غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

عبد الله بن صالح

          680 # عبدُ الله بنُ صالح بنِ محمَّد بنِ مسلم الجُهَنِيُّ، أبو صالح، المصريُّ، كاتب اللَّيث بن سعد.
          صدوق، ثبت في كتابه، وكانت فيه غفلة. قيل: كان كثير الغلط. قال الكلاباذيُّ(1) : هو كوفيٌّ مقرئ، (سمع) عبد العزيز بن أبي سلمة. روى عنه البخاريُّ بالواسطة، في تفسير سورة الفتح [خ¦4838] .
          قال ابن حجر(2) : لقي البخاريُّ أبا صالح هذا، وأكثر عنه، وليس من شرطه في الصَّحيح، وإن كان حديثه عنده صالحاً فإنه(3) لم يورد له في كتابه إلَّا حديثاً واحداً، وعلَّق عنه(4) غير ذلك، على ما ذكره(5) المزِّيُّ وغيره، وكلامهم في ذلك متعقَّب(6) بما سيأتي، وعلَّق عن اللَّيث بن سعد شيئاً كثيراً كلُّه من حديث (أبي) صالح عن اللَّيث، وقد وثَّقه عبد الملك بن شُعيب بن اللَّيث _فيما حكاه أبو حاتم_ فقال: سمعته يقول(7) : أبو صالح، ثقة، مأمون، قد سمع من جَدِّي حديثه، وكان أبي يحضُّه على التَّحديث. قال: وسمعت أبا الأسودِ النَّضْرَ بنَ عبدِ الجبَّار، وسعيدَ / بنَ عُفَير يثنيان عليه. وقال سعيد بن عمرو البرذعيُّ: قلت لأبي زُرْعة: أبو صالح كاتب اللَّيث. فضحك، وقال: حسن الحديث. قال: فقلت: إنَّ أحمد يحمل عليه. قال: وشيء آخر، وقيل لعبد الحكم: إنَّ يحيى بن بُكَيْر يقول في أبي صالح. قال: قل له: هل جئنا اللَّيث قطُّ إلَّا وأبو صالح عنده؟ رجل كان يخرج معه إلى الأسفار، وإلى الرِّيف، وهو كاتبه، أفتنكر عليه أن يكون عنده ما ليس عند غيره؟ وقال الذُّهليُّ(8) : شغلني حسن حديثه عن الاستكثار من سعيد بن عُفَيْر.
          وقال يعقوب بن سفيان: حدَّثني أبو صالح الرَّجل الصَّالح، وقال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عنه، فقال: كان في أوَّل أمره متماسكاً، ثمَّ فسد بأَخرة. وقال أيضاً: ذكرته لأبي فكرهه، وقال: إنَّه روى عن اللَّيث عن ابن أبي ذئب. وأنكر أن يكون اللَّيث سمع من ابن أبي ذئب.
          وقال أبو حاتم: سمعت ابن معين يقول: أقلُّ أحوال أبي صالح أنَّه قرأ هذه الكتب على اللَّيث، ويمكن أن يكون ابن أبي ذئب كتب إلى اللَّيث بهذا الدُّرْج.
          وقال صالح جَزَرة: كان ابن معين يوثِّقه، وعندي أنَّه يكذب في الحديث. وقال (عليُّ) بن المدينيِّ: ضربت على حديثه.
          وقال النَّسائيُّ(9) : ليس بثقة. وقال أبو حاتم: الأحاديث التي أخرجها أبو صالح في آخر عمره، فأنكروها عليه، أرى أنَّ هذا ممَّا افتعل خالد بن نَجيح، وكان أبو صالح يصحبه، وكان سَليم النَّاحية، وكان خالد يضع الحديث في كتب النَّاس، ولم يكن أبو صالح وزن الكذب؛ بل كان رجلاً صالحاً.
          وقال ابن حبَّان: كان صدوقاً في نفسه، وروى مناكير، وقعت في حديثه من قِبَلِ جار له كان يضع الحديث، ويكتبه بخطٍّ(10) يشبه خطَّ عبد الله، ويرميه في داره، فيتوهَّم عبد الله أنَّه بخطِّه، فيتحدَّث به.
          وقال ابن عديٍّ: مستقيم الحديث، إلَّا أنَّه يقع(11) في أسانيده خلط(12) ، ولا يتعمَّد الكذب.
          قال ابن حجر(13) : ظاهر كلام هؤلاء الأئمَّة أنَّ حديثه في الأوَّل كان مستقيماً، ثمَّ طرأ عليه فيه تخليط، فمقتضى ذلك أنَّ ما يجيء من روايته عن أهل الحذق _كيحيى بن معين، والبخاريِّ، وأبي زرعة، وأبي حاتم_ فهو من صحيح حديثه، وما يجيء من رواية الشُّيوخ عنه فيتوقَّف فيه، والأحاديث التي رواها البخاريُّ عنه بصيغة حدَّثنا، أو بقال لي، أو بقال المجرَّدة(14) قليلة، أحدها في تفسير سورة الفتح [خ¦4833] ، وفي قوله { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا } [الفتح:8] .
          وعبد الله هذا هو أبو صالح؛ لأنَّ البخاريَّ رواه في كتاب الأدب المفرد، فقال: حدَّثنا عبد الله بن صالح. وهو كاتب اللَّيث فيما جزم به أبو عليٍّ الغسَّاني. ثانيها في الجهاد [خ¦2995] ، فقال: حدَّثنا عبد الله قال: حدَّثنا عبد العزيز. /
           فذكر حديث ابن(15) عمر في القول عند القفول من الحجِّ، وعبد الله هو(16) أبو صالح، كما جزم به الغسَّانيُّ. ثالثها في البيوع [خ¦2063] ، في قصَّة (الرَّجل) الذي أسلف ألف دينار، وقال بعده: حدَّثني عبد الله بن صالح، حدَّثني اللَّيث بهذا. كذا(17) وقع (في) روايتنا من طريق أبي الوقت، وفي غيرها من الرِّوايات. رابعها في الأحكام [خ¦7170] عقب(18) حديث قتيبة، وقال لي عبد الله، عن اللَّيث [يعني] بهذا الإسناد في هذا الحديث: فقام النَّبيُّ صلعم فأدَّاه إليَّ. هكذا في روايتنا من طريق أبي ذرٍّ عن الكشميهنيِّ. خامسها في كتاب الزَّكاة [خ¦1475] ، عقب حديث ابن عمر في المسألة: وزادني عبد الله بن صالح عن اللَّيث. يعني بسنده. سادسها في تفسير سورة الأحزاب في الصَّلاة على النَّبيِّ صلعم [خ¦4798] : وقال أبو صالح، عن اللَّيث: على محمَّد وعلى آل محمَّد. سابعها في الاعتصام [خ¦7284] : قال أبو بكر: لو منعوني عِقَالاً. الحديث، ثمَّ قال: وقال لي ابن بُكَيْرٍ وعبد الله، عن اللَّيث: عَنَاقاً. وهو أصحُّ. ثامنها في صفة الصَّلاة [خ¦789] ، ثمَّ يقول وهو قائم: ربَّنا لك الحمد. قال عبد الله بن صالح، عن اللَّيث: ولك الحمد، ثمَّ يكبِّر حين يسجد. تاسعها أيضاً في صفة الصَّلاة [خ¦828] ، في حديث: فإذا رفع رأسه استوى حتَّى يعود كلُّ فَقَارٍ في مكانه. الحديث(19) ، ثمَّ قال: (قال) أبو صالح: كلُّ فَقَارٍ. قال ابن حجر(20) : وأمَّا التَّعليق عن اللَّيث من رواية عبد الله بن صالح عنه فكثير جدًّا، وقد عاب ذلك الإسماعيليُّ على البخاريِّ، وتعجَّب منه كيف يحتجُّ بأحاديثه حيث يعلِّقها، فقال: هذا عجيب! يحتجُّ به إذا كان منقطعاً، ولا يحتجُّ به إذا كان متَّصلاً. [قال: وجواب ذلك: أنَّما صنع البخاريُّ ذلك لما قرَّرناه أنَّ الذي يورده من أحاديثه صحيح] عنده، قد انتقاه من حديثه، لكنَّه لا يكون على شرطه الذي هو أعلى شروط الصِّحَّة، فلهذا ما يسوقه مساق أصل الكتاب، وهذا اصطلاح له قد عُرف بالاستقراء، فلا مشاحَّة فيه، والله أعلم.


[1] الهداية والإرشاد:1/411.
[2] مقدمة الفتح: ص413.
[3] في (ن) تصحيفاً: (فإن).
[4] في (ن): (فيه).
[5] في غير (ن): (ذكر).
[6] في (ن) تصحيفاً: (متعصب).
[7] في تهذيب الكمال:15/100.
[8] في (ن) تصحيفاً: (الزهلي).
[9] في (ن) تصحيفاً: (النسائين).
[10] في (ن) تصحيفاً: (بخطه).
[11] في (ن) تصحيفاً: (غلط).
[12] في (ن): (المجرد).
[13] مقدمة الفتح: ص414، وجاء في تهذيب ابن حجر: ولم يكن أبو صالح يروي الكذب، وعند المزي: وزن الكذب، كما هو عندنا.
[14] في (ن): (المجرد).
[15] سقطت (ابن) من النسخ جميعها واستدركت من الصحيح.
[16] في غير (ن): (هذا).
[17] في غير (ن): (هكذا).
[18] في غير (ن): (عقيب) وكذا الموضع بعده.
[19] في (ن): (قال الحديث) ولعل قال انتقل مكانها خطأ.
[20] مقدمة الفتح: ص415.