غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

عبد الله بن يوسف التنيسي

          744 # عبدُ اللَّهِ بنُ يوسف، أبو محمَّد التِّنِّيْسِيُّ _بكسر المثنَّاة والنُّون المشدَّدة المكسورة، بعد المثنَّاة التَّحتيَّة مهملة_ بلدة من بلاد مصر، في وسط البحر، وهي من كور الخليج، منسوب إلى تِنِّيْسَ بنِ حَامٍ (بن) نوح، وهي جزيرة بين جزائر بحر الرُّوم قربَ دُمْيَاطَ، ينسب إليه الثِّياب الفاخرة. قاله في القاموس(1) ، والأوَّل كلام ابن السَّمعانيِّ(2) .
          وهو ثقة، كُلاَعِيٌّ، بضمِّ الكاف، وخفَّة اللام، بعدها مهملة(3) . أصله من دمشق، من أثبت النَّاس في الموطَّأ، من كبار طبقته. قال البخاريُّ: لقيته بمصر، وكان من العلماء.
          سمع: مالك بن أنس، واللَّيث بن سعد، ويحيى بن حمزة، وعبد الله بن سالم الحمصيَّ.
          روى عنه البخاريُّ من غير واسطة في مواضع من صحيحه، أوَّلها: في ثاني الحديث من أوَّل الصَّحيح، من كتاب بدء الوحي [خ¦2] .
          وكان لُقْيَا البخاريِّ إيَّاه سنة سبع عشرة(4) ومئتين، ومات في تلك السَّنة، أو [في] سنة ثمان عشرة ومئتين.
          - فائدة:
          في يوسف ثلاث لغات، بتثليث المهملة مع الهمزة(5) ، (وتركها،) قاله الكرمانيُّ. قال الزَّمخشريُّ جارُ اللَّهِ العَلاَّمةُ في كشَّافه(6) : يوسف اسم عبرانيٌّ، وقيل: عربيٌّ. وليس بصحيح؛ لأنَّه لو كان عربيًّا لانصرف؛ (لخلوه) عن سبب آخر سوى التَّعريف _يعني العلَميَّة_ فإن قلت: فما تقول فيمن قرأ يوسفِ بكسر السِّين ويوسَف(7) بفتحها، هل يجوز / على قراءته أن يقال: هو عربيٌّ، لأنَّه على وزن المضارع المبنيِّ للفاعل، أو المفعول من آسف، يعني(8) من الأفعال؟ وإنَّما منع الصَّرف للتَّعريف، ووزن الفعل. قلت: لا؛ لأنَّ القراءة المشهورة قامت بالشَّهادة على أنَّ الكلمة أعجميَّة، فلا تكون عربيَّة تارة، وأعجميَّة أخرى، ونحو يوسف، يونس، رويت فيه هذه اللُّغات الثَّلاث، ولا يقال: هو عربيٌّ؛ لأنَّه في لغتين منها بوزن المضارع من آنس، وأونس. انتهى كلامه، فرحمه الله ما أدقَّ نظرَه، فالرَّاجح(9) أنَّه ليس بعربيٍّ، كما اختاره النَّسفيُّ(10) ، ومحيي السُّنَّة(11) أيضاً، والقول المرجوح لأبي الحسن الأقطع؛ فإنَّه سئل عن يوسف، فقال: الأسف في اللُّغة الحزن، والأسيف(12) المبعد، اجتمعا في يوسف، فسمِّي به. قاله في معالم التَّنزيل.
          - نكتة:
          لا شكَّ أنَّ القرآن كلَّه بمركَّباته ومفرداته عربيٌّ، وما فيه من مثل السِّجِّيل، والإستبرق، والقسطاس، والمشكاة، فمن توافق اللُّغتين، أعني وافق لغة العرب لغة العجم والرُّوم والحبشة، كالصَّابون في جميع اللُّغات، لا أنَّها مخترعات مبتدأة، كما ذهبت إليه المعتزلة، متمسِّكين [بأنَّ] الشَّارع أتى بمعان مخترعة غير معلومة قبل الشُّرع(13) ، كالوضوء، والزَّكاة، وغيرها، فليوضع لها أسماء مخترعة، فإنَّ جواز النَّقل مجازاً يردُّهم، ونقول: هل يكفيه النَّقل لعلاقة بين المعنى الشَّرعيِّ والمعنى اللُّغويِّ؟ لتكون حقيقة شرعيَّة مجازاً لغويًّا، مثلاً: الصَّلاة لغة الدُّعاء؛ لقوله تعالى: { وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ } [التوبة:103] أي ادع لهم، وإنَّما استعمل تعدية الصَّلاة بعلى لا باللَّام، وإن كان اللَّام للَّنفع، وعلى للضُّرِّ بدليل قوله تعالى: { لَهَا مَا كَسَبَتْ } أي من خير { وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ } [البقرة:286] أي من شرٍّ؛ لأنَّه ضمَّن الصَّلاة معنى التَّعطُّف. يقال عطف عليه، لا عطف له، وأيضاً للتَّعالي(14) ، فإنَّ منزلته صلعم أعظم المنازل، وكذلك الزَّكاة، بمعنى(15) الطَّهارة لغة، قال الله تعالى: { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا } [الشمس:9] أي طهَّرها من الآثام، وهذا القدر المخرج الذي نسمِّيه زكاة يطهِّر المال وصاحبه من الآثام، ولهذا جعله الشَّارع(16) أوساخ الأموال، فحرَّم على نفسه وآله، وهكذا غيرهما من الحقائق الشَّرعيَّة، فكلُّها مجازات لغويَّة للعلاقة، نعم اعترض ابن الحاجب اعتراضاً قويًّا، لا أعلم له تفصيلاً(17) ، وهو أنَّ(18) مثل يوسف وجبرائيل إلى غير ذلك يمنعه النُّحاة للعلميَّة والعُجمة، وهذا تصريح منهم بأنَّ في القرآن ألفاظاً غير عربيَّة، وإلَّا يلزمهم منع الصَّرف بعلَّة واحدة في غير الجمع وأَلِفَي التَّأنيث. فليتأمَّل، فإنَّه (إيراد) شديد (سديد)، ولعلَّ الله يمنُّ بالجواب، والجواب أنَّ الخلاف في غير العَلَم، فقد قال المَحَلِّيُّ شارح جمع الجوامع(19) : لا خلاف في وقوع / العَلَم الأعجميِّ في القرآن، كإبراهيم. قال: ويحتمل أن لا يسمَّى معرَّباً. قلت(20) : وهو الحقُّ؛ لأنَّ العَلَم ما وضعه واضع اللُّغة، ولهذا(21) لا يوصف العَلَم بحقيقة، ولا مجاز. قال الزَّرْكَشِيُّ: ليست الأعلامُ معرَّبة قطعاً، وإنَّما خرجت عن محلِّ الخلاف بوقوعها في القرآن، لأجل اجماع النَّحويين على أنَّ إبراهيم ونحوه ممنوع من الصَّرف؛ للعلميَّة والعجمة، ولو كان من قبيل توافق اللُّغتين لكان منصرفاً، فانظر إلى الوضع العربيِّ. قلت: والذي يحسم مادَّة هذا الإشكال هو أن تعلم أنَّ المراد بالألفاظ الأعجميَّة المنفيَّة عن ورودها في القرآن هي أسماء الأجناس؛ لأنَّها هي التي وضعها واضع لغة العجم، بدليل تمثيلهم بالقسطاس والمشكاة، لا الأعلام، فإنَّها(22) ما وضعها واضع لغة العجم، وإنَّما اخترعها العجم بعد وجودهم أسماءً على الأولاد والبلاد والقبائل، [والأعلام] لا توصف بحقيقة، ولا مجاز، نصَّ عليه الأصوليُّون، كالآمِدِيِّ وغيره، لأنَّها [مخترعات،] (ما وضعها واضع اللُّغة)، فاستفدها فإنَّها عظيمة الفائدة، ويؤيِّده قول ابن الحاجب في الكافية(23) : شرط العُجْمَةِ أن تكون عَلَماً في العجم. قال الشَّارح(24) : فإنَّ اسم الجنس العجميَّ، كالدِّيباج، واللِّجام إذا جعل عَلَماً صُرف، فاتَّضح أنَّ المراد بالعجمة المانعة عن الصَّرف غير العجمة الممنوعة عن ورودها في القرآن، فإنَّ المانعة هي التي اخترعها العجم أعلاماً، والممنوعة هي التي وضعها واضع لغة العجم، فتأمَّل، فإنَّه والله حقيق أن يكتب ببياض النَّهار على سواد اللَّيل، الحمد لله(25) على هذه الفائدة العظمى التي ما خيَّب الله تعالى سهري عليها ليالي وأيَّاماً.(26) /


[1] مادة: (تنِّيس).
[2] الأنساب:1/487.
[3] في غير (ن): (المهملة).
[4] في (ن): (سبعة عشر) و(ثمان عشر).
[5] في (ن): (الهمز).
[6] عند قوله تعالى: (إذ قال يوسف).
[7] في (ن): (أو يوسف).
[8] في غير (ن): (أعني).
[9] في غير (ن): (فالمرجح).
[10] مدارك التنزيل وحقائق التأويل عند تفسير الآية نفسها.
[11] معالم التنزيل:4/212.
[12] في غير (ن): (الأسِف) وفي (ن) تصحيفاً (العبد) بدل (المبعد).
[13] في غير (ن): (الشرع).
[14] في (ن): (للتعلي).
[15] في غير (ن): (يعني).
[16] في (ن) تصحيفاً: (الشارح).
[17] في (ن) تصحيفاً: (تفصياً).
[18] في غير (ن): (أنه).
[19] أنظر حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع، بحث مسألةَ المعرب.
[20] في غير (ن): (قال).
[21] في غير (ن): (وبهذا) وأيضاً (لوقوعها) و(اجتماع).
[22] في غير (ن): (فإنه).
[23] شرح الرضي على الكافية:1/142.
[24] في (ن): (الشراح).
[25] في غير (ن): (ولله الحمد).
[26] جاء في هامش (ن) وفي نهاية الأسطر كلمات ساقطة وغير واضحة فوضعت نقاطاً للدلالة على السقط: (قوله فتأمل، قال شيخنا العلامة الشيخ محمد الخليلي أدام الله به النفع: تأملناه فلم نجد له فائدة، والجواب الحاسم أنا نقول: ليس في القرآن أعجمي لا من الأعلام ولا من غيرها، خلافاً لما قاله المحلي؛ إذ الأصح خلافه، وأما ما نقل عن النحاة فمن توافق اللغات... ذلك للعجم وإن كان موصوفاً للعرب... وضع العجم على وضع العرب في اللفظ.. من مجرد السبق، إذ لسان العجم ثقيل غير فصيح، فما نسب إليهم ثقيل وإن كان من وضع... فتأمل). ثم جاء بعده في المتن: آخر الجزء الأول المبارك من غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام، حشرنا الله في زمرتهم يوم القيامة، يوم الحسرة والندامة، ونبدأ إن شاء الله بعده بعبد الأعلى، وما توفقي إلا بالله، عليه توكلت وهو حسبي ونعم الوكيل. وجاء في آخر (ه): هذا آخر الجزء الأول من غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام، حشرنا الله في زمرتهم يوم القيامة يوم الحسرة والندامة، يتلوه الجزء الثاني: عبد الأعلى.
نجز يوم الأحد المبارك ثالث شهر صفر الخير من شهور سنة سبع وأربعين ومئة بعد الألف على يد العبد الضعيف عبد الله الصِّدِّيقيِّ، المَوْصِليِّ الأصل، السَّرْمِيْنِيِّ المولد والمنشأ، المجاور بجامع الرضاية بحلب المحمية، غفر الله له ولوالديه وللمسلمين آمين.
برسم الشيخ يوسف الحلبي، نفعه الله به، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.