غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

عبد الله بن جحش

          648 # عبدُ الله بنُ جَحْشِ بنِ رِئَاب(1) ، أبو محمَّد الأَسَدِيُّ، أمُّه أُميمة بنت عبد المطَّلب، عمَّة رسول الله صلعم، وهو حليف لبني عبد شمس، وقيل: حليف حرب بن أميَّة.
          ذكر السُّهيليُّ(2) أنَّ جحشاً كان اسمه في الجاهليَّة بُرَةَ، بضمِّ الموحَّدة، وخفَّة الرَّاء، فقالت زينب زوج رسول الله صلعم: لو غيَّرت اسم أبي؛ فإنَّ البرة صغيرة. فقال: لو كان أبوك مسلماً لسمَّيته باسم من أسمائنا أهل البيت، ولكنِّي سمَّيته جحشاً، والجحش أكبر من البرة. وذكر بعضَ ذلك الدَّارقطنيُّ وابنُ ماكولا.
          أسلم عبد الله قبل دخول رسول الله صلعم دار الأرقم، وهاجر إلى الحبشة هو وأخوه أبو أحمد، وعبيد الله، وأختهم زينب بنت جحش، وأمُّ حبيبة، وحمنة بنت(3) جحش؛ فأمَّا عبيد الله (فإنَّه) تنصَّر بالحبشة، ومات بها نصرانيًّا، وكانت أمُّ حبيبة بنت أبي سفيان زوجته، فتزوَّجها رسول الله صلعم بأرض الحبشة _كما سيجيء إن شاء الله_ وهاجر عبد الله إلى المدينة بأهله وأخيه أبي أحمد، فنزل على عاصم بن ثابت، وأمَّره رسول الله صلعم على سرية، وهو أوَّل أمير أمَّره في قول، وغنيمته أوَّل غنيمة غنمها المسلمون، وخَمَّس الغنيمة، وقسم الباقي، فكان أوَّل خمس كان في الإسلام، ثمَّ شهد بدراً، وقتل يوم أحد.
          قال سعد بن أبي وقَّاص: قال لي عبد الله بن جحش يوم أُحُد: ألا تأتي ندعو الله تعالى؟ فانحازا إلى ناحية، فدعا سعد، فقال: اللهمَّ إنِّي إذا لقيت العدوَّ غداً فارزقني(4) رجلاً شديداً بأسُه، شديداً حَردُه أقاتله فيك، وآخذ سلبه. فأمَّن عبد الله بن جحش، ثمَّ قال عبد الله: اللهم ارزقني غداً رجلاً شديداً بأسه، شديداً حَرده أقاتله فيك ويقاتلني، ثمَّ يقتلني [ويأخذني] فيجدع أنفي وأذني، فإذا لقيتك قلت: يا عبد الله، فيم جدع أنفك؟ فأقول: فيك وفي رسولك. فيقول: صدقت. قال سعد: كانت دعوة عبد الله خيراً من دعوتي، ولقد / رأيته آخر النَّهار، وإنَّ أذنه وأنفه معلَّقان في خيط.
          قال سعيد بن المسيَّب: قال عبد الله بن جَحْشٍ يوم أحد: اللهمَّ إنِّي أقسم عليك أن نلقى العدوَّ، وإذا لقينا العدوَّ أن يقتلوني ثمَّ يبقروا بطني، ثمَّ يمثِّلوا بي، فإذا لقيتك سألتني: فيم هذا؟ فأقول: فيك. فلقي العدوَّ، فقتل وفُعل ذلك به. ثمَّ قال ابن المسيب: إنِّي لأرجو أن يبرَّ الله آخر قسمه، كما برَّ أوَّله.
          وروى الزُّبير بن بكَّار(5) أنَّ عبد الله بن جحش انقطع سيفه يوم أُحد، فأعطاه رسول الله صلعم عُرْجُونَ نخلة، فصار في يده سيفاً، وكان يسمَّى العُرجون، ولم يزل يُتناول حتى بيع من بُغا التُّركي، بضمِّ الموحَّدة، وفتح العين المعجمة _اسم شخص_ بمئتي دينار، وكان الذي قتله يوم أحد أبا(6) الحكم بن الأخنس بن شُريق الثَّقفيَّ، وكان عمره يوم قتل نيِّفاً وأربعين سنة، ودفن هو وخاله حمزة بن عبد المطَّلب في قبر واحد، وولي رسول الله صلعم تركته، فاشترى لابنه مالاً بخيبر، وكان عبد الله يقال له: المُجَدَّع في الله.
          قال الحسن بن زيد بن الحسين بن عليٍّ: قاتل الله هشام(7) ما أجرأه على الله! دخلت عليه(8) يوماً مع أبي هذه الدَّار، يعني دار مروان، وقد أمر(9) هشام بن عبد الملك أن يفرض للنَّاس، فدخل ابن عبد الله المجدَّع في الله، فانتسب له، وسأله الفريضة، فلم يجبه بشيء، ولو كان أحد يرفع إلى السَّماء لكان ينبغي أن يرفع لمكان أبيه، وأجرى لابن أبي تَجْرَاةَ(10) الكنديِّ؛ لأنَّه قال: صاحبت عمَّك عمارة بن الوليد بن المغيرة. فقال: لَيَنْفَعُك(11) . وفرض له.
          واعلم أنِّي ما ذكرت عبد الله بن جحش في رجال(12) البخاريِّ مع أنَّه لم ينقل عنه؛ لأنَّه ذكره مبهماً، في كتاب العلم، في باب المناولة؛ حيث قال: وكتب لأمير السَّريَّة كتاباً [خ¦قبل 64] . والأمير هو عبد الله بن جحش، كما قاله ابن حجر منقولاً عن السِّيرة لابن إسحاق، وكذلك في الطَّبرانيُّ، فأحببت أن أتشرَّف بذكره، كما سأفعل مع(13) عبد الله بن حُذافةَ السَّهْمِيِّ إن شاء الله، وهذه السَّريَّة ذكرها المفسِّرون في قوله تعالى: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ } [البقرة:217](14) الآية؛ فإنَّه سبب نزول الآية، وهكذا ذكرها أهل السِّير بعد بدر الأولى، فاطلب هناك، وقد ذكر أنَّه استشهد يوم أحد، ╩. /


[1] في (ن) تصحيفاً: (رباب).
[2] الروض الأنف في شرح غريب السير:2/291، والبُرَةُ: حلقة تجعل في لحم أنف البعير. (القاموس).
[3] في (ن) تصحيفاً: (بنتا).
[4] في غير (ن): (اللهم ارزقني غدا).
[5] في الموفقيات قطعة منه، وسقط باقي الخبر: ص623، وأخباره في أسد الغابة:3/196.
[6] في غير (ن): (أبا).
[7] في (ن) تصحيفاً: (ابن).
[8] في غير (ن): (إليه).
[9] في غير (ن): (أمره).
[10] سقط من (ه) قوله: هشام إلى قوله هشام الثانية، وجاء في النسخ كلها (بجراة) بالباء وهو تصحيف، كما صرح بذلك الدارقطني في المؤتلف والمختلف:1/315، قال: والصواب بالتاء، وتجراة، ضبطه صاحب القاموس (جرى) بضم التاء، وبالفتح، أو بالزاي مهموزة.
[11] في غير (ن): (لينفعنك).
[12] في (ن) تصحيفاً: (ورجال).
[13] في غير (ن): (في).
[14] في (ن) تصحيفاً: (قال عند) بدل (قتال فيه).