غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

عبد الله بن عمرو

          703 # عبد الله بن عمرو بن العاص، الصَّحابيُّ ابن الصَّحابيِّ، القرشيُّ، أبو محمَّد، السَّهْمِيُّ، بفتح المهملة(1) ، وسكون الهاء، بعده(2) ميم، وأمُّه رَيْطَةُ بنتُ مُنَبِّه بنِ الحَجَّاج. نزل الشَّام.
          وروى عن أبي بكر.
          روى عنه: مسروق، والشَّعبيُّ، ومجاهد، وعروة، وعبيد، وحميد بن عبد الرَّحمن، وعيسى بن طلحة، وأبو العبَّاس الشَّاعر، وأبو الخير.
          نقل عنه البخاريُّ بالواسطة في مواضع، أوَّلها: في باب المسلم من سلم المسلمون من كتاب الإيمان [خ¦9] .
          قال الكرمانيُّ(3) : إنَّما كتبت الواو بعد عَمْرو ليتميَّز عن عُمر، وهذا في غير النَّصب؛ أمَّا في النَّصب فيتميَّز بالألف. /
           قلت: وإنَّما زيدت في عَمْرو _بإسكان الميم_ لا في عُمَر بفتحها؛ لأنَّ الخفَّة في عمرو موجودة(4) بواسطة السُّكون، وفتح العين.
          أسلم قبل أبيه، وشهد معه صِفِّينَ، وكان يضرب بسيفين، وبينه وبين أبيه في السِّنِّ ثنتا عشرة(5) سنة، أو إحدى عشرة. قالوا: ولا نعرف أحداً غيره بينه وبين والده هذا القدر. قلت: قد مضى في ترجمة الضَّحَّاكِ بنِ مَخْلَدٍ ما هو مثله، ولكن بينه وبين والدته، فراجعها، وكان عبد الله غزيراً في العلم، مجتهداً في العبادة.
          روى عن رسول الله سبع مئة حديث، للبخاريِّ منها خمسة وعشرون حديثاً عند الكرمانيِّ، و [ستَّة وعشرون] عند ابن حجر(6) . كان أحمر، عظيم البطن، وعمي في آخر عمره.
          قال ابن الأثير(7) : كان عالماً، في(8) القرآن، والكتب المتقدِّمة، واستأذن النَّبيَّ صلعم في أن يكتب، فأذن له، فقال: يا رسول الله، أكتب ما أسمع في الرِّضا والغضب؟ قال: «نعم، فإنِّي لا أقول إلَّا حقًّا». قال أبو هريرة: ما كان أحد أحفظ لحديث رسول الله صلعم منِّي إلَّا عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب، ولا أكتب. وقال عبد الله: حفظت من رسول الله صلعم ألف مَثَل. قال عبد الله: [قلت] لرسول الله صلعم: في كم أقرأ القرآن؟ قال: «اختمه في شهر». قال: قلت: [إنِّي] أطيق أفضل من ذلك. قال: «اختمه في عشرين». قلت: إنِّي أطيق أفضل من ذلك. قال: «اختمه في خمس عشرة». قلت: إنِّي أطيق أفضل من ذلك. قال: فما رخَّص لي. هكذا في أسد الغابة، وفي صحيح البخاريِّ، في فضائل القرآن [خ¦5052] أنَّه قال له: «اقرأ في سبع، ولا تزد». قال: وقال بعضهم: في ثلاث، أو خمس، أو في سبع، وأكثرهم على سبع. انتهى كلام البخاريِّ.
          قال مجاهد: أتيت عبد الله، فتناولت صحيفة تحت مفرشه، فمنعني، قلت: ما كنت تمنعني شيئاً. قال: هذه الصَّادقة، (فيها) ما سمعت من رسول الله صلعم ليس بيني وبينه أحد، إذا سَلِمَتْ [لي] هذه، وكتاب الله، والوهط، فما أبالي على ما كانت عليه الدُّنيا. والوَهْطُ: أرض كانت له يزرعها. قال عبد الله: لخيرٌ أعمله اليوم أحبُّ إليَّ من مثليه مع رسول الله صلعم ؛ لأنَّا كنَّا مع رسول الله صلعم تهمُّنا الآخرة، ولا تهمُّنا الدُّنيا، وأمَّا اليوم مالت بنا الدُّنيا. وشهد مع أبيه فتح الشَّام، وكانت راية أبيه معه يوم اليرموك، وشهد معه أيضاً صِفِّين، وكان على الميمنة، فقال له أبوه: اخرج فقاتل. فقال: يا أبتاه: أتأمرني أن أقاتل، وقد سمعت رسول الله صلعم يعهد إليَّ ما عهد. قال: أنشدك الله يا عبد الله، ألم يك آخر ما عهد إليك رسول الله صلعم / أن أخذ بيدك فوضعها في يدي؟ وقال: «أطع أباك». قال: اللهم بلى. قال: فإنِّي أعزم عليك أن تخرج فتقاتل، (فخرج فقاتل،) وتقلَّد سيفين(9) ، وندم بعد ذلك، فكان يقول: ما لي ولصِفِّين؟ ما لي ولقتال المسلمين؟ لوددت أنِّي متُّ قبله بعشرين سنة. (وقيل): شهدها بأمر أبيه، ولم يقاتل. قال ابن أبي مُليكة: قال عبد الله: أما والله ما طعنت برمح، ولا ضربت بسيف، وما رميت بسهم، وما كان رجل أجهد منِّي. وقيل: كانت الرَّاية بيده. وقال: قدمت النَّاس منزلة أو منزلتين. وعن رجاء قال: كنت في مسجد النَّبيِّ صلعم في حلقة، فيها أبو سعيد الخدريُّ، وعبد الله بن عمرو، فمرَّ بنا الحسين(10) بن عليٍّ، فسلَّم، فردَّ القوم عليه السلام، فسكت عبد الله حتَّى فرغوا، فرفع صوته، فقال: وعليك السَّلام ورحمة الله وبركاته. ثمَّ أقبل على القوم، فقال: ألا أخبركم بأحبِّ أهل الأرض إلى أهل السَّماء؟ قالوا: بلى. قال: هو هذا الماشي، ما كلَّمني كلمة منذ ليالي صِفِّين، ولأن يرضى عليَّ(11) أحبُّ إليَّ من أن يكون لي حُمْرُ النَّعَم. فقال أبو سعيد: ألا تعتذر [إليه] ؟ قال: بلى. فتواعدوا أن يغدوا إليه، قال: فغدوت معهما، فاستأذن أبو سعيد، فأذن له، فدخل، ثمَّ استأذن لعبد الله فأبى، فلم يزل أبو سعيد به حتَّى أذن له، فلمَّا دخل قال أبو سعيد: يا ابن رسول الله، إنَّك لمَّا مررت بنا أمس. فأخبره بما كان من قول عبد الله، فقال الحسين: أما علمت يا عبد الله أنِّي أَحَبُّ أهل الأرض إلى أهل السَّماء؟ قال: إي وربِّ الكعبة. قال: فما حملك (على) أن تقاتلني، وتقاتل أبي يوم صِفِّين؟ فوالله لأَبي كان خيراً منِّي! قال: أجل، ولكن عَمْرو شكاني إلى رسول الله صلعم، فقال: إنَّ عبد الله يقوم اللَّيل، ويصوم النَّهار، فقال صلعم: «يا عبد الله، صَلِّ ونَمْ، وصُمْ وأَفْطِر، وأَطِعْ أباك عَمْراً». فلمَّا كان يوم صِفِّين أقسم عليَّ فخرجت، أما والله ما اخترطت سيفاً، ولا طعنت برمح، ولا رميت بسهم. قال: فكأنَّه [قبل منه](12) .
          توفِّي سنة ثلاث، أو خمس، أو سبع، أو ثمان وستِّين، أو غير ذلك بمكَّة، أو بالطَّائف، أو بمصر، عن اثنتين وسبعين، أو اثنتين وتسعين سنة.


[1] في (ن) تصحيفاً: (الميم).
[2] في غير (ن): (بعدهما).
[3] شرح البخاري:1/88.
[4] في (ن): (موجدة).
[5] في (ن): (ثنتا عشر).
[6] شرح البخاري:1/77، ومقدمة الفتح: ص475.
[7] أسد الغابة:3/346 وما بعدها، وله تتمة: قال: اختمه في عشر، قلت: إني أطيق أفضل من ذلك، قال: اختمه في خمس، قلت: إني أطيق أفضل من ذلك، قال: فما رخص لي، والحديث أخرجه الترمذي، برقم (3946) وقال: حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
[8] في غير (ن): (قرأ).
[9] في غير (ن): (بسيفين).
[10] في (ن): (حسين).
[11] في غير (ن): (عني).
[12] أسد الغابة:3/347 مع بقية أخباره، وما بين حاصرتين منه.