحديث في صحيح مسلم برقم (3117)، ومعنى (يُدَعُّون) لا يُطردون ولا يُدفعون، تاج العروس (دع)، وفيه يقول: وفي حديث الشعبي، ثم ساق الحديث، وأراه قد صحف المسعى إلى الشعبي، والشعبي لم يروا الحديث، وقد تابع في ذلك التصحيف صاحبَ اللسان (دعع)، و(كهر).
[3] الخبر مع الشعر في الاستيعاب:4/1697.
[4] أسد الغابة:6/191، والشعر مع أخباره فيه، وفي اللسان (أنب) بدون نسبة، وفي غير هذا السياق، ووجدته في الأغاني:22/95 منسوباً لعَبيد بن الأبرص ضمن قصيدة يخاطب بها حجر بن الحارث أبا امرئ القيس، والرواية عنده: لا أعرفنَّك بعد الموت إلخ...
[5] في (ن) تصحيفاً: (الموقف).
[6] شرح البخاري:2/153. وسقط اسم أبي الطفيل من نسخة المكتبة الشاملة، فصار الكلام فيها يخص الراوي عن أبي الطفيل وهو معروف بن خرَّبوذ. فتنبه.
[7] في غير (ن): (سنة عشرة).
[8] أسد الغابة:3/143.
[9] شرح صحيح البخاري:2/154.