غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

عاصم بن سليمان الأحول

          593 # عَاصِمُ بنُ سُلَيْمَانَ، أبو عبد الرَّحمن، الأَحْوَلُ، التَّابعيُّ، يقال: إنَّه مولى تميم. ويقال: مولى عثمان بن عفَّان. ويقال: مولى ابن زياد(1) . كان قاضياً بالمدائن، هو بصريٌّ.
          ثقة. لم يتكلَّموا فيه غير القطَّان، فإنَّ يحيى القطَّان كان يستضعفه، فكأنَّه بسبب دخوله في الولاية، وقال يحيى: كان عاصم الأحول بالكوفة على الموازين والمكاييل. يعني كان محتسباً؛ نعم، قال أبو الفتح الأزديُّ: عاصم بن سليمان ليس بالحافظ، لكن أثنى عليه أبو نُعيم الأصفهانيُّ(2) ، فقال: العابد الأفضل، عاصم بن سليمان الأحول.
          (قال): قال محمَّد بن عَبَّاد: قال أبي: ربَّما رآني عاصم وهو صائم، فيفطر، فإذا صلَّى العشاء تنحَّى، فصلَّى، فلا يزال يصلِّي حتَّى يطلع الفجر، لا يضع جنبه. قال حمَّاد بن زيد: حدَّثنا عاصم قال: قال لي فُضَيْلٌ الرَّقَّاشيُّ وأنا أسائله: (يا) هذا، لا يشغلك كثرة النَّاس عن نفسك، فإنَّ الأمر يخلص إليك دونهم، ولا تقل: أذهب ههنا وههنا ينقطع عنِّي النَّهار. فإنَّه محفوظ عليك، وما رأيت(3) قطُّ أحسن طلباً، ولا أسرع إدراكاً من حَسَنَة حديثةٍ لذنب قديم(4) .
          قال ابن حجر(5) : هو من صغار التَّابعين، قدَّمه شعبة في أبي عثمان النَّهديِّ على قتادة، وعَدَّهُ الثَّوريُّ رابع أربعة من الحفَّاظ أدركهم، ووصفه بالثِّقة(6) والحفظ الإمام أحمد، فقيل له: إنَّ القطَّان تكلَّم فيه فعَجِب. وثَّقه ابن معين، / والعجليُّ، وابن المدينيِّ، وابن عمَّار، والبزَّار. قال عبدان: ليس في العواصم أثبت منه. قال ابن إدريس: رأيته في السُّوق، فقال: اضربوا هذا، أقيموا هذا. فلا أروي عنه شيئاً. وتركه وُهَيْبٌ؛ لأنَّه أنكر بعض سيرته، واحتجَّ به الجماعة.
          قال الكلاباذيُّ(7) : سمع عاصمٌ أنسَ بنَ مالك، وأبا عثمان النَّهديَّ، والشَعبيَّ، ومحمَّد بن سيرين، وحفصة بنت سيرين. روى عنه ابن المبارك، وإسرائيلُ، وعبد الواحد بن زياد، وحفص بن غياث، وحمَّاد بن زيد، وإسماعيل بن زكريَّا.
          [وعاصم بن سليمان] نقل عنه البخاريُّ بالواسطة، في باب الماء الذي يُغْسَلُ به شَعَرُ الإنسان، من كتاب الوضوء [خ¦170] .
          روى عاصم، عن أنس، قال: قال رسول الله صلعم: «الموت(8) كفَّارة لكلِّ مسلم»، وروى عن أنس أيضاً، قال: لمَّا ماتت أمُّ عليِّ بن أبي طالب، فاطمةُ بنت أسد بن هاشم، دخل عليها رسول الله صلعم، فجلس عند رأسها، فقال: رحمك الله، لقد كنت أمِّي بعد أمِّي، تجوعين وتُشبعيني، وتَعْرَيْنَ وتكسيني، وتمنعين نفسك [طيِّب] الطَّعام وتطعميني، تريدين بذلك وجه الله ╡ والدَّار الآخرة، ثمَّ أمر أن تغسَّل ثلاثاً، [ثلاثاً] ، فلمَّا بلغ الماء الذي فيه الكافور، سكبه رسول الله صلعم بيده، ثمَّ خلع قميصه وألبسها إيَّاه، وكفَّنها فوقه، ثمَّ دعا أسامة بن زيد، وأبا أيُّوب الأنصاريَّ، وعمر بن الخطَّاب، وغلاماً أسود يحفرون قبرها، فلمَّا فرغ دخل صلعم فاضطجع فيه، ثمَّ قال: «الحمد لله الذي يحيي ويميت، وهو(9) حيٌّ لا يموت، اللهم اغفر لأمِّي فاطمةَ بنتِ أسدٍ، ولقِّنْها حجَّتها، ووسِّع [عليها] مُدْخَلها، بحقِّ نبيِّك والأنبياء قبلي، فإنَّك أرحم الرَّاحمين»، وكبَّر عليها أربعاً، وأدخلها اللَّحد [هو] والعبَّاس، وأبو بكر الصِّديق(10) .
          وروى عاصم عن أبي عثمان قال: قال عمر بن الخطاب: ذروا التَّنعم، وزِيَّ العجم، وإيَّاكم والحرير؛ فإنَّ رسول الله صلعم قد نهى عنه، فقال: «لا تلبسوا الحرير إلَّا ما كان هكذا» وأشار رسول الله صلعم بأصبعه الوسطى والسَّبَّابة(11) .
          توفِّي سنة إحدى، أو اثنتين، أو ثلاث وأربعين ومئة.


[1] في (ن): (أبي زياد) وفي غيرها: (آل زياد) والمثبت من تهذيب الكمال:13/486.
[2] في حليته:3/120 وترجمته مع أخباره فيه.
[3] في (ن) تصحيفاً: (ما رأيته).
[4] في (ن): (من حسن حديثه) وفيها وفي (د) و(س): (كزيت قديم) وهو تصحيف، والمثبت من (ه) وهو موافق لما في الحلية، وفي (س) وضع فوقهما كلمة (كذا)، ثم قال في هامش النسخة: (لعله لذنب قديم) وهو الوجه.
[5] مقدمة الفتح: ص411، وجاء في (ن): (قدمه شعبة في زمن أبي عثمان النهدي على قتادة) وفي (ه): (قدم شعبة على أبي عثمان..)، والمثبت من مقدمة الفتح.
[6] في (ن) تصحيفاً: (ووصفه تأليفه).
[7] الهداية والإرشاد:2/560.
[8] في (ن) تصحيفاً: (الموقف).
[9] في (ن) تصحيفاً: (وهي).
[10] أخرجه الطبراني في معجمه الكبير _باب الفاء_ حيث ابتدأ بترجمتها، وأخرجه في الأوسط، وقال: لم يرو هذا الحديث عن عاصم الأحول إلا سفيان الثوري، تفرد به رَوْحُ بنُ صلاحٍ، وهذا الحديث مع حديث (الموت) قبله في الحلية:3/121، وفيه: تشبعينني، تكسينني، تطعمينني، وكلاهما له وجه في العربية.
[11] أخرجه النسائي في الكبرى برقم(9627)، وهو في الحلية:2/446 مع جملة الأحاديث قبله.