غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

عقيل بن أبي طالب

          922 # عَقِيْلُ بنُ أبي طالب بنِ عبدِ مَنَاف، الصَّحابيُّ، القرشيُّ، الهاشميُّ، ابن عمِّ رسول الله صلعم، وأخو عليٌّ وجعفر لأبويهما، وهو أكبرهما، وكان أكبر من جعفر بعشر سنين، وجعفر أكبر من عليٍّ بعشر سنين _كما ذكرنا في جعفر_ كنيته أبو يزيد، أمُّه فاطمة بنت أسد بن هاشم.
          قال له رسول الله صلعم: «إنِّي أحبُّك حُبَّين حبًّا لقرابتك، وحبًّا لما كنت أعلم من محبَّة عمِّي إيَّاك». وكان عقيل ممَّن خرج مع المشركين إلى بدر مكرهاً، فأسر يومئذ، وكان لا مال له، ففداه عمُّه العبَّاس، ثمَّ أسلم قبل الحديبية، وهاجر إلى النَّبيِّ صلعم سنة ثمان، وشهد غزوة مؤتة، ثمَّ رجع، فعرض له مرض، ولم يسمع له بذكر في الفتح، ولا حُنين، ولا الطَّائف، وأعطاه رسول الله صلعم من خيبر مئة وأربعين وسْقاً كلَّ سنة، وقد قيل: إنَّه ممَّن ثبت يوم حنين مع رسول الله صلعم، وكان سريع الجواب المسكت للخصم، وله فيه أشياء حسنة، من ذلك أنَّه لمَّا مات عليٌّ ╩، وكان عقيل عند معاوية، وأراد معاوية أن يصرفه عن نفسه، وأطال عقيل المقام، فقال معاوية يوماً لمن حوله: أتدرون من هذا؟ يعني عقيلاً، هذا الذي أنزل الله تعالى في عمِّه { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ } وقصد أن يخجل عقيلاً، فقال عقيل: أتدرون من هذا؟ هذا الذي أنزل الله تعالى في عمَّته { وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ } [المسد: 1-3] فخجل معاوية وسكت، وكان له طنفسة تطرح في مسجد رسول الله صلعم، وتجتمع النَّاس إليه في علم النَّسب وأيَّام العرب، وكان يكثر ذكر مثالب قريش، فعادوه لذلك، وقالوا فيه بالباطل، ونسبوه إلى الحمق، واختلقوا عليه أحاديث مزوَّرة، وكان ممَّا(1) أعانهم عليه مفارقته لأخيه / عليٍّ، والتحاقه بمعاوية بالشَّام. قيل: إنَّ معاوية قال يوماً: هذا أبو يزيد، لولا علمه بأنِّي خير له من أخيه لما أقام عندي. فقال عقيل: أخي خير لي في ديني، وأنت خير لي في دنياي، وقد آثرت دنياي. ونسأل الله خاتمة الخير بمنِّه وكرمه، وإنَّما سار إلى معاوية؛ لأنَّه زوج خالته فاطمة بنت عتبة، ولأنَّه ارتكبه دَين، فقدم على أخيه الكوفة(2) ، وأنزله وأمر ابنه الحسن فكساه(3) ، فلمَّا أمسى دعا بعشائه، فإذا خبز وملح وبقل، فقال عقيل: ما هو إلَّا ما أرى! قال: نع.، قال: فتقضيني ديني؟ قال: وكم دينك؟ قال: أربعون ألفاً. قال: ما عندي، ولكن اصبر حتَّى يخرج عطائي، فإنَّه أربعة آلاف، فأدفعه إليك. فقال له عقيل: بيوت المال بيدك، وأنت تسوِّفني بعطائك! فقال: أتأمرني أن أدفع إليك أموال المسلمين، وقد ائتمنوني عليها؟ قال: فإنِّي آتي معاوية. فأذن له، فأتى معاوية، فقال له: يا أبا يزيد كيف تركت عليًّا وأصحابه؟ قال: كأنَّهم أصحاب محمَّد إلَّا أنِّي لم أر رسول الله صلعم [فيهم] ، وكأنَّك وأصحابك أبو سفيان وأصحابه، إلَّا أنِّي لم أر أبا سفيان فيكم. فلمَّا كان الغد قعد معاوية على سريره، وأمر بكرسي إلى جنب السَّرير، ثمَّ أذن للنَّاس فدخلوا، وأجلس الضَّحَّاك معه على سريره، ثمَّ أذن لعقيل فدخل عليه، فقال: يا(4) معاوية! من هذا معك؟ قال: الضَّحَّاك بن قيس. فقال: الحمد لله الذي رفع الخسيسة، وتمَّم النَّقيصة، هذا الذي كان أبوه يخصي بهمنا(5) بالأبطح، لقد كان بخصائها رفيقاً. فقال الضَّحَّاك: إنِّي لعالم بمحاسن قريش، وإنَّ عقيلاً عالم بمساوئها. وأمر له معاوية بخمسين ألف درهم، فأخذها ورجع.
          عن ابن عبَّاس قال: كان في قريش أربعة يتحاكمون النَّاس إليهم: عقيل بن أبي طالب، ومخرمة بن نوفل الزُّهريُّ، وأبو جهم بن حذيفة العَدَويُّ، وحويطب بن عبد العزَّى العامريُّ، وكان الثَّلاثة يعدُّون محاسن الرَّجل إذا أتاهم، فمن كان أكثر محاسن على صاحبه أتاه، وكان عقيل يعدُّ مساوئ الرَّجل، فأيُّما كان أكثر تركه، فيقول الرَّجل: وددت أنِّي لم آته، أظهر من مساوئي ما لم يكن النَّاس يعلمون.
          روى عبد الله بن محمَّد بن عقيل قال: خرج علينا عقيل بن أبي طالب بعدما تزوَّج، فقلنا له: بالرِّفاء والبنين. فقال: لا تقولوا ذلك؛ فإنَّ رسول الله صلعم نهى عن ذلك، وقال: «قولوا: بارك الله لك، وبارك عليك، وبارك لك فيها».
          توفِّي في خلافة معاوية. قاله ابن الأثير(6) ، وقال غيره: مات سنة ستِّين. أو بعدها.
          تنبيه:
          اعلم أنَّ عقيلاً ليس من شيوخ البخاريِّ، ولا من شيوخ مسلم، ولكنَّه ممَّن ذكره(7) في صحيحه، فأحببت ذكره، فتأمَّل.
          تتمَّة:
          تشتبه بمادة عَقِيْلٍ _بفتح المهملة، وكسر القاف_ عُقَيْلِ _بضمِّ المهملة، وفتح القاف_ والقاعدة الفارقة بينهما أنَّه ليس في البخاريِّ ولا مسلم راو اسمه عَقيل مكبَّر، بل / الجميع مصغَّر، من ذلك عُقَيْل بن خالد الأيليُّ الآتي ذكره بعد هذا، هو من شيوخ الشَّيخين بالواسطة، ومن ذلك والد يحيى بن عُقَيْل الخُزَاعيُّ، تفرَّد به مسلم دون البخاريِّ، ومن ذلك عُقيل الذي هو اسم القبيلة المشهورة ببني عُقيل، وذكرهم مسلم [خ¦1641] في حديث ناقة النَّبيِّ صلعم المسمَّاة بالعضباء، وأنَّها كانت لرجل من بني عُقيل، وقوله أيضاً من حديث عمران بن حصين: كانت ثقيف حلفاء لبني عُقيل. قاله العراقيُّ، فتأمَّل.


[1] في (ن): (ممن).
[2] في غير (ن): (بالكوفة).
[3] في (ن): (فكفاه).
[4] في غير (ن): (أي).
[5] في غير (ن): (عناقاً).
[6] في أسد الغابة:1/295. وأخباره فيه، وجاء في الأصول (بالبنات والبنين) والمثبت منه.
[7] مر ذكره في صحيح البخاري في حديث رقم (66) و(1588).